التخــــويف في الثقافة العربية الشعبية … خــــرافات وأساطيــــــر
كانت الأمهات والجدات في الخليج وما يزال البعض منهن كذلك يستعملن حكاية حمار القايلة لإخافة أطفالهن وردعهم عن الخروج من البيت ليس فقط في عز القيلولة مخافة عليهم من وقع الشمس، وإنما كذلك في الأوقات الأخرى لتجنيبهم مخاطر الشارع ومضاره.
ولحمارة القايلة، التي تسمّى في شرق السعودية والبحرين بأم حمار، قصص كثيرة متداولة في بلدان الخليج وإحداها من منطقة نجد تتحدث عن امرأة كانت متزوجة من أحد الجنود طرقت عليها حمارة القايلة الباب في الصباح الباكر عندما كان زوجها غائبا عن البيت وكانت متنكرة في شكل امرأة وطلبت منها أن ترافقها للاستسقاء من العين، فما كان منها إلا أن لبت طلبها.
وما أن انطلقتا في السير حتى أحسّت زوجة الجندي بأن وقع قدمي رفيقتها في الطريق ليس عاديا وعندما نظرت إلى الأسفل اكتشفت أن قدميها هما قدما حمار فهالها الأمر وفزعت وفكرت في حيلة تنقذها من ورطتها من هذه الكائنة الغريبة، فادّعت أنها نسيت شيئا ما لتعود إلى منزلها وتحكم قفل الباب وراءها. رجعت المرأة ذات قدمي الحمار إلى منزل الجندي وطرقت الباب بشدة، إلا أن المرأة أبت أن تفتح الباب وعندما عاد الزوج من عمله بالقصر أخبرته زوجته بما حدث لها ولكنه لم يصدقها.
تواصل الأمر على ذلك الحال مدة طويلة والمرأة تأتي كل يوم تطرق باب منزل الجندي بشدة ولكن صاحبة البيت تأبى أن تفتح لها الباب ثم تخبر زوجها الذي يصر في كل مرة على أنّ ما تدعيه هو من محض الوهم والخيال ولم يصدق الزوجة المسكينة أحد لا من أقاربها ولا من جيرانها إلى أن جاء اليوم الذي عاد فيه الجندي إلى منزله فوجد دماء غزيرة تسيل من غرفة الجلوس إلى خارج البيت فأخبر الناس وخرجوا يتبعون آثار الدماء حتى عثروا على ثياب زوجته ملطخة وممزقة، فقد افترستها حمار القايلة ولم تترك منها إلا العظام.
وعلاوة على هذه الكائنات الأسطورية التي ينسجها المخيال الجماعي لحماية الأطفال وتربيتهم والتي تحفل بها كل الثقافات الإنسانية، تعتمد الحكايات الخرافية العربية على شخصيات مرعبة لغاية تربوية، أي “بيداغوجيا الخوف” كما يصطلح على ذلك التحليل النفسي. ففي حكاية تروى في المغرب والخليج العربيين بروايات مختلفة ولكن مضمونها واحد وشخصياتها تكاد تكون واحدة مع اختلافات جزئيّة لا تكاد تذكر.
اعتادت عنز أن تخرج كل يوم بعد أن تحكم غلق الباب على أبنائها مخافة أن يتسلّل إليها الذئب، وعندما تعود تطرق الباب بقرنيها قائلة “حلّوا يا صغيراتي جبتلكم الحليب في ضريعاتي والعشب على ظهيراتي والماء في قريناتي” فيفتح صغارها الباب وتدخل وهكذا كان دأب الأم وصغارها كل يوم. وفي يوم من الأيام استمع الذئب إلى العنز وهي تطرق الباب وتقول “حلّوا (افتحوا) يا صغيراتي..” فرجع من الغد وطرق الباب مردّدا نفس ما تقوله العنز مناديا ومحاكيا لصوتها “حلّوا يا صغيراتي..”.
همّ كبار الجداء بفتح الباب لكن صغيرها رفض فتح الباب وقال لإخوته “لا تفتحوا الباب فهذا ليس صوت أمّنا” لكن أخوته الجداء لم تبال بكلامه وعندما تقدموا لفتح الباب ذهب الجدي الصغير واختبأ في المطمور. فُتح الباب ووثب الذئب على الجداء وافترسها وعندما عادت العنز مساء، خرج الجدي الصغير من المطمور وفتح لها الباب وأخبرها بما حدث لإخوته. وهكذا تكون عاقبة من لا يأخذ بنصيحة والديه بهذه الجملة الموعظة تقفل الحكاية.
فمن يفتح الباب للغريب ولا يلتزم بأوامر والديه تكون عاقبته وخيمة: يقتله الذئب شرّ قتلة ويفترسه والفطن من الأطفال الذي ينصت إلى أمه بكلّ حواسه ولا يمكن تبعا لذلك أن يخطئ في معرفة صوتها مهما كانت عبقرية مقلّدها في تقليد الأصوات حتى لو كان أصغرهم غير المؤهل مبدئيا مقارنة بإخوته الذين يكبرونه سنا لمعرفة الخطأ من الصواب لا يصاب بأذى ويظلّ سعيدا في أحضان أمه يتمتع بحليبها وما تدرّه عليه من خيرات الأرض وثمارها ومائها.
ترسم هذه الحكاية حدا بين الداخل والخارج. الداخل هو الأمان والاطمئنان والسلام والخارج هو المتوحّش الذي يرمز إليه الذئب، الخطر الذي يتهدّد الطفل ويتربص به. المتوحّش كثيرا ما لا يعلن عن وحشيته صراحة فيتخفى ويتقنّع ويبدو أليفا ومؤنسا ومغريا للإيقاع بصاحبه والتمكن منه.
والكثير من الكائنات المرعبة الضارة والمدمّرة عادة ما تكون الغيلان تقدمها الحكايات الشفوية لأول وهلة في أكثر المظاهر جمالا وإغراء ولكنها سرعان ما تكشف عن حقيقتها وتنقضّ على فريستها. وعلى هذا النحو يكون التخويف من الخارج (خارج البيت) الذي يقدم لنا في ثوب تقليدي من الإرث الشفوي للماضي مطابقا لما يحذّر منه علماء التربية الآن من مغبّة الجزّ بالطفل في الشارع وفي الحيّ، حيث يمكن أن يتعرّض لأكثر المخاطر تأثيرا سلبيا إن لم يكن على حياته فعلى تكوين شخصيته وسلوكه .
مملكتنا.م.ش.س/عرب