خلال الحفل الديني الذي ترأسه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله يوم السبت 11 ربيع الاول 1436 الموافق لـ 3 يناير 2015، بمسجد حسان بالرباط إحياء لذكرى المولد النبوي الشريف.
ألقى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق، عرضا بين يدي جلالة الملك، حول التقرير السنوي لحصيلة أنشطة المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، قبل أن يقدم لجلالته التقرير السنوي لهذه الحصيلة.
وفيما يلي عرض السيد الوزير:
“الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
وعلى آله وصحابته الأكرمين
مولاي أمير المؤمنين
تفتخر المملكة المغربية الشريفة بهذا الاحتفال الرسمي بعيد مولد نبي الهدى، لبنة التمام، جدكم المصطفى عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام، وذلك في استمرارية توطدت على امتداد القرون،احتفال يزدهي بأنواع التعبير عن المحبة في الجناب النبوي المنيف، وهو بالإضافة إلى ذلك مقترن بهموم الأمة في عزمها وثوابتها، فمنذ أن تكرست الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم شعارا للدفاع عن الوطن، لاسيما في بداية العصر الحديث، صار المولد مناسبة متجددة لإيقاظ الهمم وإذكاء جذوة الإيمان، من أجل الوفاء لهذا الوطن، و تأكيد رسالته النبيلة في الآفاق، وها هو عهدكم، يا مولاي، يرصد هذه المناسبة لاستعراض ما تحقق في العام من تدابير حفظ الدين، المنوط بإمارة المؤمنين، وهي تدابير تتناول على الخصوص: خدمة القرآن الكريم، وعمل العلماء في التبليغ والإرشاد ضمن الالتزام بالثوابت، كما تتناول رعايتكم لأحوال القيمين الدينيين، وعنايتكم بالمساجد وبتأهيل التعليم العتيق.
أولا: العناية بالقرآن الكريم
تميزت السنة المنصرمة بتحقيق مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف لهدفها المرسوم، وهو إخراج مليون نسخة من مصحف المساجد، كما قامت بنشر مصحف على أنصاف الأحزاب، وبإعداد مصحف أثري، وبالتسجيل لقراء جدد، ورخصت الوزارة لأكثر من أربعمائة كتاب لتحفيظ القرآن خارج المساجد، وأحدثت مكافأة تشجيعية للأئمة المحفظين، وواصلت تنظيم جوائز وطنية ودولية لحفظ القرآن وتجويده وتفسيره، وهي جوائز تحمل اسمكم الشريف.
ثانيا: نشاط العلماء
يتعمق في كل يوم وعي العلماء بمقتضيات تنزيل الفقه العام، في علاقة بتأطير المواطنين وتكريس العمل بالثوابت وترسيخ قيم الاعتدال مع ما يتطلبه ذلك من رفع وثيرة العمل، وهو ما يتجلى في آلاف الأنشطة المبسوطة في التقرير الذي سيرفع لجنابكم الشريف، وبهذا الصدد شهدت السنة تفضلكم برئاسة تقديم برنامج التأطير الإضافي بالأئمة المرشدين، وركزت دورتا المجلس العلمي الأعلى على تدقيق ضوابط إنجاح هذا التأطير قصد تعزيز دور المسجد في نشر قيم الدين السمحة وتقريب الناس من ربهم على الطريقة المثلى. ولدعم التأطير الديني للنساء أمرت جلالتكم برفع عدد المرشدات المتكونات سنويا من خمسين إلى مائة مرشدة.
ثالثا: العناية بالقيمين الدينيين
صدر في هذا الشأن ظهير شريف، أتى بمقتضيات غير مسبوقة، إذ حدد مهام هؤلاء القيمين ووضعياتهم، ولا يخفى ما لذلك من تأثير عليهم بإشعارهم برعايتكم الحاضنة لهم، وما ينتظر لذلك من آثار حميدة، ومنها حمايتهم من تيارات التزمت أوالفتنة.
رابعا: أما فيما يتعلق بالمساجد
فقد أذنت جلالتكم بفتح أزيد من مائة وستين مسجدا جديدا بمناسبة شهر رمضان، وقد بنت منها الوزارة أربعين مسجدا كبيرا، كما أولى جنابكم السامي العناية السابغة للمساجد التي أغلقت بسبب اختلالات في بنيانها، فأمرتم بتكوين لجنة وزارية تنكب على هذا الموضوع، وهكذا فبعد أن كان عدد هذه المساجد 2427 عام 2010، جرى تنفيذ معالجات أدت إلى خفض العدد إلى 1700 مسجد، توجد 200 منها في طور الإصلاح، بتكفل من الوزارة والمحسنين، وأمكن بعد تكوين اللجنة المذكورة تعبئة فعاليات مؤسساتية وإحسانية التزمت بإصلاح 370 مسجدا أخرى، وبرمجت الوزارة 100 مسجد في ميزانيتها لهذه السنة، وقد روعي في كل البرمجات عنصر الأولوية، على أساس الخصاص والكثافة السكانية. أما المساجد المتبقية، وعددها ألف ومائة مسجد، فتقدر كلفة إصلاحها بمليار ونصف مليار درهم، والمتوقع أن تراعى في الترتيب الزمني لبرمجتها نفس الاعتبارات، على أن تسجل لها اعتمادات استثنائية لثلاث سنوات ابتداء من هذه السنة.
وفي نفس السياق، شهدت السنة المنصرمة، حدثا تشريعيا مهما تمثل في ما أمرتم به، يا مولاي، من صدور ظهير شريف في شأن مراقبة بنايات المساجد، وقد حدد هذا الظهير الشريف، لأول مرة، كيفيات مراقبة حالة بنايات مساجد المملكة، وحدد الجهات المكلفة بهذه المراقبة، وكذا إجراءات ضمان سلامة البنايات.
خامسا: التعليم العتيق
توالت عملية الإدماج القانوني والتأهيل التربوي والدعم المادي لهذا التعليم، ومن التأهيل التربوي إعداد وثائق منهجية تهم تطوير تعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية واللغة العربية والتوقيت وتدريس العلوم الإنسانية، كما تم جمع قواعد الرسم والضبط المعروفة بالأنصاص القرآنية، لما للمغاربة من عناية خاصة بها، وتم وضع دليل لمصطلحات تعليم القرآن بالتعليم العتيق، كما أنجز عمل توثيقي سمعي بصري للمتون العلمية المرجوع إليها في هذا التعليم.
أما برنامج محاربة الأمية في المساجد، فقد صدر ظهير شريف بتنظيمه، وأحدث فيه مستوى ثان فتح لخمسين ألف مستفيد، كما صار المستوى الأول من هذا البرنامج مدعما بتكنولوجيا الاتصال، ضمن البرنامج الذي أعطيتم انطلاقته، يا مولاي، يوم الرابع من شهر أبريل الماضي.
مولاي أمير المؤمنين
في هذا الزمن الذي اظلم فيه على كثير من الناس، إلى حد أنهم جعلوا الدين ذريعة للإفساد، والحق أن غاية الدين كله الصلاح والإصلاح، وفي وقت تحير فيه أهل العلم مع علمهم، وعجز فيه عن التبينأهل الخير مع حسن ظنهم، يبرز نموذج التدبير المستمد من إمامتكم العظمى، ليري الناس آيات حكمة الجمع بين التمسك بالدين القويم والأخذ بجميل الاختيارات في جميع المجالات، ومن معالم الإشهاد على ذلك، في العام المنصرم، وقائع منها: الجمع العالمي لأتباع الطريقة التجانية بفاس، والجلسة التي عقدها مجلس الأمن في نيويورك للاطلاع على تجربة المغرب المندمجة في مناهضة الإرهاب، وعديد الطلبات التي رفعت إلى مقامكم، ووافقتم عليها من بلدان أجنبية، لتكوين الأئمة لفائدة هذه البلدان، ومن أجل الاستجابة للطلب الداخلي والخارجي في هذا الموضوع، صدر بأمر من جلالتكم الظهير المؤسس لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات،
حفظكم الله يا مولاي، وجعل خدمة الدين حصنا حصينا لجلالتكم، ومرقى إلى أسباب الخير العميم لشعبكم المستنير بتوجيهاتكم، المستمد في حياته من قبس إيمانكم، والسلام على المقام العالي بالله.
الله يبارك في عمر سيدي”