الرباط ــ تضع الحاجة نجاة اللمسات الأخيرة على زينة طفلة قبل التقاط صور لها بملابس العروس، وتعمل الحاجة منذ سنوات “نكافة”، أي مزينة عرائس، وهي المهنة التي اختارت مزاولتها بعد تقاعدها من الوظيفة.
علت السعادة ملامح الطفلة وهي تنظر إلى صورتها في المرآة، ثم مدت يدها بفرح غامر للنقاشة لترسم على يدها الصغيرة نقوشا بالحناء، ولم تكتمل طقوس الاحتفاء بهذه الصغيرة إلا بجلوسها على العمارية، وأخذ صور في أوضاع مختلفة.
تزيين الأطفال والتقاط الصور لهم بلباس العرائس هو جزء من عروض المهرجان الوطني للعرس التقليدي المغربي الذي نظمته غرفة الصناعة التقليدية بجهة الرباط، وشاركت فيه الحاجة نجاة وعدد من العارضين القادمين من مختلف المدن.
وتفنن المشاركون في المهرجان في تقديم لوازم العرس المغربي، ونظموا عروضا حية أمام الجمهور بهدف إبراز التنوع الذي يميز حرف الصناعة التقليدية المرتبطة بالأعراس.
تقول الحاجة نجاة للجزيرة نت إن العرس المغربي حافظ على التقاليد المتوارثة عن الأجداد، ولم يشهد تغييرات كبيرة رغم عناصر التجديد التي شملت اللباس والحلي، وتضيف أن الحرفيين يبدعون للحفاظ على استمرارية تلك التقاليد.
النكافة لبنى جباري تزين طفلة جالسة في مجلس العروس ضمن عروض مهرجان العرس التقليدي (الجزيرة)
النكافة لبنى جباري تزين طفلة جالسة في مجلس العروس ضمن عروض مهرجان العرس التقليدي (الجزيرة)
تمسك بالعادات
تتمسك العائلات المغربية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية بالتقاليد ذاتها في إقامة العرس، وتأخذ كامل وقتها في الإعداد له؛ فـ”عرس ليلة تدبيره عام”، كما يقول المثل المغربي.
يبدأ العرس المغربي بدخول العروس قاعة الحفل محمولة على الأكتاف فوق “العمارية”، وهو هودج مسقوف بلون الذهب أو الفضة، بينما تصدح الموسيقى بإيقاعات الأغاني الخاصة التي ترحب بدخولها.
ويختلف الباحثون في التأصيل للعمارية؛ فمنهم من يقول إن اليهود جلبوها من الأندلس إلى فاس، ومنهم من يعتبرها تقليدا أمازيغيا يعود إلى ما قبل دخول الإسلام للمغرب.
غير أن المتفق عليه أن حمل العروس على الأكتاف والطواف بها وسط الضيوف، طقس فريد يميز الأعراس في المغرب، مفاده أن منزلة العروس فوق رؤوس الجميع، وهي ملكة الحفل دون منازع.
تقول النكافة نجاة “عندما نرفع العروس على الأكتاف، فإننا نشرفها ونعطيها قيمة عالية”.
وترتدي العروس المغربية في زفافها أكثر من لباس تقليدي “تكشيطة” بتصاميم وألوان وحلي مختلفة، وأحيانا تختار العروس ارتداء لباس يمثل المنطقة التي تنحدر منها، كأن ترتدي الزي الفاسي أو الشمالي أو الأمازيغي أو الصحراوي، وخلال كل مرة يدخل فيها العروسان قاعة العرس تتعالى الزغاريد والصلاة والسلام على النبي، وتحيط بهما النكافة ومساعداتها اللواتي يرتدين بدورهن زيا تقليديا موحدا.
أما العريس، الذي يسمى في ليلة عرسه مولاي السلطان، فلا يغير ملابسه سوى مرتين، يرتدي الجلباب التقليدي أو الجبادور، وهو عبارة عن لباس تقليدي من قطعتين أو ثلاث، ثم بذلة رسمية.
وفي لحظات أخرى من العرس، تدخل العروس على ضيوفها وهي محمولة تارة على الهودج وتارة أخرى على الميدة أو الطيفور (وهي على عكس العمارية غير مسقوفة)، وقد يحمل العريس أيضا على الميدة إذا رغب. وخلال ذلك يرقص الرجال الذين يحملونهما على إيقاعات الأغاني الشعبية، بينما يحيي العروسان الضيوف وترمي العروس عليهم الورد ترحيبا بهم.
طقوس الحناء
وتسبق حفل العرس ليلة الحناء، وتتميز بطقوس خاصة كنقش يدي وقدمي العروس بالحناء، وترتدي غالبا في تلك الليلة قفطانا أخضر اللون يسمى النطاع، وتكون الحلي ومكان جلوسها أيضا باللون نفسه. وتقول نجاة إن الفتيات يفضلن اللون الأخضر في هذه الليلة كونه يرمز إلى السلام، ولأنه لون الحناء التي ترتبط في الذائقة الشعبية بالتفاؤل.
وتوضع لوازم الحناء أمام العروس فوق طاولة موشاة بالأخضر يطلق عليها “الطيفور”، وهي الطريقة التقليدية، في حين يفضل البعض الطريقة العصرية برص تلك اللوازم على طاولة متحركة تسمى “الشاريو”. وبالإضافة إلى الحناء، يوضع الشمع والبيض والورد والسكر والحليب لجلب الحظ والسعادة والوفرة لحياة العروسين.
وتحتفل العروس بليلة الحناء بين أهلها وجيرانها وصديقاتها المقربات، وتعد أكياس خاصة مملوءة بورق الحناء، يتم توزيعها في نهاية الحفل على صديقات العروس غير المتزوجات، وبعد أن تخضب يد العروس بنقوش خاصة يفتح المجال لباقي الحاضرين الراغبين في نقش أيديهن.
الدفوع أو الهدية
ولا تكتمل ليلة الحناء إلا بمرحلة “الدفوع” أو الهدية، تقول لبنى جباري صاحبة وكالة لتنظيم الأعراس للجزيرة نت إن المشرفين على العرس يقومون بترتيب هدايا العريس في صناديق خاصة تسمى “الطيافر”، وتكون هذه الهدايا عبارة عن أثواب تقليدية وحلي وعطور ومنامات وأحذية وحقائب يدوية، إضافة إلى الحليب والتمر المحشو باللوز والورد والقرنفل والشكولاتة والسكر.
ويعتبر السكر والحليب عنصرين أساسيين في كل المناسبات المغربية؛ فبياضهما يشير إلى نقاء الحياة المنتظرة وحلاوتها.
وبحسب لبنى، فإن عدد “الطيافر” التي تحتاجها الأسرة لتقديم الهدايا يختلف حسب إمكانيات العريس، ففي بعض المناطق الصحراوية يقدم أهل العريس هدايا تكفي العروس طيلة سنة، لذلك تحتاج إلى عدد كبير من “الطيافر”.
ويحمل أهل العريس صناديق الهدايا مرفوقين بفرقة موسيقية شعبية، ويتم استعراضها أمام الجيران في محيط منزل العروس وأمام الضيوف داخل قاعة الحفل.
وظلت طقوس العرس المغربي هي ذاتها، لكن التفاصيل تختلف حسب الإمكانيات المادية للعريسين والمنطقة التي ينحدران منها، وتحظى هذه الطقوس الفريدة والمميزة بإعجاب الأجانب، وتقول الحاجة نجاة إن المغربيات المتزوجات من أجانب يحرصن على إقامة عرسهن وفق التقاليد المغربية، وهو ما لمسته خلال مزاولتها عملها في تنظيم الأعراس.
ويضفي الصناع التقليديون بمهارتهم وإبداعهم لمسات خاصة على كافة التفاصيل المرتبطة بالعرس المغربي، فهم جنود الخفاء الذين يعملون بتفان للحفاظ على التقاليد والعادات المتوارثة عن الأجداد.
مملكتنا.م.ش.س