- العلاقة بين القارة السمراء والهند ضاربة في القدم، وقد شهدت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية خاصة في المجال الاقتصادي إلا أن ذلك ليس بالقدر المأمول، وقد أكد القادة المشاركون في الملتقى الأفريقي الهندي الأخير أنه لا بد من وضع استراتيجية شاملة للدفع بالعلاقات قدما لأن ذلك هو السبيل الوحيد لانعتاق دول الجنوب وفرض نفسها كتكتل له ثقله السياسي والاقتصادي في العالم.
شكلت القمة الأفريقية الهندية في نسختها الثالثة فرصة لبلورة سياسات تتماشى ورهانات وتحديات المرحلة، في ظل المتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية الدولية.
وهذه القمة التي شاركت فيها 45 دولة أفريقية هي بمثابة بوابة إقلاع نحو بناء شراكة فعلية فيما بين دول الجنوب خاصة وأنها تمتلك عناصر القوة والثروة البشرية والطبيعية التي تؤهلها للانعتاق وتبوّؤ المكانة الدولية التي تستحقها.
وقد حرص قادة وزعماء الدول المشاركة في القمة، وفي مقدمتهم العاهل المغربي التأكيد على قدرة دول الجنوب على توسيع دائرة التعاون فيما بينها، بالقطع مع إرث الماضي ووضع المصالح الاستراتيجية كأولوية للتحرر وهذا ما عبر عنه الملك محمد السادس قائلا “ليس مجرد شعار ولا ترفا سياسيا بل هو ضرورة ملحة تفرضها حدة وحجم التحديات التي تواجه بلداننا بحيث لا يمكن معها الاعتماد على أشكال التعاون التقليدية، التي أصبحت غير قادرة على الاستجابة للحاجيات المتزايدة لشعوبنا”.
ويعتبر الملك محمد السادس أن هذه القمة هي فرصة لتقييم التعاون بين الدول الأفريقية والهند ووضع حجر الزاوية لبناء شراكة أفريقية هندية متينة، فهذا المنتدى الدوري ينبغي أن يكون منصة لوضع الأسس لنموذج فعال قائم على التضامن متعدد الأبعاد.
وسجل التعاون بين القارة السمراء والهند خلال العقود الأخيرة قفزة نوعية خاصة على الصعيد الاقتصادي فقد تضاعف التبادل التجاري بين الجانبين ليصل إلى سبعين مليار دولار، ولكن يبقى هذا التعاون دون المأمول خاصة على الصعيدين السياسي والأمني بالنظر إلى حجم الأخطار الموجودة، في ظل انتشار الإرهاب في كل من آسيا الوسطى وأفريقيا الأمر الذي يتطلب تنسيقا عاليا لدحر هذا التهديد.
والعلاقة بين الهند والدول الأفريقية التي تحكمها نقاط تقارب كثيرة ليست حديثة بل هي ضاربة في التاريخ وقد شهدت في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي تطورا مع خوض شعوبها معا ملحمة التحرر من الاستعمار الغربي، وهو ما ولّد شعورا بالانتماء بين مكوناتها إلى هذا الشطر من الكرة الأرضية.
ويرى محللون أن بوسع كل من الهند والدول الأفريقية تحقيق نجاحات كبيرة معا على مختلف الأصعدة وذلك بانتهاز فرصة مثل هذه الملتقيات لبلورة استراتيجية فاعلة لتحقيق هذا الهدف المنشود.
وهناك اليوم شعور ملحّ على ضرورة ردم الهوة مع بلدان الشمال التي نجحت إلى حد كبير في استثمار الانقسامات والخلافات بين بلدان الجنوب، لتعزيز هيمنتها سياسيا واقتصاديا على العالم.
ويقتضي ردم هذه الهوة، إلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أيضا ممارسة مزيد من الضغوط لتحقيق المساواة بين كل الدول وأول خطوة في هذا الاتجاه هي الدفع نحو إجراء إصلاح شامل لمنظومة الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها لجعله أكثر تمثيلا وديمقراطية ومساءلة وفعالية.
وطالب قادة دول قمة منتدى الهند-أفريقيا بضرورة القيام بعمل جماعي عاجل لوضع هيكل للحوكمة العالمية يكون أكثر ديمقراطية مما يساعد على ترسيخ أطر أمنية وإنمائية دولية تكون أكثر إنصافا وعدلا، مشيرين إلى أنه على الرغم من أن الهنود والأفارقة يشكلون ثلث سكان العالم، إلا أنهم لايزالون مستبعدين من التمثيل المناسب في مؤسسات الحكم العالمي التي تم تأسيسها لعصر ولّى منذ زمن بعيد.
وترى دول الجنوب أن منظمة الأمم المتحدة تحولت إلى أداة لتنفيذ سياسات الشمال في إخضاع دول الجنوب الأمر الذي يفرض على الأخيرة التحرك وتفعيل دور المنظمة الأممية التي أنشئت من أجله.
وقال الملك محمد السادس “إن تأمين مستقبل مشرق لشعوبنا هو المسؤولية التي يجب أن تحمل”، مضيفا “يجب على بلداننا مواصلة العمل معا والتمسك بمبدأ التضامن من أجل خدمة مصالحنا، وإلا فإننا سوف نضيع فرصة تاريخية. وهذا سيكون بمثابة القفز في المجهول”.
ولم يفوّت العاهل المغربي، على غرار خطاباته السابقة، التأكيد على قدرة القارة الأفريقية التي تملك مؤهلات وإمكانيات كبيرة على التحول إلى مركز ثقل سياسي واقتصادي عالمي، مشددا على أن “أفريقيا اليوم تستحق شراكات تعاون منصفة، أكثر من حاجتها إلى علاقات غير متوازنة، بدعم مشروط”.
وأشار فيها إلى أن على الدول الأفريقية أن تؤسس لمبدأ الثقة فيما بينها، داعيا في هذا الملتقى التاريخي بلدان الجنوب إلى استثمار الأصول ومهاراتها في السعي لشراكة تضمن التقدم لشعوبها وبالتالي اللحاق بركب الدول الناشئة.
وجدد من منطلق الثقة بالطاقات الأفريقية تأكيده على ضرورة تعزيز التعاون بين دول القارة السمراء والاستثمار في الطاقات البشرية.
وكان المغرب قد حقق في هذا الجانب تقدما ملموسا على مدار السنوات الماضية، ولعل تجربة التعاون مع دول أفريقيا الغربية خير مثال على ذلك. وجدير بالتذكير أن المغرب هو أول مستثمر أفريقي في منطقة غرب أفريقيا والثاني على مستوى القارة.
ويبدي المغرب حرصا على تنفيذ مشاريع ملموسة، سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار التعاون الثلاثي، لدفع عجلة التنمية وخلق فرص العمل ليكون لها تأثير مباشر على حياة المواطنين.
وتنسحب هذه الرؤية البناءة أيضا على العلاقة مع الهند وقد أعرب الملك محمد السادس عن استعداد المغرب لإحداث مجموعة عمل هندية أفريقية مشتركة للتنسيق وتبادل المعلومات، تفضي إلى إرساء تعاون وثيق مع الهند، وذلك إيمانا منه بأن الشراكة الأفريقية الهندية الواعدة، قادرة على التطور، بفضل تكامل الموارد والمؤهلات التي تتوفر عليها، وتحقيق أهدافها في خدمة الشعوب.
وانعقدت القمة الهندية الأفريقية تزامنا مع الذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الافريقي) باعتبارها رمزا للوحدة والنهضة الأفريقية، وأيضا في الذكرى السبعين لنشأة منظمة الأمم المتحدة التي يجد الأفارقة والهنود أنها حادت عن أهدافها والمبادئ التي نشأت من أجلها .
مملكتنا.م.ش.س/عرب