خلص المشاركون في المؤتمر الدولي حول “الجهوية ورهانات الديمقراطية المحلية بالمغرب”، الذي نظمه مؤخّرا منبر الحرية بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل بمراكش، إلى أن مبدأ التفريع واللامركزية الذي تبنته التجارب الجهوية الإنسانية يمكن أن يحل مشكلة تدبير الاختلاف بمختلف مستوياته كما أبرزوا أن الجهوية بمختلف تطبيقاتها يجب أن تهدف إلى ضمان الحريات الفردية المشجعة على الازدهار والتماسك الاجتماعي.
في سياق استعراض التجربة المتناقضة لنموذج الجهوية الفرنسية، أكد الفيلسوف الاقتصادي، جيرار برامولي، على ضرورة الاستفادة من أخطاء النموذج الجهوي الفرنسي حيث اعتبر أن التقطيع الجهوي يجب أن يستجيب للتطلّعات العامة لا أن ينحصر في بعده الاقتصادي والجبائي فحسب.
تبعا لذلك يقول برامولي، إن التقطيع الجهوي الراهن بفرنسا تلزمه إعادة النظر عبر استحضار نموذج الحقبة الملكية التي تجاهلها صناع القرار في فرنسا. وأضاف أن مبدأ اللامركزية قد يعيد للجهات الفعالية المفقودة التي كانت تتمتع بها في الماضي وهو ما يجب أن ينتبه له صناع القرار في المغرب لأن “الوقوف على تناقضات النموذج الفرنسي قد يساهم في تفادي تكرار أخطائه بحكم تأثر نموذج التقطيع الترابي المغربي بالتجربة الفرنسية”.
حول نفس الموضوع، تحدّث الباحث الألماني أندرياس كالينا مبيّنا أن النموذج الفدرالي الألماني يقوّي التماسك الاجتماعي والسياسي في زمن العولمة والتحديات المجتمعية. لكنه أضاف أنه من الضروري تطوير هذا الإطار من أجل دعم الشرعية وعملية الدمقرطة.
وحول إيجابيات النموذج قال كالينا إنه بالنظر إلى بنيته الثلاثية يستطيع النظام الفدرالي أن يردم الهوة بين صناع القرار والمواطنين كما يمكن في المستويات الدنيا من توفير فضاءات التأسيس لأدوات إضافية لممارسة الديمقراطية. كما اعتبر النظام الفدرالي بنية مناسبة للتعاطي مع التنوع الاجتماعي والسوسيواقتصادي والإثني والديني في بلد متفاوت الانتماءات. وللاختيار الفدرالي أهمية بالغة للدولة ذاتها حيث يمكنها من الاستقرار والاستمرارية.
من جهته توقف الباحث بيير بيسار، مدير مركز الأبحاث الاقتصادية بسويسرا عند التجربة السويسرية، فرغم صغر البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه الثمانية ملايين نسمة فإن عدد المحافظات يصل إلى 26 فدرالية و2300 بلدية، يشكل مبدأ التكافؤ بين المكونات على مستوى القرار مبدأ أساسيا في التجربة السويسرية وهو ما يمثل مصدرا للفعالية والسلوك الاقتصادي المعقلن والتجديد في السياسات. كما يشكل أيضا رافعة الحريات الفردية المشجعة للازدهار أوالتناسق الاجتماعي.
وفي سياق متصل أبرز عبدالواحد العمراني، الأستاذ الباحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس أهمية التضامن الترابي بين الجهات في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وفي محاولة لربط السياسات العمومية الترابية بمبادئ النجاعة والمسؤولية توقف عثمان كاير، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني، عند ضرورة مقاربة السياسات الترابية على ضوء ثلاثة مرتكزات أساسية:
– المسؤولية في تدبير السياسات العمومية المحلية،
– آليات المساءلة والمراقبة،
– فرص وإمكانيات تحقيق النجاعة المطلوبة بترابط وتلازم مع السياسات العمومية الوطنية.
وفي السياق ذاته دعا عبدالكريم بوخنوش، أستاذ القانون الإداري بمراكش، إلى ضرورة تقـويـة ركائـز عـدم التركيز الإداري على مستـوى الجهـة والـذي سيسمح بإعطاء هـذه الأخيـرة وسائل العمل الضـروري مـن خـلال إقـامـة شبكة من المصالح غير الممركزة تكون مخاطبا فعليا لممثلي الجهة بما سيساهم في تقوية وتسريع القرار على مستوى الجهــــة.