المسيرة الخضراء تراث لامادي للمغاربة والوثائق التاريخية وأرشيف الاستعمار يؤكدان مغربية الصحراء
إحتفى باحثون، خلال ندوة علمية نظمت أمس السبت بكلميم، بحدث المسيرة الخضراء، واضعين هذه اللحظة الفارقة في المسار السياسي للمملكة تحت مجهر التشريح الاجتماعي والتاريخي والسياسي، ليخلصوا إلى أنها صارت تمثل تراثا لاماديا للمغاربة واستعادة لذاكرة الهجرات التي عرفها المغرب عبر التاريخ.
وتوقف الأساتذة المتدخلون، في هذه الندوة التي نظمت بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، عند النصوص الدقيقة التي تحفل بها الوثائق التاريخية المغربية وتلك المحفوظة في سجلات الاستعمارين الفرنسي والإسباني، والتي تؤكد علميا وبجلاء مغربية الصحراء وروابط القبائل الصحراوية الوثيقة مع العرش العلوي.
وهكذا، ذهب نائب مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، عبد العاطي لحلو، إلى أنه يمكن نعت حدث المسيرة الخضراء التاريخي اليوم بالتراث اللامادي للمغرب والمغاربة، معتبرا المسيرة امتدادا للمقاومة المغربية بصيغة أخرى.
كما اعتبر، في مداخلة بعنوان “قراءة سوسيولوجية وأنتروبولوجية..40 سنة بعد المسيرة الخضراء”، أن المسيرة تلتقي مع الهجرة النبوية والهجرات القبلية التي اتجهت نحو المغرب قادمة إليه من الشرق وهجرات الأندلسيين في كونها تنطوي على إرادة “لتأسيس مجتمع جديد ومعانقة زمن البدء”، واستعادة “للذات ولذاكرة الهجرات التي عرفها المغرب عبر تاريخه”.
وتوقف الأستاذ لحلو عند ما طبع المسيرة من تمازج إثني وعرقي وثقافي غير مسبوق بين سكان المدن وسكان البوادي، وحضور الروح الشعبية المغربية في الحط والترحال وما اقتضته من صبر وروح تضامن وتآزر بين المتطوعين.
ولفت الانتباه إلى “جانب آخر استطاعت المسيرة الخضراء أن تذكي شعلته هو الجانب الإبداعي حيث انخرط الفنانون والكتاب في إنتاج روايات وفنون تشكيلية وأغان كلاسيكية وأشعار تركت بصمات جليلة على الثقافة المغربية في الربع الأخير من القرن الماضي”.
من جانبه، أخذ الأستاذ نور الدين بلحداد، المتخصص في تاريخ الصحراء المغربية، الحضور في رحلة بين فصول غير مشهورة للعموم من تاريخ المغرب، تؤكد التلاحم بين قيادة الأمة (الملوك العلويون) وساكنة الصحراء، ذاكرا كل مرة أحد هذه الفصول أو المحطات بنصها كما وردت في إحدى الوثائق التاريخية أو الكتب المتخصصة.
وأبرز بهذا الخصوص ما حدث خلال القرن التاسع عشر حين “وطأت أقدام البريطانيين ساحل طرفاية فاستشاط السلطان مولاي الحسن الأول غضبا، فنظم العسس (الحرّاس) وأقام حامية عسكرية، بل تجشم السفر فوق صهوة جواده إلى منطقة كلميم، وأعطى الأوامر لتبنى مرسى جديدة بمنطقة واد نون لكي يقضي على المحاولات البريطانية، ونزل بثقله للدفاع عن وحدة البلاد الترابية”.
كما استحضر الباحث كيف أن القبائل الصحراوية شكلت وفدا لتجديد البيعة لجلالة الملك الراحل محمد بن يوسف (محمد الخامس) سنة 1927 رغم الحواجز والعراقيل التي كان يضعها الاستعمار، متسائلا ما الذي سيجعل هذه الوفود تتحمل مشقة السفر وتهديدات وأحيانا إغراءات المستعمر، غير الوطنية الصادقة وتعلق ساكنة الصحراء بالعرش.
كما أشار، في الاتجاه نفسه، إلى مجموعة من المعارك التي خاضتها قبائل الصحراء دفاعا عن السيادة المغربية ضد المستعمر، وإلى وثائق رسمية عبارة عن مراسلات مع وزارات خارجية دول أجنبية مثل بريطانيا تؤكد مبايعة قبائل الصحراء كلها للعرش العلوي، ووثائق أخرى تثبت رفض القبائل الحصول على صفة المحميين من لدن الاستعمار.
ولم يفت الباحث في تاريخ الصحراء المغربية أن يتوقف عند التوتر الأخير بخصوص القضية الوطنية مع السويد، ذاكرا موقفا حقوقيا نبيلا للمغرب، مع هذه الدولة نفسها، يدحض الادعاءات المغرضة لخصوم الوحدة الترابية، ويؤكد أن المغرب كان تاريخيا يعلي من القيم الكونية لحقوق الانسان، هو ذاك الذي جرى عندما تعهد السلطان محمد الثالث بموجب اتفاقية وقعها مع ملك السويد سنة 1763 بمجموعة من مبادئ حقوق الإنسان.
وحسب الاقتباس الذي أورده الأستاذ بلحداد من نص تاريخي، فقد تعهد السلطان محمد الثالث، تبعا للاتفاقية المذكورة، أنه في حال مر مركب سويدي من “حدود إيالتنا الجنوبية انطلاقا من وادي نون وتعرض هذا المركب للغرق، فعلى خدامنا أن يمنحوا (طاقم) السويد النجدة في أموالهم وفي أمتعتهم التجارية وفي مركبهم وأعراضهم وأن نساعدكم على إقامة شعائركم الدينية فوق بلادنا حتى تغادروها سالمين”.
من ناحيته، ركز الباحث في العلوم السياسية، سعيد بوشاكوك، في مداخلته على آليات تنمية المجال الترابي في الأقاليم الجنوبية، معتبرا أن ذلك يستلزم تأهيل العنصر البشري والتكامل الإداري والانتقال من التسيير العمودي إلى التدبير التشاركي وتحويل المنطقة إلى منطقة جذب ترابي.
واعتبر، في مداخلة بعنوان “الجهوية وتنمية المجال الترابي للصحراء”، أن مفهوم الجذب الترابي يتجسد في العمل على تشجيع الاستثمارات وجلب رؤوس الأموال وتحريك إنتاج الثروة وتوزيع ثمارها بشكل عادل بين الساكنة.
وشدد، من ناحية أخرى، على أهمية تجربة الجهوية التي دخلتها المملكة خاصة في تعزيز الانتماء والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، والتشاركية في اتخاذ القرار وتعزيز الهويات الجهوية في مواجهة العولمة، وبالتالي تعضيد الهوية الوطنية التي هي نتاج لتمازج الثقافات المحلية وتنوعها.
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع