محمد برادة الباحث عن نقد المجتمعات والثقافة والحياة

السبت 12 سبتمبر 2015 - 16:26

الأديب المغربي محمد برادة ترحل في عالم الآداب والفنون متحولا إلى معلم أعلى للجيل بمسيرة حافلة بالمنجز الأدبي والنقدي والنظري.

النسيان كلمة بحجم الحياة، ذلك ما تنفذه إلى مساغنا مجازات محمد برادة، بل إن النسيان يغدو رديفا لمكابدة الوجود، الذي تنجاب أطواره -كما البرق- في مسيرة العمر، فيتخايل المنسي كالظل الوارف، طاقة للذاكرة، مثلما هو الصمت طاقة للكلام. لكن نسيان ماذا؟ أو نسيان من؟ نحن لا ننسى إلا اللحاء الخارجي، شكل الأشياء، بينما الجوهر راسخ، منغرس في خلايا الذهن، نستحضره دوما بتشبيهات ومجازات شتى: فما مضى هو دوما مثل قيمة نعقلها، وإن تاهت عنا صورتها، هو مثل صيف، ومثل ليل، ومثل امرأة، ومثل مدينة، لن تتكرر قطعا، لكنها خلدت أثرها كما الوشم في مسام الجلد.

“أنا أعلى” للجيل

محمد برادة الذي ولد في الرباط في العام 1938، ثم سافر إلى القاهرة، لدراسة الأدب العربي، وعاد ليحصل على الدكتوراه من السوربون في العام 1973، حياته حافلة بالمنجز الأدبي والنقدي والنظري، شخصياً لا أستطيع أن أسترجع التفاصيل الكاملة للحظات اكتشافي لـ”محمد برادة”، ما أعرفه أنني تآلفت دوما مع هذا الاسم، كجزء من ذخيرتي الشخصية، وعلامة في تراثي الرمزي المشترك، وما أذكره بالتحديد، هو لحظة منفلتة من مطلع الثمانينات، حين أمدتني أختي “ثريا”، بنسخة بحثها للإجازة، وقد كتب تحت خانة الأستاذ المشرف اسم: “محمد برادة”. بعدها بسنوات سأقرأ مقدمته للترجمة التي أنجز لكتاب “الدرجة الصفر للكتابة” لرولان بارت، استعدت بقوة خطابها وعمق ما تنطوي عليه من وعي جديد بماهية الأدب ووظائف التعبير، وقيم الكتابة، مقدمة “طه حسين” للأدب الجاهلي، لم تكن الكلمات والمضامين متشابهة، ولكن قوة الوعي الكامن، وبلاغة الكلمات كانت هي ذاتها، يلتبس فيها الحاضر بالكثير من سمات الغائب.6

وذات يوم سأقرأ ضمن ما كتب محمد برادة وصفا للزعيم “المهدي بن بركة” بـ”الأنا الأعلى التاريخي” لجيله، وفجأة يلتمع المعنى الغامض الذي مثله برادة لجيلي أنا، والذي كنت أحار في تسميته وتمثيله، مزيج من عمق الروائي، وسحر الناقد، وغواية المناضل، والمتعاطف الدائم مع الأدب وصوت الثقافة وعوالم المهمشين والمنفيين، سيتمثل لي ولجيلي كـ”أنا أعلى” جديد، لزمن آخر.

المجتمع الحلم

وأذكر في هذا السياق تحديدا أن أول مرة شاهدت فيها صاحب “لعبة النسيان” أواخر الثمانينات، كانت ذات صبغة مقترنة بمجال “الضمير المبدئي” الذي مثله، كنّا مجموعة من حديثي الانتساب لمنظمة الشبيبة الاتحادية، نحضر أشغال إحدى الملتقيات الوطنية، وكان محمد برادة من ضمن الكوادر الحزبية المنتدبة للحديث إلى الشباب، أذكر أن الأستاذ تحدث في محاضرته عن مفهوم “الحزب”، واستدعى طويلا أطروحات “أنطونيو غرامشي”، وانغمر في تحليلات معقدة للمجتمع والمؤسسات المدنية والدولة، كانت نبرات صوته تشي بصلابة الاعتقاد بالنموذج المجتمعي الذي حلم به، والوفاء للعقيدة السياسية التي آمن بها، كنت أول مرة ألتقط فيها مصطلحات من قبيل “المجتمع المدني” و”الوعي الجمعي”.

والظاهر أني تمثلت محمد برادة بعد تلك المجابهة الحسية، كمزيج من الوجود الواقعي الملتبس بتهويمات الذاكرة، ومجازات الكتابة، استوعبته كأفق لما ينبغي أن يستبطنه الخطاب الضدي، والمتخيل النقيض.

كان تشخيصا حيا للمثال الأدبي النائي، الذي لم أكن ألتقيه إلا منجّما عبر كلمات مرسومة على صفحات: “المحرر” و”آفاق” و”المشروع” و”الآداب” و”فصول” و”الكرمل”، كتابة تصادر سمت الوجود الحسي، وتجعل من لحظة اللقاء ظرفا مؤقتا موغلا في الرصانة.

من هنا يمكن فهم ذلك التوقد الذهني الدائم في كتاباته النقدية، بدءا بكتابه عن “محمد مندور” الذي بات اليوم بمثابة تصفية حساب مع عوالم النظرية، مرورا بـ”أسئلة الرواية.. أسئلة النقد” و”فضاءات روائية” و”سياقات ثقافية”، وعشرات المقالات المنجمة في الصحافة المغربية والعربية، حيث تكتسي خطوات التحليل والاختيارات النصية، والمفاهيم، سمت المجابهة المسترسلة مع التحليل الرمادي المحايد، ونزعة الوصف السطحي، واللغة الاصطلاحية المتعالمة، مستعيضا عنها بالكتابة القلقة المتسائلة، ذات الوظيفة السجالية، التي تجسر أسئلة الإبداع بهواجس الانتماء.

مملكتنا.عرب

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 8 سبتمبر 2022 - 15:49

شخصيات دينية اسلامية ومسيحية تشيد بالدور الرائد لجلالة الملك في الدفاع عن الطابع الخاص لمدينة القدس

الأربعاء 3 أغسطس 2022 - 18:48

العرائش .. توزيع إعانات مالية على أصحاب المنازل المتضررة من حريق غابة جبل العلم

الخميس 28 يوليو 2022 - 11:08

مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا

الثلاثاء 19 يوليو 2022 - 08:57

البرلمانية زينب امهروق توصل معاناة 60 أسرة من ساكنة عيون ام الربيع المتضررين من عدم ربطهم بالشبكة الكهرباء