طقوس الولادة عند العــــــــــــرب إتفاق في المتن وإختلاف في الهـــــــوامش

الأربعاء 3 فبراير 2016 - 22:27

طقوس الولادة عند العــــــــــــرب إتفاق في المتن وإختلاف في الهـــــــوامش

  • ليس ثمّة ما هو أهمّ من الولادة في حياة الشعوب، فبها وحدها يمكن الحفاظ على النوع الإنساني، وحولها تشكّلت معظم رموز الحبّ والخصوبة والنماء في كلّ الثقافات الإنسانيّة على اختلافها وتنوّعها ولم يشكّل العرب استثناء في تمجيد الولادة ومدحها والتغنّي في أشعارهم بالأمّ الولود وإيلائها مكانة هامة في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم. ويكفي أن يغوص المرء في الحكايات الخرافيّة الشعبيّة العربيّة وينقر فيها ليدرك أنّ الولادة قد احتلّت الحيز الأهمّ من المتخيّل الشعبي العربي، فلا تكاد تخلو حكاية من الموروث الشفوي النسوي على وجه الخصوص من التطرّق إلى الولادة ومعاناتها.

في حكاية توُجد لها روايات متعدّدة في التراث الشفوي العربي تصوّر الأحداث امرأة عاقرا قلقة متوتّرة على الدوام تبحث عن وسيلة للإنجاب والخلاص، فلم تترك عشبا من الأعشاب البرّية نُصحت بتناوله إلّا وتناولته، ولا يوجد صاحب بركة تُنسب إليه قدرات خارقة على معالجة العقر والعقم إلا وقصدته التماسا لمساعدته، غير أنّ ذلك لم يُجد نفعا.

وفي يوم من الأيّام وبعد أن استبدّ بها اليأس وأطبق عليها القنوط وأغلقت أمام عينيها أبواب الفرج، طرقت عجوز باب دارها وسلمتها تفاحة الخصوبة “الحبالة” ونصحتها بأكلها. كادت المرأة أن تجنّ من الفرح. وضعت التفاحة في ركن من البيت ودخلت إلى المطبخ لإعداد فطور الغداء لزوجها.
ولمّا عاد الزوج من العمل وقد أخذ الجوع منه مأخذه لم يجد أفضل ما يسدّ به رمقه من التفاحة فأكلها، وما أن انقضت بعض الشهور إلا و بدأ بطن قدمه يتورّم شيئا فشيئا حتّى صارت كالجرّة وأصبح عاجزا عن المشي وقد ثبت له ولزوجته المسكينة أنّه حبل من قدمه. كان لا بدّ لزوجته أن تخفيه عن أعين الناس مخافة العار والفضيحة حتّى يحين موعد الوضع، بقدوم الحلّاق وشقّه بالموس في عملية أشبه ما تكون بالتوليد القيصري قدَم الرجل ليستخرج منها “مضغة” رمى بها على قارعة الطريق، لكن طائرا حملها إلى عشّه وأطعمها ورعاها حتّى صارت بنيّة صغيرة بهيّة الطلعة، ثمّ فتاة أصبحت مضرب الأمثال في الأخلاق والجمال.

الحكاية تصوّر في سخرية سريالية معاناة العقر والولادة في ذات الوقت، ولادة مشّوهة لذكر لا رحم له وتعلي من قيمة الأنوثة والأمومة. المجتمعات العربيّة التقليدية تحطّ من قيمة المرأة العاقر، وحتّى إذا ما لم تلد لعقر في زوجها وليس فيها عادة ما تنسبه إليها ظلما وعلى العكس من ذلك تعلي من قيمة المرأة الولود، خاصة ولّادة الذكور وتحيطها بالرعاية أثناء الحمل وعند الولادة وبعيدها.

للولادة العربيّة طقوسها التي تختلف من بلد إلى آخر وفي غالب الأحيان من جهة إلى أخرى في البلد الواحد، والمعتقدات المرتبطة بها منذ فترة الحمل لا تُحصى ولا تعد، ولعلّ أشهرها المعتقد المتعلّق بالوحم ومفاده أنّ المرأة الحامل في الشهور الثلاثة الأولى من حملها إذا اشتهت تناول شيء دون أن تتمكّن من ذلك مثل عنقود عنب على سبيل المثال لا الحصر، فإنّ صورة هذا العنقود سترتسم على جسد وليدها في عضو من أعضائه. وما إن يأتي موعد الولادة حتّى تتكفل قديما القابلة التقليديّة المتمرّسة بتوليد المرأة الحامل عند شعورها بالمخاض ومساعدتها على الوضع بشدّ أزرها والعمل على أن يخرج المولود بسلام قبل أن تعوّضها اليوم، ما عدا في بعض الأرياف والبوادي المنسية، القابلة العصريّة المتخرّجة من المعاهد الحديثة. عند خروج المولود إلى الدنيا تطلق النساء الزغاريد ثلاث مرّات أو أكثر إذا كان ذكرا ولا تحظى الأنثى إلّا بزغرودة واحدة وهذا عين الإجحاف في حقّ الأنثى التي خرجت لتوّها من جوف أنثى.

للولادة العربية طقوسها التي تختلف من بلد إلى آخر، والمعتقدات المرتبطة بها منذ فترة الحمل لا تحصى ولا تعدthumb

وقد بدأت هذه اللا مساواة في الزغاريد بين الجنسين تندثر تدريجيّا بانتشار التعليم والوعي بين الناس. وبعد تنظيف الوليد والاطمئنان على صحّة الأمّ يأتي رجل من العائلة عادة ما يكون مسنّا وورعا وحافظا للقرآن الكريم ليؤذّن تيمّنا بالسنّة النبويّة في أذنه اليمنى ويكبّر ثلاث تكبيرات في أذنه اليسرى وأحيانا أكثر حسب المناطق والجهات إعلانا على إدماجه في الملّة الإسلاميّة.

تتقبّل الأمّ الهدايا من الأقرباء والزوار وتٌقدّم لها “نحيلة” أي هديّة للمولود عادة ما تكون نقدا من الرجال، ولباسا من النساء وتُحاط برعاية خاصة من حيث نظافتها الجسديّة ونظافة بيتها وغذائها حفاظا على سلامتها وسلامة وليدها، فيعمل المحيطون بها على إطعامها الغذاء الدسم مثل الرفيسة في المغرب والجزائر، والطبيخة في تونس وغرب ليبيا وهي مرق معدّ بلحم القدّيد والحلبة والفول والحمص لتقويتها حتّى تتغلّب على إرهاق النفاس، كما تقدّم لها كل الأطعمة الدسمة مثل البيض والحليب في مناطق أخرى من العالم العربي حتّى يمكنها أن تدرّ الحليب مدرارا لترضع رضيعها الذي يوضع في “قماطة” أي ثوب من القطن يُلفّ فيه جسده ويشدّ أطرافه المرتخية والهزيلة بطبعها.

ولا غرابة في أن تشكّل تسمية المولود أمرا على غاية من الأهمّية حتّى تكتمل عمليّة إدماجه، ويحبّذ أن يُسمّى باسم عزيز متوفى كأن يكون الجدّ أو الجدّة أو الأخ أو أختا للوالد والوالدة أو مولودا قد فارق الحياة مبكّرا، وعادة ما يُترك الاسم لليوم السابع قبل أن يصبح اليوم جاهزا قبل الولادة للذكر والأنثى على حدّ السواء لأنّ جنس المولود يمكّن منه اليوم عبر “السكانير” الطبّ الحديث وهو مازال في رحم أمّه.

“السبوع” طقس مهمّ تُقام فيه احتفاليّة خاصة يغلب عليها الطابع الديني وتُذبح فيه العقيقة بالاسم المتوصّل إليه تبرّكا. ويكون بعد ذلك اليوم الأربعون آخر يوم يُغلق فيه طقس الولادة واحتفاليتها لتنهض الأمّ للعمل وللحياة العمليّة ويكون الوليد قد فتح عيناه على الدنيا وبدأ يتحسّس طريقه نحو المستقبل.

وعموما فإنّ طقوس الولادة لا يمكن فهمها إلّا باعتبارها غشاء ثقافيّا بتعبير عالم التحليل النفسي المختصّ في الطفولة “ديدييه أنزيو” في كتابه “الأنا الغشاء”. يكون المولود ملفوفا في غشاء رحم أمّه “أنا والدته” ثمّ يسقط في الفراغ، فلا يكفي لا الحضن ولا الدوح الذي كان يُعدّ قديما من القصب ويُفرش بالتبن لضمّه والتخفيف من ألمه على فراق الجوف الدافئ لوالدته، ولا بدّ من طقوس وعادات تمثل “غشاء ثقافيا” يحضنه ويدمجه في قومه ويهيّئه للكبر .

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 10:04

باريس .. السيد اليزمي يؤكد على “الدور متعدد الأوجه” للجاليات المغربية بالخارج

الجمعة 15 مارس 2024 - 21:56

الأجواء الرمضانية تضفي الحيوية والنشاط على أزقة المدينة العتيقة بفاس

الأربعاء 13 مارس 2024 - 10:35

أهالي طنجة متمسكون بشدة بتقاليد الأجداد خلال شهر رمضان

الثلاثاء 30 يناير 2024 - 14:19

الحاجيات المتزايدة للمنظومة الصحية تستدعي وضع نظام حكامة يضمن التنسيق بين الأطراف المتدخلة في التكوين (مجلس)