المغرب يضم أكبر مساحات من غابات الأرز بين دول حوض البحر المتوسط، تمتد على 134 ألف هكتار، وتسعى السلطات منذ سنوات إلى حماية هذه الثروة المهدّدة بفعل التغيّر المناخي والنشاط البشري.
يعتبر شجر الأرز في المغرب كنزا وطنيا، فهو عامل جذب سياحي من جهة، ومصدر رزق للرعاة وقطعانهم من جهة أخرى، كما أن خشب هذه الأشجار يحظى بإقبال كبير من قبل صانعي الخشب.
ورغم أنّ شجر الأرز الأطلسي يغطي مساحات واسعة من جبال المغرب، فإنّه أقل شهرة من أرز لبنان الذي لم يبق منه إلا 2000 هكتار في “بلاد الأرز” مقابل 134 ألف هكتار في المملكة المغربية.
وتقدّمت الحكومة المغربية بطلب لتصنيف غابات الأرز في المملكة ضمن “محميات المحيط الحيوي” و”التراث العالمي”، وهو طلب ما زال قيد الدراسة في منظمة اليونسكو.
وعلى مقربة من مدينة أزرو، في سلسلة جبال الأطلس الأوسط، حيث أحصيت أكبر مساحات هذه الأشجار، تنتصب وسط الغابات المترامية شجرة أرز ميتة يبلغ ارتفاعها 42 مترا وعمرها يقارب 900 سنة وتحمل اسم “غورو”.
وإن كانت هذه الشجرة التي تحمل اسم ضابط فرنسي إبان فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، ترمز إلى عظمة غابات الأرز في جبال الأطلس المغربي وتثير إعجاب عشاق السياحة الجبلية، فإنها تعكس أيضا الهشاشة التي تهدّد هذا النوع النادر من الأشجار. ويعلق بدر الدين بسباس، وهو شاب تونسي جاء ليزور مدينة أزرو، “هنا سويسرا المغرب! إنها جميلة حقا”، مضيفا “جئت إلى هنا لزيارة هذه الغابة الجميلة في المغرب.. نصحتني بالمجيء صديقة سبق أن زارت المكان منذ ستة أشهر. قالت لي إنني سأشاهد القردة في كلّ مكان.. إنه مكان جميل لا يمكن رؤيته في أي مكان آخر”. وتجذب غابات الأرز المغربية السياح من محبي الجبال والطبيعة.
وكانت السلطات المغربية قد أنشأت، قبل عقد من الزمن، منتزها وطنيا في مدينة إفران الواقعة في الأطلس المتوسط، وذلك من أجل حماية مجمل النظام البيئي وإعادة تشجير الغابات.
ويقول عبدالرحيم درو، مدير المتنزه الوطني بإفران، “خشب الأرز لدينا هو من أفضل نوعيات الخشب، وقد يصل سعره إلى أربعة عشر ألف درهم للمتر المكعب الواحد”.
ورغم اتساع المساحة والجذب السياحي، يعاني الأرز المغربي منذ عقود بسبب التأثيرات المناخية كالجفاف الذي ضرب المنطقة في الثمانينات ومطلع القرن الحالي، إضافة إلى تأثيرات الأنشطة البشرية بشكل عام.
ويعتبر عبدالرحمن هومي، الأمين العام للمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، أن “التهديد الحقيقي” الذي يحدق بغابات الأرز المغربية يتمثل أساسا في التغيّر المناخي.
ويحذر هذا المسؤول الحكومي قائلا “إذا لم نفعل شيئا على المدى المتوسط والطويل، فإن انخفاض معدلات هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية القوية مثل الفيضانات، ستتسبّب في تغيير نطاق انتشار وتوزيع غابات الأرز”.
من جانبه، يوضح مدير المتنزه الوطني لمدينة إفران أنّ “العجز المائي، إلى جانب استقرار قطعان الماشية، أدّى إلى تراجع الأرز”.
وتحتضن المناطق التي يشملها المتنزه الوطني لمدينة إفران أحد أكبر قطعان الماشية في المملكة بحوالي 800 ألف رأس من الأغنام والأبقار والماعز.
ولأجل الحفاظ على هذا الكنز الوطني من تهديد القطعان، وضعت السلطات المغربية سياسة شراكة مع السكان المحليين، تم من خلالها تحديد المناطق التي يمكن اعتمادها مراعي بعيدا عن الغابة، مع دفع تعويضات للرعاة بغرض شراء الأعلاف في أوقات ندرة أعشاب الرعي.
ويقول أحد الرعاة، من منطقة عين اللوح المحاذية لغابات الأرز، “إن اختفت الغابة فإن كل شيء سيختفي، والناس هنا لا يدركون ذلك جيدا”، بل تدفعهم الظروف المعيشية أحيانا إلى سوء استغلالها.
وإضافة إلى تهديد المناخ والرعاة، يقتات قرد البابون المستوطن في الغابة على قشر أشجار الأرز، بسبب النقص الكبير في الكلأ الناجم عن الرعي المفرط، ممّا يضعف الأشجار ويؤدي إلى موتها تدريجا.
وفضلا عن كلّ هذه المشكلات، تتعرّض غابات الأرز إلى قطع الأشجار بشكل غير قانوني لبيع خشبها في سوق يقدّر فيها ثمن المتر المكعب الواحد بأربعة عشر ألف درهم (1300 يورو). ويؤدي ذلك إلى قطع أشجار عمرها مئات السنين لا يستفيد المهرّبون سوى من أمتار قليلة منها لصعوبة نقلها كلها دون الوقوع في قبضة السلطات.
ورغم انتشار ظاهرة قطع الأشجار بشكل غير قانوني، يؤكد عبدالرحمن هومي بلهجة مطمئنة أن هذه الظاهرة “لا تمثل سوى 10 هكتارات” من أصل أكثر من 130 ألف هكتار، وأن السلطات تسهر على مطاردة قاطعي الأشجار بشكل غير قانوني.
المغرب يكثف جهوده لإنقاذ كنز الأرز المهدد .
مملكتنا .م.ش.س