الجيـــــل الجديد من السفــراء رغبة المملكة في بعث روح جديدة في الديبلـــــــــوماسية
لأول مرة يعقد محمد السادس مجلسا وزاريا في مدينة العيون، ويصادق فيه على قرارات كبرى، والبداية بتعيين جيل جديد من السفراء، ومنهم من كان من ضحايا الملك الحسن الثاني، و ها هم أصبحوا اليوم سفراء لمحمد السادس !
وهكذا تابع المعنيون كيف جاءت خارطة السفراء معبرة حينما توزعت على دول العالم، وستطير بموجبها خديجة الرويسي إلى الدنمارك و آمنة بوعياش إلى السويد وكنزة الغالي إلى الشيلي وعبد السلام أبو درار إلى بريطانيا وعبد القادر الشاوي إلى جنوب إفريقيا..
بداية ما هي قراءتكم للتعينيات الأخيرة للسفراء، وكذا تعيين وزير منتدب في الخارجية بدل امباركة بوعيدة ؟
مبدئيا، يتزامن هذا التعيين مع فترة الاستعداد للانتخابات التشريعية التي حدد لها 7 أكتوبر 2016، ونهاية ولاية حكومة بن كيران بمكوناتها الائتلافية، وبالتالي فإن انشغال الأحزاب المكونة للحكومة بهذه الاستحقاقات بمن فيها أمناء الأحزاب، وعلى رأسهم وزير الشؤون الخارجية والتعاون، يفترض أن تسند المهام الدبلوماسية لشخصية تمرست على الشأن الدبلوماسي.
وبالتالي فتعيين الكاتب العام للوزارة كوزير منتدب ووجه شاب راكم تجربة لا بأس بها في الشؤون الخارجية في هذه الظرفية سيساعد على الحفاظ على تدبير الشأن الدبلوماسي، خاصة وأن وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، ووزيرته المنتدبة ينتميان إلى نفس الحزب الذي يستعد للدخول في المعمعان الانتخابي.
كما لا ننسى أن الملك في ذكرى ثورة الملك والشعب قد نبه إلى الاختلالات التي تشوب الآلية الدبلوماسية والقنصلية، والتي كان من أبرزها تهديد البرلمان السويدي بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية، إلى جانب القرار الصادر عن المحكمة الأوربية الذي لم يكن في صالح الدبلوماسية المغربية .
هناك من قرأ في التعيينات رغبة المملكة في بعث روح جديدة في الديبلوماسية من أجل قضية الصحراء، وخاصة بإشراك الأحزاب السياسية في هذا الملف من جهة، وتحميلها المسؤولية من جهة أخرى ؟
مبدئيا لا بد من الإشارة إلى دلالة و أهمية هذا التعيين ، حيث صادق مجلس وزاري ترأسه الملك بالعيون على تعيين حوالي 78 سفيرا في دلالة على تكريس الوحدة السياسية للمملكة، في حين أن إشراك الأحزاب في العملية الدبلوماسية المتعلقة بقضية الصحراء قد سبق للملك أن عبر عنه عدة مرات من خلال خطب ألقيت في عدة مناسبات وطنية.
لكن من المعروف أن الدبلوماسية هي شأن خاص للقصر، وتنفيذ الدبلوماسية الملكية عادة ما سبق أن أسند لعدة شخصيات تقنوقراطية ، وكذا حزبية . فهذه ليست المرة الأولى التي تسند فيها سفارات لقيادات حزبية. وبالتالي فتعيين شخصيات منتمية لأحزاب سفراء كالشامي والرويسي هو نوع من المكافأة التي تمنح لبعض الشخصيات لاسترضائها ولجم بعض حملاتها الانتقادية داخل تنظيماتها .
وما رأيكم بشأن تعيين شخصيات حقوقية منها ضحايا العهد القديم ؟!
إن تعيين بعض الشخصيات الحقوقية كأمينة بوعياش في سفارة السويد التي بقي منصبها شاغرا لمدة ثلاث سنوات يستجيب لتركيبة المجتمع السويدي الذي يتميز بفعالية جمعياته الحقوقية والمدنية ، لكن لا يفهم سر تعيين صلاح الوديع كمعتقل سابق وشاعر في دولة إسلامية كأندونيسيا اللهم إلا إذا كان الغرض من ذلك هو نوع من الاسترضاء.
فصلاح الوديع لم يجد نفسه ضمن التركيبة الجديدة لحزب الأصالة والمعاصرة رغم أنه من بين القياديين المؤسسين لهذا الحزب ، وبالتالي فقد كان تعيينه في سفارة مغربية في أكبر دولة إسلامية يضاهي تعيين عبد القادر الشاوي في سفارة الشيلي قبل أن يتم تعيينه في سفارة أخرى في إطار التعيينات الجديدة.
هناك أيضا من توقف عند الدول التي لم يتم فيها تغيير السفراء، وخاصة في الشرق، فهل يُفهم أيضا أنها غير معنية بقضية الصحراء ؟
لقد شمل التعيين عدة دول، لكن يبدو أنه قد تم التركيز على دول ذات أولوية في السياسة الخارجية للمملكة، حيث شمل ذلك عواصم أوربية كباريس ولندن والاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى الدول الاسكندنافية التي كانت محل انشغال صانع القرار الدبلوماسي في الآونة الأخيرة، في حين أن تعيين سفراء جدد ببعض الدول العربية والآسيوية والإفريقية والأمريكو لاتينية كان لاستبدال سفراء تجاوزوا سن التقاعد، أو لتحريك سفراء عمروا طويلا في مناصبهم ونقلهم إلى سفارات أخرى .
هل يمكن أن نتوقع تغييرا في منطق الديبلوماسية؟ هل يمكن أن تصبح “ديبلوماسية مناضلة” كما قال صلاح الوديع؟ وهل يمكن أن تتجاوز منطق “ساعي البريد” ؟
في الظرفية الراهنة، أصبحت الدبلوماسية المغربية تركز على المجال الحقوقي، خاصة وأن قضية الصحراء دخلت مرحلة جديدة اتسمت بالصراع الإعلامي والحقوقي، وبالتالي فالاستراتيجية الدبلوماسية المغربية أصبحت تركز على تدعيم هذا الجانب الحقوقي من خلال تسويق تطور حقوق الإنسان بالمغرب مقارنة بما يجري في مخيمات تندوف والوضع الحقوقي في الجارة الجزائر، كما أصبحت المطالبة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بالمخيمات التي تشرف عليها البوليزاريو، لكن هذه الاستراتيجية التي سماها الوديع بالدبلوماسية المناضلة تحتاج إلى كفاءات دبلوماسية من عيار خاص تتمتع بتكوين حقوقي ودراية بفن وتدبير الملفات على الصعيد الخارجي، ورؤية شاملة لكيفية اشتغال الجمعيات المنتمية إلى المجتمع المدني في البلدان المستقبلة وكيفية اختراقها والتأثير فيها، وهذا بالطبع ما يفتقر إليه مناضلو وقياديو الأحزاب، نظرا لأن الأحزاب غير متمرسة بالعمل الدبلوماسي الذي استمر لفترة طويلة ضمن المجال الخاص للملك ، فهي لا تتوفر على بنيات أو لجان للعمل الدبلوماسي و تدبير الشؤون الخارجية .
فباستثناء انضمام بعض الأحزاب إلى بعض الأمميات الاشتراكية أو الليبرالية وغيرها، فإن الأحزاب غالبا ما تفشل في تكوين بروفايل صالح لتدبير الشؤون الخارجية، بدليل أن سفريات نواب الأحزاب ضمن ما يسمى بالدبلوماسية الموازية غالبا ما تكون عبارة عن رحلات للاستجمام وقضاء بعض المآرب الشخصية .
ما هي في نظركم أهم الأولويات التي يجب أن يركز عليها السفراء الجدد ؟
إن أولويات الدبلوماسية المغربية عادة ما يحددها الملك، الذي يركز منذ توليه الحكم على العمق الإفريقي وتكريس التواجد المغربي في عدة عواصم إفريقية، بدليل الزيارات الملكية المتكررة لبعض هذه العواصم الإفريقية والاستثمارات التي وجهت لهذه الدول في إطار تدعيم قضية الصحراء، قضية المغرب الأولى، وبالتالي فهؤلاء السفراء الجدد سيهتمون بتنفيذ هذه السياسة، والعمل على تدبيرها.
لكن هذا لا يمنع من أن هؤلاء السفراء الجدد يمكن أن يركزوا في أنشطتهم ليس على إحياء الاحتفالات الوطنية السنوية، بل العمل في الدرجة الأولى على الاهتمام بشؤون الجالية المغربية المقيمة في البلدان الممثلين فيها، ثم العمل على تسويق صورة المغرب من خلال التعريف به وبمؤهلاته الاقتصادية والسياسية لاجتذاب المستثمرين، وكذا السياح … إلى جانب اطلاع السلطات المركزية على كل المستجدات التي تعرفها هذه البلدان والتي تساعد في بلورة دبلوماسية وطنية ملائمة .
مملكتنا.م.ش.س/الأيام