أهل المغرب وعلاقتهم بالشاي الأخضر منذ أواخر القرن السابع عشر

الإثنين 19 أكتوبر 2015 - 19:26

عرف أهل المغرب الشاي الأخضر منذ أواخر القرن السابع عشر تقريبا، وتحولت تسميته من الشاي إلى “تاي”، ولم يتراجع ولع المغاربة بهذا المشروب الساحر، ولم يخمد عشقهم له، بل تجدد الوله باحتساء نقيع هذه النبتة الصينية الساحرة مع إضفاء نكهة النعناع ليصبح مشروبهم المفضل خاصة بعد الأكل.

كانت أوانيه النحاسية تنفث البخار المصحوب بصفير غليان الماء، بينما عبدالعزيز يغدو ويروح بين زبائن مقهاه يوزع كؤوس الشاي وسط باحة سوق بباب العطارين بمدينة القصر الكبير، شمال المغرب، فتراه يسلم رواده كؤوس شايهم النظيف المقطر.

ويعلق أحد الزبائن قائلا “لا أحد يقدر على إعداد الشاي مثل عبدالعزيز”، حين كنا نراه يقلب المياه الساخنة بين الكؤوس وأباريق “الزيزوى” النحاسية حتى يتصاعد زبد شايها الأبيض، فيظهر للناظرين كأنه تاج أندلسي على رأس أمير عربي من أمراء بني الأحمر، الذين مروا من مدينة القصر الكبير قادمين من مراكش الحمراء في اتجاه الحكم العربي بالفردوس المفقود.

ويقول صاحب المقهى عبدالعزيز لـ”العرب” “نحن لا نشتري آنية إعداد الشاي ‘الزيزوى’ جاهزة من سوق الأواني والأباريق، إننا نصنعها بأنفسنا”.

فهو يدخل سوق متلاشيات المعادن، ويستمر لساعات طوال يبحث عن قطعة جيدة من نحاس لا عطب فيها ولا صدأ، ثم يذهب بها إلى بيته ويوصى بها خيرا أم عياله، تنظيفا وصيانة، وبعد ظهر الجمعة، الذي هو يوم عطلة بالنسبة إلى سوق العطارين بمدينة معركة الملوك الثلاثة، المعروفة في التاريخ المغربي، يجلس عبدالعزيز إلى قطعته النحاسية يلمعها بمسحوق الرماد والليمون حتى يتجلى بريقها ويغدو لامعا من فعل الصقل والتنظيف._14451817227

“الزيزوى” في الشمال و “البراد” في الجنوب

وبالمقص الكبير، الخاص بتقطيع صفائح النحاس، وبعد رسمه أجزاء الزيزوى؛ من قعر لقاعدتها، وقناة لسكب مائها ومقبض للوقاية من حرها الشديد، يبدأ عبدالعزيز في قص قطع الأجزاء المذكورة، ويظل على حاله ذاك، مرة يغني أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب، وأخرى يمدح النبي وأصحابه، بينما المكواة التقليدية المشدودة إلى قضيب من حديد، تكون قد نضج احمرارها من شدة لهيب نار “المجمر” الموضوعة في عمقه، فيبدأ في جمع أجزاء الزيزوى ولحمها بِلُحام معدن الرصاص حتى تتماسك فتصبح جاهزة للاستعمال.

“إننا لا نحمل الزيزوى بعد صناعتها مباشرة إلى الاستعمال”، يؤكد عبدالعزيز، لأن شايها تكون فيه رائحة سيئة لا يقبلها الذوق، لذا تترك طيلة اليوم فوق النار، بعد أن يضع مستعملها في مائها قطع الليمون الأخضر، التي تخلف رائحة زكية في الأواني، ويتركها تغلي لساعات، ومن حين إلى آخر يضيف إليها الماء.

وفي اليوم الموالي توضع في الزيزوى أوراق النعناع مع الماء وتترك للغلي ساعات أخرى على نار هادئة، ثم بعد ذلك يتم الشروع في استعمالها في تغلية الماء وصبه في الكؤوس المستعملة لتنظيفها.وفي اليوم الموالي، أي اليوم الثالث، تكون الزيزوى جاهزة للاستعمال لتهييء الشاي.

يجلس الزبائن في مقهى عبدالعزيز لشرب كؤوس الشاي المنعنع، وهو شاي يعد في مدن وأقاليم شمال المغرب في الكؤوس، عكس مدن وأقاليم الجنوب التي يعد الشاي فيها في الصواني الفضية، التي تتوسط كؤوسها التي تزيد عن العشرة، آنية “البراد”.

ويشرح المعلم عبدالوهاب، تاجر البلح والفواكه اليابسة بسوق العطارين الذي حل بالمقهى ليحمل كأس شايه إلى دكانه، فهو يعتبر نفسه مدمن شاي، إن لم يشربه مرتين في اليوم يحس بألم في رأسه، “إن الشاي عزيز علينا، تربينا على شربه منذ الصغر”، ويعلق الزبون المتميز بمقهى عبدالعزيز، بأن هذا الأخير “يمارس عملا فنيا” وهو يهيئ كأس الشاي، فآنية الزيزوى تصبح بين يديه يسيرة طيعة، يكاد يلامس أداؤه الفني لها، خصوصا إذا صادف إعداده لكأس الشاي، مقطعا من أغنية لسيدة الطرب العربي أو الموسيقار عبدالوهاب، فإن الكأس والزيزوى تصبحان متكاملتين في حركة بأداء بهلواني مضحك.

إن يد عبدالعزيز تهتز علوا ونزولا وهو يعد الشاي، في حركته وهو يقلب الشاي تقليبا بين الكأس والزيزوى حتى يُزبد ماء الشاي الأخضر فتعلو الكأس رغوة بيضاء لها كويرات صغيرة منسجمة فيما بينها، تخبو وتختفي الواحدة تلو الأخرى مع تواتر رشفات الزبون، فيبدأ ماء الشاي المخلوط بأوراق النعناع في الظهور، ومع الدقائق الموالية، خصوصا بعد انخفاض حر مائه، يَتَنَكَهُ الشاي بنكهة يكمن سرها في انسجام الشاي وانفتاح أوراقه، مع نبتة النعناع وارتخاء أوراقها أيضا، فينشط شاربه ويزول تعبه، خصوصا إذا كان المشروب مصاحبا لمأدبة شواء مغربي أصله خراف ذاب شحمها فغطى لحمها المرشوش بالملح والكمون ووصلات موسيقية من التراث الأندلسي.

مملكتنا.م.ش.س/عرب

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 10:04

باريس .. السيد اليزمي يؤكد على “الدور متعدد الأوجه” للجاليات المغربية بالخارج

الثلاثاء 30 يناير 2024 - 14:19

الحاجيات المتزايدة للمنظومة الصحية تستدعي وضع نظام حكامة يضمن التنسيق بين الأطراف المتدخلة في التكوين (مجلس)

الخميس 28 ديسمبر 2023 - 18:39

بوجدور .. وحدة تابعة للقوات المسلحة الملكية تقدم المساعدة لـ59 مرشحا للهجرة غير النظامية من إفريقيا جنوب الصحراء

الأحد 24 ديسمبر 2023 - 21:16

“M’otion” فضاء جديد بمراكش مخصص لكبار المبدعين المغاربة