المغـــــرب بلد أولياء الله الصالحين وبلد الزوايا ومجمّع الصوفية

الأحد 17 أبريل 2016 - 01:54

المغـــــرب بلد أولياء الله الصالحين وبلد الزوايا ومجمّع الصوفية

المغرب بلد الأولياء والصالحين ، “ينبت الصالحون بالمغرب كما تنبت الأرض الكلأ” ، هكذا تشيع الأوصاف البديعة عن أهل المغرب لانتشار عبق الصوفية النفيس بين المغاربة إذ تعد منهجا تربويا يفضي إلى حق العبودية لله تعالى، بما تعنيه من تحرر من كل قيود وأغلال الدنيا، سواء تعلق الأمر بشهواتها الحسية أو المادية، وما قد يترتب على ذلك من تكبر واستكبار وطمع وأنانيات.
وعن التأثير الفعلي للصوفية داخل المجتمع المغربي تحدثت دراسة بعنوان “مؤسسة الزوايا بالمغرب” للدكتور محمد ضريف -باحث في شئون الحركات الإسلامية بالمغرب- نشرت مستقلة ضمن منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، طبعة 1992م.
تحدث د.ضريف عن مرحلتين مر بهما التصوف في المغرب: مرحلة التبعية حيث تم إدخال التصوف ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي من قِبل حجاج الأماكن المقدسة، ومن الصعب الحديث في هذه الفترة عن تصوف “مغربي”؛ لكون أهم الصوفية المغاربة -أمثال “أبي يعزى يلنور”، و”ابن عربي”، و”علي بن حرزهم”- كانت صوفيتهم شرقية قلبا وقالبا.
ومرحلة “مغربة” التصوف التي دشنها عبد السلام بن مشيش، فبرغم أنه درس على يد أئمة الصوفية التابعين -كأبي مدين الغوث وعلي بن حرزهم- فإنه لم يسلك مسلكهم؛ بل سعى إلى التميز عنهم، وقد أكمل تلميذه أبو الحسن الشاذلي مرحلة “مغربة” التصوف لتصل ذروتها مع محمد بن سليمان الجزولي.

إسلام ما وراء الحواضر
وحول أهداف انتشار التصوف في المغرب يقول د.ضريف: “التيار الصوفي في البداية يهدف أساسا إلى نشر الإسلام فيما وراء الحواضر؛ حيث بدأ منذ القرن الثالث عشر الميلادي يتوغل في الأرياف.
وبدءا من القرن الرابع عشر الميلادي انتقل التصوف من الإطار الدعوي إلى الإطار السياسي، وبدأت المعالم الأولى للطرق الصوفية تتشكل في العهد الموحدي ليكتمل هذا التشكل مع أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي الذي يعتبر مؤسس أول طريقة صوفية في المغرب جراء التحولات التي طرأت على بنية المجتمع. ويمكن القول بأن الطرق الصوفية أصبحت ابتداء من القرن الخامس عشر الميلادي مؤهلة لتزويد البلاد بنظام الحكم”.
ويضيف د.ضريف: “إن تاريخ المغرب هو تاريخ سيادة التيار الصوفي بتعبيراته المختلفة، ولم يشكل هذا التيار محاضن للتربية الروحية فقط، بل محاضن للجهاد أيضا، لقد كانت الممارسة الصوفية هي الشكل السائد للتدين في المجتمع المغربي”.
ويستكمل الرصد المجتمعي للتدين الصوفي بالمغرب الباحث الصوفي المغربي لحسن السباعي الإدريسي في كتابه: “حول التصوف والمجتمع” (منشورات الإشارة، 2007): “ارتبط التصوف في المغرب بالحياة في كل مناحيها، فلم يكن الصوفية أبدا منفصلين عن هموم المجتمع، ولا تعلقوا بالكرامات والخوارق، بل إن أكبر فقهاء المغرب كانوا صوفية، حتى إنه لا يمكن الحديث إلا في حالات نادرة جدا عن خلاف بين الصوفية والعلماء”.
ومع أن الحركة الصوفية اهتمت بالتزكية وتجديد الإيمان في القلوب في استقلال كامل عن السلطة، فإن علاقاتها بهذه الأخيرة لم تكن أبدا مشوبة بالخلاف أو المواجهة.
يتميز المشهد الصوفي المغربي حاليا بتنوع الطرق والزوايا التي تمتد على طول التراب المغربي، من الشمال إلى الجنوب، ومن أشهرها: الطريقة الكتانية، والعلوية، والبودشيشية، والزاوية الريسونية، ومجلس أهل الله، والطريقة البوعزاوية…إلخ.
وحسب د.ضريف “تعتبر الطريقة البودشيشية الأكثر حضورا وقوة”، وحول ما يميز هذه الزوايا بعضها عن بعض يقول: “إن كان هناك نوع من التماثل بين هذه الطرق على مستوى المرجعيات العقدية، فإنها تتباين فيما بينها على مستوى التوجهات والأدوار التي تروم أداءها.
فالطريقة الكتانية على سبيل المثال تتجه نحو التسييس وإبداء مواقف تجاه القضايا؛ سواء كانت ذات طابع داخلي أو لها ارتباط بالأمة العربية والإسلامية، والتوجه نفسه تنتهجه الزاوية الريسونية.. أما الطريقة البودشيشية فقد نأت بنفسها عن عملية التسييس، وغلبت في توجهاتها الطابع التربوي”.

التقـــــوى معيار الترقي
ويتفق معظم شيوخ الزوايا الصوفية بالمغرب على أن الترقية في مدارج السلوك “لا تحصل مع محبة الدنيا، ولا تنكشف إلا بمجانبة الهوى، ولا تدرس إلا في مدرسة التقوى”.
“ميمونة” -سيدة مغربية في عقدها الرابع- من الملازمات لوردها، عن الزاوية التيجانية تحكي أنها تحس بصفاء في قلبها وفكرها عندما يمر يومها وقد وفقها الله إلى المحافظة على وردها في الأذكار والاستغفار.
وتضيف ميمونة: “أكثر من ذلك أني منذ مدة وأنا أحافظ على قراءة آيات من القرآن الكريم، وألحق ثوابها إلى والدي”.
أما “محمد حبيب الله” فبرغم أنه رجل كبير في السن من صحراء جنوب المغرب فإنه ما زال يحافظ على ورده اليومي بعد الصلوات، والدعاء للموتى يوميا بالمغفرة والجنة.
وتعتبر الأذكار النبوية بمثابة ذخيرة وزاد للسالكين في طريق الله تعالى، يحكي محمد الحجاجي، مسير شركة: “إن أذكار يوم المؤمن وليلته هي زادي من السنة التي يحرص على متابعتها معنا شيخي بمعية إخوتي في الله، حتى نصل إلى أسمى الدرجات وأعلى المقامات، ونحقق بهذا معنى العبودية لله تعالى التي خلقنا لأجلها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
وبالإضافة إلى الأذكار الفردية التي نسعى إلى الحفاظ عليها قدر المستطاع كل يوم هناك برامج تربوية جماعية نحافظ عليها في سيرنا التزكوي؛ كقيام الليل، والرباطات التربوية التي يكون غالب برنامجها ذكر الله وقراءة القرآن، وحفظه طيلة يومين أو ثلاثة، حسب الظروف”.
ويذكر الباحث المغربي لحسن السباعي الإدريسي في دراسة بعنوان “حول التصوف والمجتمع” عن منشورات الإشارة بتاريخ 2007م: “كثيرا ما يقع بعض الناس في خلط كبير ناجم عن عدم معرفتهم بخصوصية التصوف؛ سواء من حيث مضمونه أو منهجه، وتجدهم بالخصوص يعتبرون الأخذ عن شيخ مربٍّ ضربا من التقديس أو ما اصطلح على تسميته بعبادة الأشخاص.
والأمر يتعلق في الواقع بصحبة في الله، وبمشاعر مترتبة على تلك الصحبة، مشاعر لا تعدو أن تكون تعبيرا عن المحبة الخالصة لهؤلاء الرجال بالنظر للمكانة التي تبوّءوها في مجال التربية الروحية، فالتأدب معهم في هذه الحالة تأدب مع الأسرار والأنوار التي لا يخلو قلب إنسان من قسط منها، قلّ أو كثر، لكنها تعظم وتتزايد مع تزايد محبة الله تعالى”.
 
مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 5 يونيو 2025 - 10:59

جمعيات بيئية تشيد بالتنفيس على النظام الإيكولوجي بتعليق شعيرة النحر

الجمعة 28 فبراير 2025 - 12:09

حملة طبية متعددة التخصصات لفائدة نزلاء السجن المحلي بقلعة السراغنة

الإثنين 23 ديسمبر 2024 - 19:55

الاقتصاد الدائري .. المغاربة يدعمون مكافحة النفايات البلاستيكية (استطلاع للرأي)

الأحد 10 نوفمبر 2024 - 17:35

السيد الكثيري .. ملحمة المسيرة الخضراء حدث نوعي بصم تاريخ المغرب الحديث بروح السلم والسلام