فقبل حلول الشهر الفضيل بأيام قلائل، يبدأ الأهالي في إعداد الموائد، أو “الخيام الرمضانية” كما يسميها البعض، والتي تنتشر في جميع الأحياء، حيث يقدم المحسنون من الأغنياء وكذا الجمعيات الخيرية على نصبها أمام المحلات والشوارع والساحات العامة من أجل تقديم وجبات إفطار للفقراء والمحتاجين طوال الشهر الكريم، وكذا إلى عابري السبيل ممن فاجأهم آذان المغرب قبل الوصول إلى بيوتهم.
وقد صارت “موائد الرحمن” في المغرب من العادات الراسخة خلال أيام شهر رمضان، حيث تعيش في حالة من التراحم والمودة بين الناس، فلا يبقى صائم إلا وقد أفطر، بفضل صدقات أهل الخير ممن لا يطمعون في أكثر من دعوة مستجابة من شخص صائم.
وفي العصر الفاطمي عرفت “موائد الرحمن” باسم “السماط”، ويروى أن آلاف الموائد كانت تنصب للصائمين غير القادرين، وعابري السبيل، وكان الخليفة العزيز بالله ومن بعده المستنصر بالله يهتمان بموائد الإفطار التي تقام في القصر للأمراء ورجال الدولة، وكذا تلك التي تقام في المساجد للفقراء والمساكين.
أما في العصر المملوكي، فكان الأمراء والأغنياء يقومون بتجهيز الموائد وإرسالها إلى الفقراء، حيث كانوا يفتحون أبواب المحلات لاستقبال الفقراء وعابري السبيل، فضلا عن صرف رواتب إضافية للموظفين وطلاب العلم والأيتام.
وهكذا توارثت الأجيال هذا الملمح الرمضاني البارز، حيث صارت “موائد الرحمن” بطابعها التقليدي، تتكرر كل عام، في وقت عرفت فيه هذه الظاهرة بعض التطور بعد أن أصبح بعض أهل الخير يقومون بإعداد وجبات جاهزة ويوصلونها إلى منازل الفقراء، حتى يتسنى لهؤلاء أن يفطروا في منازلهم، دون حرج أو خشية من رؤيتهم، وهم يتسابقون إلى موائد الرحمن.
وعلى الرغم من اختلاف العلماء حول كيفية إنفاق أموال الصدقات التطوعية على موائد الرحمن التي تقام في شهر رمضان لإفطار الصائمين في الأماكن العامة والمساجد الكبرى فإن الموائد الرمضانية تزداد عاما بعد عام.
ولم تعد “مائدة الرحمن” تقتصر على الفقراء والمحتاجين فقط، بل أصبح من رواد هذه الموائد الموظفون والأسر الراغبة في الإفطار خارج البيت، وكذا الشباب والأجانب من الراغبين في التعرف عن قرب على الأجواء والتقاليد الرمضانية في المغرب.
وأصبحت هذه الموائد كذلك فرصة لبعض الفئات من الميسورين والفنانين للتنافس في تقديم أفضل الموائد لمرتاديها وكذا للتباهي، كما دخل على الخط أيضا سياسيون ومنتخبون يوظفون هذه الموائد في الداعية السياسية والترويج لبرامجهم الانتخابية.
وتبقى مائدة الرحمن من أشهر طقوس شهر رمضان الكريم في القاهرة، فالمعنى والإحساس واحد ولو اختلفت في شكلها ومحتوى طعامها ما بين الأحياء الراقية والشعبية.