الشعب المغربي يعمل على أن تبقى المسيرة الخضراء رمزا لما يمكن أن تقوم به الشعوب لتحرير أراضيها المحتلّة وتقرير مصيرها وفق إرادتها.
وصفت وكالة الأنباء الأرجنتينية الرسمية المسيرة الخضراء بأنها هبّة شعبية أذهلت العالم بسلميتها ونجاعتها ودفعت الاستعمار الأسباني إلى الجلاء عن الصحراء المغربية؛ الأمر الذي يؤكّده ، مولاي محمد خليفة، وزير الدولة السابق وأحد القيادات البارزة في حزب الاستقلال، الذي قال بدوره إن “المسيرة الخضراء إبداع نضالي جديد لمسيرة التحرر على المستوى العالمي، حيث فضّل الملك الراحل الحسن الثاني أن يحرر أقاليم بلاده الجنوبية، الساقية الحمراء وواد الذهب، بوسيلة ثورية لكن هادئة وسلمية”.
وأن إحياء ذكرى المسيرة الخضراء لا يعني فقط احتفالا بمناسبة وطنية مغربية، بل هو مناسبة لتذكير الجيران المتصارعين والعالم عموما بهذا النموذج الفريد في تاريخ تحرير الشعوب لأراضيها وتحقيق وحدتها الترابية.
وأكد على أن الشعب المغربي اليوم وهو يحتفل بهذا الحدث يعمل على أن تبقى المسيرة الخضراء رمزا ومثالا لما يمكن أن تقوم به الشعوب لتحرير أراضيها المحتلّة وتقرير مصيرها وفق إرادتها ونظرتها الخاصة.
وعمل المغرب، على مدى الأربعين سنة الماضية، على تنمية الأقاليم الجنوبية بعدما كانت أراضي قاحلة لتصبح اليوم،وبشهادة الخبراءوالمستثمرين الأجانب قبل المغاربة، رافدا من روافد التنمية الاقتصادية للبلاد، وحازت منتجعاتها على مراتب متقدّمة في الساحة العالمية، بما منح المواطن الصحراوي المغربي الأوراق القوية التي يواجه بها كلّ من يسعى إلى التشكيك في مغربية منطقته.
ورجع مولاي محمد خليفة، خلال حديثه، بذاكرته إلى ذلك اليوم، قائلا “قام الملك الحسن الثاني بتوجيه خطاب المسيرة الخضراء من مدينة مراكش يوم 16 أكتوبر 1975، وكان لي الشرف أن أكون من بين الشخصيات التي حضرت هذا الخطاب.
وأتذكر أنني كنت إلى جانب عبدالرحيم بوعبيد، وحمد بوستة الأمين العامة لحزب الاستقلال وقتها، وكذلك المرحوم علي يعتة، وعندما وصل الملك الحسن الثاني في خطابه إلى الجملة التي تقول “يجب أن نقف وقفة رجل واحد”، ما شعرنا بأنفسنا إلا ونحن واقفون وقفة رسمية غلب عليها الطابع الحماسي”.
وأتذكر أنني كنت إلى جانب عبدالرحيم بوعبيد، وحمد بوستة الأمين العامة لحزب الاستقلال وقتها، وكذلك المرحوم علي يعتة، وعندما وصل الملك الحسن الثاني في خطابه إلى الجملة التي تقول “يجب أن نقف وقفة رجل واحد”، ما شعرنا بأنفسنا إلا ونحن واقفون وقفة رسمية غلب عليها الطابع الحماسي”.
ويضيف المتحدّث في شهادته عن ذكرى إلقاء خطاب المسيرة الخضراء “وعندما خرجنا إلى الشارع، وجدنا مدينة مراكش مدينة أخرى، كانت هناك مظاهرات وفرحة عارمة انتقلت إلى كل المدن المغربية التي عاشت لحظات فرح توّجتها بفرحة أكبر يوم 6 نوفمبر عندما انطلق 350 ألف شخص يشتركون في هدف واحد نحو الأقاليم الجنوبية”.
فـــعـــل إجـــتـــمــــاعـــي خــــــاص
ويؤيّد حديث مولاي محمد خليفة الكثير من المؤرخين وعلماء الاجتماع السياسي وسيكولوجيا الجماعات، الذين قالوا إن المسيرة الخضراء تعتبر فعلا اجتماعيا وسيكولوجيا خاصا، ووحدة قومية عاشها المغرب بعد الاستقلال.
وحول ما تمثله الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء بالنسبة للمغاربة، قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، ومدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات ، إن “المسيرة الخضراء تندرج ضمن الأشكال الراقية والحضارية لتدبير الأزمات، خصوصا وأنها ظهرت في مرحلة الحرب الباردة، فالمغرب اختار في سبيل استكمال وحدته الترابية هذا الأسلوب السلمي”.
والكل يعلم بمكانة قضية الصحراء لدى المغاربة؛ حيث وحّدت المغاربة على رغم اختلافاتهم إزاء الكثير من القضايا، والدليل أنه كلما كانت هناك إساءة للقضية أو للوحدة الترابية للمغرب، إلا وتوحدت ردود الفعل الشعبية والرسمية وجميع المكونات السياسية في المغرب على اختلاف مشاربها وأيديولوجياتها.
ويرى لكريني أن استحضار هذه الذكرى وفي هذه المرحلة بالذات، يحمل أكثر من دلالة؛ فمن خلالها يستحضر المغرب مكتسباته وإنجازاته فيما يتعلق بالمشاريع التنموية التي قام بها في هذه المناطق، كذلك الإصلاحات السياسية والتشريعية التي انعكست بكل تأكيد على المنطقة، وهي أيضا محطة لتقييم أداء الدبلوماسية المغربية ورصد اختلالاتها وتحدياتها وآفاقها، خصوصا وأن الأطراف الأخرى لا زالت تردد المقولات التقليدية التي ما فتئت ترددها منذ اندلاع الأزمة.
وأشار إلى أن تجربة المغرب السياسية والحقوقية الواعدة، وتموقعه الاستراتيجي وانخراطه في مواجهة الكثير من الأزمات الدولية والمساهمة في الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة تداعيات الهجرة السرية والإرهاب الدولي، بالإضافة إلى علاقته المتميزة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، كلها عناصر مهمة يمكن للمغرب أن يستثمرها في الدفاع عن حقوقه المشروعة في الصحراء المغربية.
لكن، هذه المكتسبات، وفق لكريني، لا ينبغي أن تغطّي على الكثير من الاختلالات التي لا زالت تعوق هذا الملف، فعلى المستوى الداخلي، الفاعل السياسي مطالب بأن يواجه الكثير من الاختلالات المرتبطة باقتصاد الريع والفساد، ثم تعزيز مسار حقوق الإنسان الذي غالبا ما يستثمره الخصوم، إضافة إلى الاهتمام بالمعضلات الاجتماعية التي يحاول البعض تسييسها.
أما على المستوى الخارجي، فينبغي إعادة النظر في الاستراتيجية الدبلوماسية المغربية، فهناك حاجة إلى اعتماد دبلوماسية منفتحة وتفعيل دور المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمثقفين والجامعات في إطار ما يسمى بالتوأمة والتعاون الدولي، ثم أيضا اعتماد دبلوماسية مبادرة وليس دبلوماسية رد الفعل، تعتمد على استثمار إجماع وطني وتوفير المعلومات اللازمة لمواجهة الخصوم بالنسبة إلى البرلمان والفاعلين السياسيين، حتى تكون مرافعة المغرب في هذا الملف بناءة .
مملكتنا.م.ش.س / عرب