الخديعة التي أدت إلى أكبر مجزرة في صفوف القوات المسلحة
بعد أن طلب الطاهر بلخوجة من الملك الحسن الثاني وقف إطلاق النار بصفة كاملة، وبإلحاح من الرئيس بورقيبة، و الواقع التاريخي هو أن الرئيس بورقيبة لم يأمر وزيره في الداخلية الطاهر بلخوجة بأي طلب ملح من هذا النوع، بل كان الخطاب من ابتكار و دهاء المعني بالأمر الذي التقى بالرئيس الجزائري هواري بومدين قبل ذلك بيوم عبثا حاول الملك الحسن الثاني الاتصال بالرئيس بورقيبة ليتأكد من مضمون رسالة بلخوجة.
فنتجت عن هذه الكذبة تداعيات ونتائج خطيرة، من بينها توقف العمليات العسكرية المغربية من جانب واحد، مما مكن القوات الخاصة الجزائرية من الهجوم في جنح الظلام و ذبح وأسر العديد من أفراد الكتيبة المغربية الذين كانوا يعتقدون أن الجيش الجزائري ملتزم بوقف إطلاق النار.
هذه المجزرة يستحضر بعض تفاصيلها أحد الناجين من تلك الهجومات، حيث كان حينها ضمن الفيلق الرابع للمشاة تحت إمرة الكولونيل فتحي الذي توجه بهم إلى مدينة طانطان، وكانت هذه الفرقة مكلفة بحراسة قوافل الإمدادات و مكلفة أيضا بحراسة منشآت الفوسفاط بمدينة العيون فوسبوكرع والتي كانت عرضة دائما لهجومات عناصر البوليساريو.
قبل الهجوم الكاسح الذي خلف مئات القتلى والجرحى في صفوف عناصر هذه الوحدة العسكرية، يتذكر هذا الجندي الذي كان حينها برتبة «اجودان شاف» بفرقة المشاة، ستصدر الأوامر للفوج الثالث من أجل التوجه إلى منطقة الكلتة الني كانت مشتعلة والمعارك فيها على قدم وساق.
وكان قائد الفيلق المكلف بتلك العمليات هو الكولونيل الغجدامي الملقب بثعلب الصحراء، وفي إحدى زياراته لنادي الضباط بمدينة العيون سيجد الضباط بلباس النوم، مخالفين بذلك الأوامر العسكرية التي تحتم عليهم أن يكونوا دائما في حالة استنفار ومرتادين لبدلاتهم العسكرية، وكعقاب لهم على هذا السلوك سيتوجه إليهم بالأمر من أجل الالتحاق بمنطقة الكلتة من أجل المساهمة في صد هجومات البوليساريو. لكن المسؤول المباشر عن هؤلاء الضباط الكولونيل الودغيري سيرفض أن يتوجه ضباطه في تلك الليلة إلى منطقة الكلتة، ونتيجة لهذا الخلاف سيضطر كل من الودغيري والغجدامي إلى رفع الأمر للقيادة المركزية، وتم الاتفاق على إثر ذلك بأن تتناوب الفرقتان على منطقة الكلتة كل 6 أشهر.
لم يعجب هذا الحل الكولونيل الغجدامي وأخبر عناصر فرقته أنه لن يتوجه معهم إلى منطقة الكلتة باعتبارها بؤرة ساخنة، وبالفعل مكث معهم مدة 10 أيام وبعد ذلك تم نقله إلى منطقة عسكرية أخرى أقل خطورة، وحل محله الكولونيل قندروش الذي سيتوجه بعناصر الفرقة إلى منطقة الكلتة.
وفي الصباح الباكر من يوم 8 اكتوبر 1981 حضرت إلى منطقة الكلتة عناصر التدخل السريع التي كان دورها يقتصر على تأمين وصول الإمدادات العسكرية للمرابطين بجبهة القتال بالكلتة.
كان جميع المقاتلين ممن التحقوا مؤخرا بالجبهة داخل خنادقهم التي حفروها بأيديهم وأقاموا متاريس حجرية عليها تقيهم من الرصاصات الطائشة، وتحملوا قساوة الهجومات المتوالية من عناصر البوليساريو. وكانت الأوامر التي أعطيت لهم ألا يردوا عن أي هجوم ما لم يتوصلوا بأمر من ذلك من قبل القيادة المركزية.
في صباح اليوم الموالي، وبينما كانوا داخل خنادقهم، سيفاجؤون بمشهد رهيب يتعلق بطائرة استكشاف مغربية وقد اشتعلت فيها النيران بعد أن أصيبت بصاروخ من نوع صام 6 الروسي الصنع، ومباشرة بعد ذلك ستشن عناصر البوليساريو هجوما كاسحا عبر إطلاق سلسلة من القذائف المضادة للطائرات وعدد من القنابل الفوسفورية التي هي عبارة عن كرات نارية صفراء، مما أحدث هلعا وسط عناصر القوات المغربية التي فوجئت بذلك الهجوم. ونجم عن هذا الهجوم سقوط أول شهيد مغربي في هذه المعركة بعد أن أصيب بقاذفة رافال. وقد دارت هذه المعركة يوم 13 أكتوبر 1981، حيث كان المغاربة يستعدون للاحتفال بعيد الأضحى في تلك السنة.
وفي الوقت الذي عمت فيه الفوضى ستفاجؤ عناصر هذه الوحدة مرة أخرى بهجوم خاطف شنه مقاتلون من البوليساريو انطلاقا من جبلين قريبين لهم كان الجنود المغاربة يطلقون عليه طريق النهود، لأن الجبلين المشرفين على هذه الطريق كانا يشبهان ثديي المرأة.
وأمام هذا التطور صدرت تعليمات للمتخندقين بالرجوع إلى الخلف، لكن صعب على هؤلاء تنفيذ هذا الأمر لأن غالبية الناقلات التي كانوا يتوفرون عليها تعرضت للتدمير، كما أصيبت حوالي 56 دبابة مغربية إصابات مباشرة. وكان التحول من جبل إلى جبل مغامرة قد تكلف الجندي حياته.
إستمر القتال طيلة ذلك اليوم، ورغم النداءات المتكررة من أجل العمل على الانسحاب الكامل من تلك المنطقة فإن الأوامر التي صدرت من الجنرال الدليمي كانت تحتم على الجنود البقاء في أماكانهم حتى وإن سقط منهم عشرات القتلى، مما سهل مأمورية مقاتلي البوليساريو وساعدهم على اقتراف المزيد من المجازر وسط المقاتلين المغاربة الذين قلت ذخيرتهم وانقطعت الاتصالات بينهم وبين قيادتهم الميدانية.
حصيلة معركة الكلتة عشرات القتلى ومثلهم من الجرحى والأسرى ودمار العديد من الآليات العسكرية والعتاد.
معركـــة أمغــــــالة الأولى
أسير آخر شارك في معركة امغالة الأولى التحق بصفوف الجيش وعمره 18 سنة ضمن الفوج الثاني لثكنة اكادير، رتبته عريف التحق بالميدان بالضبط شهر دجنبر 1975، أي قبل المسيرة الخضراء بشهر. يتألف هذا الفوج من 6000 مقاتل يترأسهم الكولونيل بن كيران، كانت وجهتم منطقة واد الواعر الواقعة ما بين طرفاية وطانطان، وهناك تلقوا تداريب على الرمي بالسلاح الثقيل. وكان الهدف من هذه العملية هو تمشيط منطقة المسيد التي كانت تتمركز بها قوات البوليساريو.
قبل معركة امغالة الأولى التي ستعرف تفوقا للجيش المغربي على عناصر البوليساريو والقوات الجزائرية ستخوض هذه القوات معركة خاطفة عرفت »بواد كسات» وتعد أول اشتباك بين القوات المغربية وعناصر البوليساريو الذين تم إجلاؤهم خارج بوابة اجديرة التي تبعد بحوالي 40 كلمترا عن الزاك.
نفس هذه الفرقة بقيادة الكولونيل بن كيران ستتوجه لمنطقة السمارة بعد أن انتهى إلى علمها تمركز قوات جزائرية بمنطقة امغالة، وهي عبارة عن قرية صغيرة تبعد عن العيون بحوالي 200 كلمتر، حيث ستعطى الأوامر لوحدة المدفعية التي كانت تتكون من 5000 عنصر للتوجه لعين المكان،
حيث أسند أمر الهجوم لقائدين ميدانيين هما الكولونيل بن عثمان الذي وفد إليها من جهة الكلتة بينما شق الكولونيل بنكيران طريقه إليها من ناحية السمارة. وقد شن سلاح المدفعية هجومه على القوات الجزائرية التي كانت متمركزة هناك عبر إطلاق قاذفات من عيار 122 و 75 و 106، ملمتر ومكن هذا الهجوم من أسر 103 جزائريين مات منهم عنصر واحد، ودامت هذه المعركة 48 ساعة متواصلة، وقد غنمت الفرقة التي كان يشرف عليها بن كيران وبن عثمان 35 سيارة جيب والعديد من العتاد الحربي والدخيرة والمواد الغذائية.
ولم يفرج عن الأسرى الجزائريين إلا بعد وساطات متعددة من حسني مبارك الذي أوفده الرئيس المصري الراحل أنور السادات من أجل التوصل إلى حل سلمي بين المغرب والجزائر وأيضا للجهود التي بذلها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي كانت له كلمة مسموعة عند الحسن الثاني.
تكلفة تنقية جبـــــال وركزيز من مرتزقة البوليساريو
المعارك التي خاضتها القوات المسلحة الملكية لتنقية جبال الوركزيز من عناصر البوليساريو التي كانت مدعومة من طرف الجيش الجزائري، كانت مكلفة جدا بالنسبة للجيش المغربي. في هذه الشهادة التي يرويها مسؤول فصيلة عسكرية تم أسره خلال تلك المعارك جانب مما راج في حروب الصحراء والتي تصلح لإغناء خزانة استوديوهات هوليود لإنتاج أفلام حربية.
مسؤول هذه الفصيلة كان مدربا رياضيا للجنود بإحدى الثكنات العسكرية بالرباط، عمره حين المناداة عليه للمشاركة في حرب الصحراء 23 سنة، كان ضمن 6 آلاف عنصر من الجنود ممن وقع عليهم الاختيار لتنقية جبال وركزيز من عناصر البوليساريو التي كانت تتخذ منها قواعد خلفية لحصار مدينة الزاك.
كانت هده الفرقة التي تعرف بالراجمة تتألف من فرقتين واحدة للمشاة وفرقة للمدرعات. أكثر من 90 بالمائة من عناصرها لم يمر على التحاقهم بصفوف الجندية سوى 6 أشهر وكانوا حديثي العهد بحمل السلاح، كما كانوا ينعتون بـ « الباجدة ».
من أجل التهييء لهذه المعارك تم إخضاعهم لمناورات عسكرية بضواحي مدينة خريبكة مدة 20 يوما وبعدها توجهوا إلى إحدى الثكنات بالفقيه ابن صالح قبل أن يحلوا بالثكنة العسكرية ابن جرير، حيث استقبلهم الكومندار الزدكي الذي جمعهم في ساحة الثكنة وخطب فيهم قائلا «نحن سندخل في حرب مع مرتزقة البوليساريو، من له مشاكل فليطرحها الآن قبل التوجه للمعركة لنجد لها حلا».
كان الهدف من هذه الكلمات هو تقوية حماس هؤلاء الجنود، لكن بعد فترة سيطلب الكومندار الزدكي إعفاءه من هذه المهمة، وحل محله نقيب عسكري آخر يدعى إدريس قبل أن يسند أمر هذه الفرقة للكولونيل المحجوب الطبجي صاحب مؤلف « ضباط صاحب الجلالة » الذي التحق بهم نهاية دجنبر 1980.
قاد الطبجي هذه الفرقة مدة شهرين، وأخضع عناصرها للتدريب على الرمي بأسلحة الكلاشينكوف من عيار 14.5 و 23 ملمتر تحت إشراف ضباط وضباط صف.
خلال معسكرهم بطانطان كانت معيشة هؤلاء الجنود جد متواضعة، أجرة هؤلاء الجنود لم تكن تتجاوز 250 درهماً في الشهر.
كانت المهمة التي كلفت بها هذه الفرقة هي رفع الحصار الذي ضربته عناصر البوليساريو على مدينة الزاك والذي دام زهاء 3 أشهر، وكان تسليح عناصر البوليساريو تسليحا جيدا مدججين بأسلحة متطورة دهشت عناصر هذه الفرقة حينما ووجهوا بها.
ومن أجل تقريب الصورة حول نوعية التسليح الذي كانت تتوفر عليه ميليشيات البوليساريو أوضح مخاطبنا أنها طبق الأصل للأسلحة التي كان يتوفر عليها ثوار ليبيا حين انقضاضهم على قوات القدافي. راجمات صورايخ ورشاشات متطورة وصواريخ مضادة للطائرات من صنع روسي وبتقنية سورية وخبراء عسكريين من كوبا والجزائر.
بعد انقضاء فترة التداريب الخاطفة بمدنية طانطان نهاية فبراير 1980 تم إخبارهم أن الوجهة ستكون هي مدينة اسا عن طريق كلميم عبر سيارات روندروفر وناقلات العتاد والشاحنات، وانقسموا إلى دفعتين كل واحدة تتألف من 3 آلاف جندي، تضم هذه الفرقة وحدات الاتصالات والمدرعات والمدفعية والمشاة وفرق نزع الألغام.
انطلقت هذه الوحدات في الصباح الباكر، حيث وصلوا في مساء نفس اليوم وأقاموا معسكرهم بجانب وادٍ بمدينة أسا. وفي ليلتهم الأولى توجه البعض منهم إلى سوق محلي، حيث اشتروا ماعزا ذبحوه وكان عشاء لهم، أمضوا ليلة مريحة وبدون مشاكل، كما قضوا بهذا المعسكر أسبوعا بكامله بدون أن تكون أي مناوشات مع الطرف الثاني الذي كان معسكرا بجبال الوركزيز التي كانت تبعد عنهم بعشرات الكيلومترات.
استعان القائد الميداني في هذه المعركة المحجوب الطوبجي بمرشدين من قبائل البيهات والركيبات من أجل معرفة الطرق، وكان الطبجي دائما في طليعة هذه الفرقة يسوق سيارته «روندروفر»، جميع عناصره تذكر خصاله وشجاعته وبطولته في هذه المعركة.
تم وضع هذه القوات في حالة استنفار واستعداد الدائم لشن هجوم على قوات العدو.
ليلة الهجــــــــــــوم
ليلة ما قبل الهجوم على جبال وركزيز كانت استثنائية، قام الكولونيل الطبجي القائد الميداني عن هذه الفرقة الوطنية باستدعاء جميع الضباط وضابط الصف ومسؤولي الفصائل العسكرية، وجمعهم داخل خيمته، وبدون إطالة في الكلام قال لهم « غدا مع 4 صباحا الجميع يكون راكب »، خرج الجميع متوجهين نحو مجموعاتهم وتم إخطارهم بأن يكونوا على استعداد وأن يكونوا داخل ناقلاتهم على الساعة الرابعة إلا ربع.
تكلف النقيب إدريس بمراقبة عملية إركاب الجنود، ودامت هذه العملية مدة ساعة من الزمن، ومع بزوغ الشمس صبيحة يوم فاتح مارس 1980 توزع الجنود على مجموعات صغيرة كل مجموعة تتكون من 53 شخصا على رأسهم منسق، وبعد 3 ساعات من السير وصلوا إلى مدينة الزاك، وبعد أن ساروا حوالي 10 كلمترات من السير في شكل قوافل فوجئوا بإطلاق نار كثيف من جميع الجهات. لتعم حالة من الاضطراب داخل هذه الفرقة بحكم أن عناصرها للأول مرة يجدون أنفسهم وجها لوجه مع إطلاق النار وقاذفات لم يروها خلال فترات تدريبهم ومناوراتهم العسكرية.
الطبجي في هذه اللحظات سيعطي أوامره من أجل العمل على تفادي تلك الهجمات، وطلب منهم ان يتقيدو بما تعلموه خلال فترة التدريبات العسكرية بان يحتمى كل جندي بأي حاجز حجري من أجل اتقاء طلقات البوليساريو. وتم منع الجنود من الرد على الطلقات النارية إلى حين صدور الأوامر بذلك.
مكثوا على هذه الحالة مدة 3 ساعات، قبل ان تصدر الأوامر مجددا من أجل التقدم نحو أقرب جبل يتحصن فيه مرتزقة البوليساريو.
وأمام كثافة القصف اضطر عناصر هذه الفرقة إلى التوزع على مجموعات حتى لا تكون هدفا مباشرا لقصف العدو. من حسن حظ المجموعة التي كان محدثنا مكلفا بها أنه لم يصب أي عنصر منها بأذى خلال المواجهة الأولى.
وأعطيت الأوامر لفرقة المدرعات بصد الهجوم الأول والرد على طلقات البوليساريو، في حين كان الكولونيل الطبجي يتكلف برص الصفوف وتفقد أحوال فرقته، وفي مساء نفس اليوم ستتمكن الفرقة من بلوغ احد جبال وركزيز. وكان عليهم أن يقطعوا مسافة تمتد إلى أكثر من 100 كلمتر كلها مفاجآت وكمائن مختلفة أقامها العدو. ومن أجل تفادي انفجارات الألغام، كان عليهم أن يسيروا خلف الشاحنات العسكرية الأمريكية الصنع، بحكم قدرتها على تحمل تلك الانفجارات. وكان يتعين عليهم تعقب نفس مسار عجلاتها، وأي انزياح عنها ولو بسنتيمترات كان يكلف صاحبها غاليا.
استطاعوا في الأخير أن يحددوا مصدر إطلاق النار. ورغم ذلك كان على هذه الوحدة العسكرية أن تقضي الليلة بكاملها متيقظة ومنتبهة، ولم يسمح لأحد بإطلاق أية قذيفة، يحكي محدثنا « واحد العسكري زغبو الله وقام بالرد على إحدى الطلقات النارية فقامت قوات البوليساريو بالرد وحولوا ليلنا إلى نهار وصارت السماء حمراء من كثرة القذائف التي تم إطلاقها، ولا نبالغ إذا قلنا إن مجموع ما تم إطلاقه من قنابل وقذائف خلال تلك الليلة تجاوز 100 ألف قذيفة ».
رغم ذلك حافظ الجنود على أماكنهم وبقوا صامدين ينتظرون الأوامر من أجل التقدم، حيث كان التنسيق يجري بين الطبجي وبين القيادة العسكرية عبر جهاز الراديو. في صباح اليوم الموالي 2 مارس 1980، أي يوم قبل الاحتفال بعيد العرش في تلك السنة الذي خلده الحسن الثاني بمدينة الداخلة، سيحدث أمر لم يكن في الحسبان، فوسيلة الاتصال الوحيدة التي كانوا يتواصلون بها مع القيادة ستصاب بالعطل بعدما نفدت بطاريتها ولم تكن لديهم بطاريات بديلة
و كان هذا الحادث فأل شؤم عليهم في هذا اليوم، لكن ومن حسن حظهم أن أحد مسؤولي أحد الفصائل وجدت لديه بطاريات استطاع عبرها أن يربط الاتصال بالطوبجي الذي أمرهم بالتوجه نحو جبل يسمى بجبل « النكب » يطل على الزاك، وهو جبل عالٍ جدا كان الرهان عليه قويا من أجل حسم هذه المعركة.
تحركوا في مجموعة تضم 150 مقاتلا على متن سيارات روندروفر الخاصة بالسير في المسالك الوعرة. وقبل المسير قدم الطوبجي ورأسه عاريا وقدم لهم بعض التوجيهات الخاصة بهذه العملية حتى تتم على أحسن وجه. تكلف سلاح الجو بمطاردة مصدر النيران التي كانت تطلقها البوليساريو، في حين تكلف جهاز المدرعات لعناصر هذه الوحدة بتبادل إطلاق النار مع بعض المجموعات الأخرى وظلوا على هذه الحال يوما بكامله .
أخبار سقوط القتلى في هذه المعركة وعدم حل مشكل الاتصالات ستساهم في تعقيد أمور مهمة هذه الفرقة، حيث لم يكن العديد منهم يعلمون طبيعة المسالك، مما سهل مأمورية مقاتلي البوليساريو، الذين يخبرون الأرض جيدا، ورغم هذه الصعوبات والمشاكل التقنية والفنية ستدفع الحماسة بهم إلى التقدم لفرض السيطرة على الأماكن الإستراتيجية.
في يوم 5 مارس 1980 بينما كان محدثنا رفقة 33 عنصرا ممن بقوا على قيد الحياة ذلك اليوم عازمين على الالتحاق بباقي رفاقهم لمعرفة ما يحدث، وبينما أرادوا التقدم نحو أحد الجبال التي كانت محمية إلى حد ما سيفاجؤون بإطلاق نار كثيف من عدة جهات أرادوا الرد عليها والدفاع عن أنفسهم، لكن حدث ما لم يكونوا يتوقعونه، الذخيرة التي كانوا يحملونها نفدت بالكامل. مقاتلو البوليساريو الذين كانوا يتبادلون معهم إطلاق النار فطنوا إليهم وتمت محاصرتهم من كل الجوانب من طرف 40 مقاتلا من الجبهة.
وكانت نتيجة هذا الموقف أن استشهد منهم 3 عناصر نتيجة إقدام أحدهم على إطلاق ما تبقى لديه من ذخيرة في حين تم أسر الباقي، وكان من ضمنهم محدثنا الذي أصيب بكدمات وجروح مختلفة.
بشكل سريع تم تكبيلهم والجري بهم خلف الجبال التي كانوا يحتمون بها وتم إركابهم في سيارات « تيوطا » الليبية .. وتوجهوا بهم مسرعين نحو قادتهم الذين كان من ضمنهم عبد العزيز المراكشي وابراهيم غالي وزير الدفاع في تلك الفترة، وهناك أخضعوا للتحقيق الأولي قبل أن يتم اقتيادهم إلى عناصر المخابرات العسكرية الجزائرية التي كانت تشرف على كل كبيرة وصغيرة في هذه العملية.
مملكتنا.م.ش.س/الأيام 24