للمغرب شهرة عالمية في مجال الطبخ والطعام، وهي شهرة يكمن سرها في تداخل أغلب الحضارات في المطبخ المغربي الذي مرت به بفضل موقعه الجغرافي بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، العديد من الحضارات القديمة التي جابت الشرق والغرب بسفن صيدها وقوافل تجارتها وسنابك خيول فتوحاتها، فأثر المغرب فيها وتأثر بها.
في علوم الإطعام العربية عموما، والمغربية على وجه الخصوص، كان المطبخ دائما مصحة العائلة المُقوي للأبدان أهلها، والشافي لأسقام مرضاها، وتبقى على حالها تنشر روائح توابل أطعمتها إلى أن يأتي شهر الصيام والقيام لإقفالها نهارا وفتحها مساء، ليستفيد أفراد العائلة من خدماتها الأساسية للحياة، والتي غالبا ما يكون جلها قد أعد في شهر شعبان استعدادا لشهر نزول القرآن.
ففي منتصف شهر شعبان، تبدأ الحاذقات من نساء المغرب في إعداد أطباق حلوى الشباكية ومعجون السفوف، وغيرهما من المُحَليات التي تزين موائد الإفطار حول الحريرة المغربية في مسائيات رمضان، من ماء بارد يروي الظمآن، وتمر مغربي صلب وتونسي رطب وخليجي حلو، فالعسل المقطر وقهوة بالحليب المنسمة بالقرفة والهيل وحبة الحلاوة.. كل ذلك تقوم به السيدات العارفات، استعدادا لشهر الصيام والقيام.
وفي المدن تنشط أسواق العطارين بالبيع والشراء، وترى دكاكينهم في فاس ومراكش وآسفي وطنجة وأكادير، ملأى بالزبائن الذين أغلبهم من النساء، يشترين التوابل الشرقية والعشوب الآسيوية، والبهارات التركية والمنسمات الغربية، ثم يضربون موعدا في المطابخ للتعاون على إعداد صحون حلوى الشباكية المرشوشة بجلجلان ومعجون السفوف المُعسل والمزين بحبات اللوز والجوز.
ولا يكاد الزائر لحي أو درب، خصوصا في المدن العتيقة، يمر منها إلا واستنشق رائحة سيدة موائد الإفطار المغربية. الشباكية، تتربع بين الصحون في صحنها الخزفي السفياني الخاص، وهي تتقاطر عسلا، وإلى جانبها معجون السفوف بلونه الأسمر، الذي يربط الطهاة وجوده تاريخيا بالمطبخ المغربي، وهو ما كان يعرف قديما بـ”الزميطة”، التي هي عبارة عن طحين من الشعير المملح يخلط بالماء والسكر، أو العسل، كان يحملها المسافر القديم، خصوصا الحجاج إلى بيت الله الحرام، زادا كابحا للجوع، ومقويا على الطريق التي قد تطول لشهور.
وتضج الأسواق بالباعة الذين لا تمنعهم ساعات الصيام الطويلة، وارتفاع درجة حرارة الأجواء، من الهتاف بصخب، داعين الصائمين إلى اقتناء شرابهم المنعش، والحلويات التقليدية المغربية التي لا تخلو مائدة إفطار منها، فيما يغص السوق المركزي بالعاصمة الرباط بالمشترين مع اقتراب ساعات المغيب.
وفي السوق المركزي بالمدينة العتيقة في الرباط، يعرض الباعة صناديق التمر والحلويات المحلية التي تُعد إلى جانب حساء “الحريرة” المغربية، أهم أطباق الإفطار خلال رمضان، فيما تروج تجارة بيع الألبسة التقليدية كـ”الشرابيل” (حذاء جلدي تقليدي) والجلاليب، التي يحرص المغاربة على ارتدائها خلال تبادل الزيارات العائلية وحين الذهاب لأداء الصلوات في المساجد.
ومع اقتراب ليلة النصف من رمضان، تبدأ النسوة والأطفال كما الرجال في تحضير ألبسة العيد، خاصة التقليدية منها التي تتطلب خياطتها وقتاً، ويزداد حرص الأسر على إحياء ليالي التعبد، فيقبل الأهالي على صلوات التراويح، وصلوات التهجد التي تقام في المغرب طيلة أيام رمضان، دون تخصيص العشر الأواخر بها فقط كما هو الحال في بعض الدول الإسلامية.
وكما تُقيم عدد من الجمعيات الأهلية الخيرية، موائد إفطار جماعي، يُدعى إليها عابرو السبيل والفقراء، ويُشارك المُتطوعون في الأحياء الشعبية كما الميسُورة في تنظيمها، فيما توزع جهات خيرية أخرى ما يطلق عليه “قفة رمضان” طوال أيام هذا الشهر الفضيل.
مملكتنا .ع.ر.ب