لا يكفي أن تتكفل المنظمات والجمعيات والمفكرون بالدعوة إلى الوحدة الوطنية والحفاظ على التماسك المجتمعي بعيدا عن نار الفتنة الطائفية أو الدينية بين أبناء الوطن الواحد، بل إن المرور إلى مرحلة تنفيذ تلك الشعارات والمبادئ أمر حتمي، عبر أجهزة الدولة والمؤسسات والبرامج التي تشرف عليها أجهزة السلطة. ولعل النموذج المغربي في هذا الإطار يعد مرجعا في تمكن الدولة من حماية مواطنيها داخل المغرب وخارجه من آفة التطرف والإرهاب والتعصب.
أكد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى بالمغرب محمد يسف أن “النموذج المغربي في التدين ثابت الجذور في الوجود المعنوي والروحي للأمة، صامد في وجه الزوابع والاختلافات، وجزء لا يتجزأ من هوية المغرب القومية”، وقد أشار يسف إلى أن المغرب عرف على مدى تاريخه بالحفاظ على نموذجه الديني المبني على قيم التعايش والتسامح والوسطية والاعتدال، ومُؤَطَّر بمؤسسة إمارة المؤمنين الضابطة لهذا النموذج الديني المتميز بعقيدته السنية الأشعرية ووحدة مذهبية وعمق روحي.
وفي السياق لفت محمد يسف، إلى أن هذا النموذج الذي اعتمده المغاربة لتأطير حياتهم الدينية، كفل لهم الأمن والوحدة، “ولعله قدوة ومثل للآخرين، لأنه متجانس ومكتمل الأركان والصور ومتناغم الأفكار والحجج، في تدبير أمور الدنيا والدين.
وبعد الأحداث الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء سنة 2003، دخل المغرب مرحلة أخرى من إستراتيجية حماية نفسه من تداعيات الخطاب التكفيري. فإلى جانب تعزيز اليقضة الأمنية، عملت الرباط على إعادة هيكلة الحقل الديني بما يتناسب والخطر القادم من ثنايا الفكر الجهادي المتطرف.
وقد سعت المملكة بهذه الخطوة إلى تحصين الهوية المغربية الممثلة في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، داخليا وخارجيا بتأطير المغاربة المقيمين بالخارج خصوصا بأوروبا، عبر إحداث المجلس العلمي لأوروبا والمجلس الأعلى للجالية وغيرهما من المؤسسات ذات الصلة.
وأكد أحمد التوفيق، وزير الشؤون الإسلامية المغربي، أن من مميزات الوحدة المذهبية خدمة الإسلام والوطن وضمان الأمن الروحي للبلاد، “إضافة إلى الحد من غلو المتطرفين وتأويل المبطلين وإفساد الجاهلين”.
وعبر بوصوف عن رغبة مجلس الجالية، في نشر النموذج المغربي وتكوين الأئمة في فن التواصل بلغة المحيط الأوروبي، وتعليم الخلفيات التاريخية للتشريعات الأوروبية.
إن تحصين النموذج الديني المغربي يمر في نظر المسؤولين عن الشأن الديني في المملكة، من خلال تعميق الهوية المغربية المرتكزة على قيم التسامح والاعتدال، إلى جانب الحفاظ على الوحدة المذهبية للبلاد، بالإضافة إلى تأهيل المدارس العتيقة بما يتلاءم مع مناهج وبرامج التكوين المشجعة على فكر منفتح دون التفريط في مقومات الشخصية المغربية.
وتؤكد تقارير أنه لم تقتصر عناية الدولة على تحصين هويتها الدينية بالداخل المغربي فقط، بل واكبها اهتمام خاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج، جعلها تحدث المجلس العلمي لأوروبا والمجلس الأعلى للجالية وإرسال أئمة مغاربة إلى أوروبا للحد من استقطاب التيارات المتشددة للجالية المغربية حفاظا على الأمن الروحي للمغرب.
ويعتبر نموذج التدين المغربي محفزا لكثير من الدول الأفريقية والعربية والأوروبية على إرسال أئمتها إلى المملكة بهدف التدريب والتكوين في معاهد خاصة بالمغرب. وذلك للخبرة المتراكمة ولما ثبت عن المملكة المغربية من اعتدال ومرونة ونبذ للعنف.