هرما أو السبع بو البطاين احتفال من التراث المغربي يقيمه الأمازيغ بمناسبة عيد الأضحى، ففيه يجتمع الأحباب والعائلات حول فقرات تنشيطية تزرع الضحكة في النفوس حتى سابع أيام العيد.
“السبع بو البطاين”، “هرما”، “بوجلود”، كلها أسماء لاحتفال شعبي واحد يقيمه السكان المحليون بعدد من المناطق المغربية بمناسبة عيد الأضحى، أو العيد الكبير، كما يسميه المغاربة. هو احتفال كرنفالي شعبي يقيمه محبوه في اليوم الثالث من العيد ويستمر حتى اليوم السابع منه. يكون مناسبة فنية للرقص والغناء والفكاهة، بطله الرئيسي ومحوره الفني، “هرما”، وهو شخص متميز يلبس جلود الأكباش وفرواتها، ويضع قرونها على رأسه ثم يخرج لتحقيق الفرجة الشعبية للقبيلة وسكانها.
يرافق “هرما” أو “بيلماون إمشعار” باللهجة الأمازيغية المحلية في المغرب، أشخاص يلبسون أيضا جلودا مثله ويتخفون وراء أقنعة، فتراهم يتجاوبون مع إشارات قائدهم “هرما”، الذي يضع بدوره قناع كبش على وجهه فيبدو مخيفا للناظرين، وبين الفينة والأخرى يهرع نحو جمهوره يريد ضرب بعضه بكراوع الكبش المشدودة إلى يديه، فيفر الجميع منه صارخين ضاحكين، ويا ويل من أصابته الكراوع في ظهره أو أردافه، التي غالبا ما تكون ضالة “السبع بو البطاين” ليضحك جمهوره أكثر .
وبينما “هرما” على حاله الفكاهي ذاك، يُضحك الناس ويرفّه عنهم، هناك منهم من يترصده لصب الماء البارد عليه لتبليل فروته فيزداد ثقلها عليه، تكون مجموعته المرافقة له في كرنفاله الشعبي، يغنون له أغنيتهم الموزونة الرتيبة “أهرما لَيْسْ لَيْسْ أَهَرْمَا بُولَحْلَيْسْ”، بينما هو على ضخامته تلك، المثقل بفروات البهائم وحذائه الضخم، يرقص داكا الأرض دكا ليجعل لها صدى قويا والناس حوله حذرين مصفقين يتضاحكون، خصوصا عندما يأخذ أحد مرافقه في تزيين نفسه وترتيب فروة صاحبه، كل ذلك والجمهور يتضاحك ويرقص، والنساء من نوافذ الدور ينظرن، ومنهن من تطلق الزغاريد، خصوصا منهن من يوجد أحد أقاربهن ضمن مجموعة تنشيط احتفال “السبع بو البطاين” التراثي.
وبحثا عن قصة نشوء الظاهرة الفنية التراثية، المسرحية الفكاهية، في منطقة “عبدة”، غرب مدينة الدار البيضاء، أفاد “العرب” رجل يدعى عبدالغني ولد المعلم الكوشي، عمره الآن يربو على السبعين عاما، يحكي أنه كان إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي يشارك بفعالية ضمن فرقة “هرما” بقبيلته، واصفا احتفالها بالتظاهرة الفنية الشعبية، كانت تنظم بتلقائية من طرف سكان “الدوار” يتلاقون خلالها لتبادل تباريك العيد وتهانيه”، إنها مناسبة تنظمها مجموعة فنية صغيرة من السكان، أغلبهم من نفس الأصول العائلية، يصنعون زينتهم وديكورهم بأيديهم، وبمواد ووسائل محلية طبيعية، ثم يخرجون للترفيه عن الناس بمنحهم أجواء الفرجة التلقائية المجانية
“لقد كنا نجمع أفراد الفرقة ونكونها من أشخاص ظرفاء متميزين بالدوار”، يقول السيد عبدالغني، وذلك بعد الانتهاء من إنجاز الديكور واللباس وتركيب قرون الكبش لـ”السبع بو البطاين” وتصفيف شعر المرافقين، الذي ليس سوى فروة الكبش التي غالبا ما تكون متسخة لم تنظف بعد من عملية الذبح يوم العيد. وبعد ترتيب الفرقة يأتي “الكمرة”، الذي بالإضافة إلى تجارته في سوق البهائم، يحسن أيضا عزف “الكصبة”، وهي آلة نفخ موسيقية تتكون من قصبتين اثنتين، طول الواحدة منهما حوالي عشرون سنتمترا، تنتهيان بجزء يميزها مصنوع من قرن الماعز أو الثور، تتوسطهما قصبتين صغيرتين معدتين للنفخ وإطلاق نغمة رقيقة جميلة تمس دواخل الشعور وإحساسه العاطفي، فيأخذ “عزوز” في قرع “الطعريجة”، التي هي آلة إيقاعية، يصاحبهما “خلوق” بالبندير، أما السيد عبدالغني فكان يكتفي بالنقر على قعر “صينية” الشاي الفضية بعد إزالة أرجلها الأربع المعدنية واستعمالها في عملية النقر. أما من تبقى من أعضاء الفرقة، التي قد يتجاوز عددهم العشرة، فينخرطون في عملية “الرَّش”، أي التصفيق، ومنهم من يبدع في ذلك بالنقر على أي شيء قد يجده في طريقه يحدث صدى، حتى الحجر .
ويستمر الرقص والغناء وكبار القبيلة وأعيانها يخرجون أقداح الشاي واللبن والحليب للمتجمهرين حول “السبع بو البطاين”، بل منهم من يُعد “قصعات” الكسكس بلحم رؤوس أكباش العيد وخرفانه، فيمكثون أمام بيت المضيف طويلا يغنون ويرقصون، ومن وراء القناع ترى عيني “هرما” تترصد راعي غنم صاحب الدار المضيفة، التي أنجز أصحابها الكسكس، وعند التحكم بتلابيب الراعي تحلى الفرجة. فبعد إحكام “هرما” قبضته على عنق الراعي، يبدأ في لومه “لماذا تركت الغنم حتى ذبحوها في العيد. لماذا نمت حتى أخذوها إلى المجزرة”.
وبعد قوله ذاك بطريقة مضحكة، يبدأ “هرما” في ضرب الراعي على قفاه، وعلى ردفيه بكراوع الخروف المشدودة إلى يديه، والناس من حوله يقهقهون حتى “البكاء” من شدة الضحك، والراعي يحاول الهرب من قدره المشؤوم ولكن “هرما” يحبسه لا يترك له الفرصة لذلك، إلا إذا رأى واحدا من الجمهور تراخى من الضحك، حينها، وفي غفلة منه، يترك “هرما” الراعي ويمسك بالمتراخي، والدنيا قهقهة وضجيج، والغبار يتطاير لضخامة السبع “بو البطاين” وحركاته المضحكة.
مملكتنا.ع.ر.ب