رحلة القنب الهندي “النبتة الأثيمة” من المنع نحو التقنين في المغرب

الجمعة 2 فبراير 2024 - 22:20

لعقود مضت كانت زراعتها ممنوعة، واليوم تقف شامخة أمام أعين السلطات وبمباركة منها.. القنب الهندي النبتة الأثيمة نالت شرعيتها، وصارت تزرع وتحصد نهارا جهارا دون خوف أو احتجاب.

تجربة في مهدها تبذل الجهود لإنجاحها، والأعين تترصد حصيلتها.. هي رحلة القنب الهندي من المنع نحو التقنين.

اليوم أنتجت الأراضي في ثلاثة أقاليم أول محصول شرعي للقنب الهندي. وقد واكبت هسبريس العملية منذ زراعة أولى بذرة قانونية على أراض مغربية في ماي الماضي، مشكلة محطة تاريخية طالما انتظرها كثيرون.

أولى بذرة قانونية

في ماي الماضي انتقلنا إلى تاونات وواكبنا عملية وضع البذور الأولى. هناك التقينا فلاحين اختاروا زراعة القنب الهندي القانونية، وفروا أراضيهم لها، ومنهم من يزرعها للمرة الأولى، منهم الفلاح محمد الحريفش، ابن المنطقة الذي وفر أرضه التي ورثها عن أمه وأجداده للانخراط في مشروع القنب. قال في لقائه مع هسبريس: “في الأول كانت الأرض موجهة لزراعة الفول والعدس والحمص، لكن هذه الزراعة لم تعد سهلة لأن اليد العاملة التي تحصد وتجني لم تبق، والشباب لم يتأقلموا مع هذه الزراعة، وحينما جاء مشروع تقنين هذه العشبة إلى المنطقة استبشرنا خيرا وفكرنا في الانخراط في هذه العملية”.

وتابع قائلا: “هذه هي النبتة الوحيدة التي تتأٌقلم بشكل جيد مع المنطقة بحكم تضاريسها، وبالتالي حينما سمع الفلاح بالتقنين تقبل ذلك بفرحة كبيرة لأنه يمكن أن يعود عليه بدخل سنوي يساعد به أسرته”.

بدأت العملية منذ المصادقة على القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي ومراسيمه التطبيقية. قاعدة قانونية تسطر عمل الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي أحدثت خصيصا للسهر على العملية، وبدأت العمل رفقة السلطات المعنية بالمشروع. وتمنح الوكالة تراخيص لممارسة تسعة أنشطة، أولها مرتبط بالفلاح، وهي الإنتاج والزراعة حصريا في ثلاثة أقاليم، هي شفشاون وتاونات والحسيمة .

وقال الحريفش: “حينما سمعنا بالتقنين بحثنا عن التعاونيات التي لها هذه الرخصة، فقبل مسؤولوها انخراطنا ومنحونا بطائقنا، وقالوا لنا إنهم سيقومون بجلب الشتائل التي سنقوم بزرعها، ومساعدتنا بالأسمدة الكيماوية التي تحتاجها هذه النبتة”، مؤكدا أن “أي شيء يحتاجه الفلاح لهذه الزراعة تتكلف التعاونية بتوفيره من خلال الشركة التي ستقوم بالتجميع”.

وأضاف “أما من حيث الإنتاج فليست لدينا فكرة مسبقة عن الموضوع لأن الشركة هي التي ستتولى الأمر، أما نحن فنقوم بعملية حرث وزرع النبتة وإعدادها، وهناك تقني يتتبع معنا هذا الأمر حتى تصل النبتة إلى مرحلة النضج المطلوب”.

تعاونيات تسهل المهام

يشترط القانون ضرورة انخراط الفلاحين في تعاونيات تؤطرهم، تسهل العمل وتعطيه مشروعيته القانونية. وقد التقت هسبريس عبد الله بوشكارة، نائب رئيس “تعاونية الصفوان لإنتاج القنب الهندي بإقليم تاونات”، وهي واحدة من التعاونيات الأولى التي تم تأسيسها لهذا الغرض. وفي هذا الإطار قال بوشكارة: “نحن مقبلون على المشروع بكل حزم، لدينا عدد إجمالي يضم 43 فلاحا، وسنحاول أن نغطي مساحة أرضية تصل إلى 19 هكتارا”، مؤكدا أن التعاونية كلها طموح لهذا المشروع.

وأوضح بوشكارة أن لكل فلاح مساحة من الأرض معدة خصيصا للقنب الهندي القانوني، مشيرا إلى أن كل مساحة يشتغل فيها عدد من العمال الموسميين من أجل إنجاح هذا المشروع.

وأبرز أن “المنطقة كانت محتاجة لتقنين القنب الهندي أو تقنين “الكيف”، وهي خطوة مرغوبة ومحبوبة من طرف الساكنة ككل، نتوسم فيها كل الخير من أجل الاطمئنان على مدخول هؤلاء الفلاحين”.

استيراد البذور وإنتاج الشتائل

قبل عملية الزرع لا بد من المرور بمحطة أساسية، هي استيراد البذور وإنتاج الشتائل، وهي ثاني الأنشطة التي يؤطرها القانون، وتمنح الوكالة ترخيصا خاصا بها. محطة تتطلب استيفاء عدد من الشروط الأساسية، ويتدخل فيها بشكل رئيسي المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.

التقت هسبريس عزيز بنسجاي، رئيس قسم مراقبة البذور والشتائل بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، فأوضح أن المكتب يتكلف “بمراقبة بذور وشتائل القنب الهندي كباقي الأنواع النباتية الزراعية الأخرى”.

وقال بنسجاي: “بالنسبة للراغبين بالاستثمار في هذا النوع من الزراعة لا بد من اتباع مسطرة مهمة تبدأ بتقديم طلب استيراد بذور القنب الهندي لدى المصالح المختصة لـ”أونسا”، التي تقوم بدراسة ملفاتهم قبل منحهم رخصة الاستيراد”.

وأبرز أن الحصول على هذه الرخصة يتطلب توفر مجموعة من الشروط، أولها “أن يتوفر المعني بالأمر على رخصة مزاولة نشاط استيراد القنب الهندي مسلمة له من طرف الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، ومرفقة بقائمة الفلاحين الذين سيستغلون هذه البذور، والذين بدورهم يجب أن يكونوا مرخصا لهم من طرف الوكالة المذكورة، وأن يكونوا منضوين تحت لواء تنظيم جمعوي يكون حتى هو مرخصا له من طرف الوكالة”.

ومن بين الشروط أيضا ضرورة التوفر على شهادة صحية نباتية مسلمة من المصالح المختصة للبلد المصدر، تثبت أن البذور المستوردة خالية من جميع الآفات.

كما أشار بنسجاي إلى ضرورة توفر المعني بالأمر على ترخيص لاستيراد وتسويق بذور القنب الهندي مسلمة من “أونسا”، وأن تكون البذور موضوع الاستيراد “معتمدة من طرف المصالح المختصة للبلد المصدر وتظهر الكمية المرغوب استيرادها”، منبها إلى أن “الأصناف موضوع الطلب يجب أن تكون مسجلة في السجل الرسمي الوطني للبذور والشتائل بالمغرب، وهي الشروط التي تتم طبقا للقوانين التقنية والصحية المعمول بها في المغرب”.

الاستثمار في القنب الهندي

استثمار مهم جذب مهتمين كثرا، وتتكلف الشركات بتحويل القنب الهندي ونقله وتسويقه وتصديره واستيراد منتجاته. وفي هذا الإطار التقت هسبريس عبد الرزاق منيوي، المسؤول بالشركة المغربية للقنب الهندي (صوماكان)، الذي قال: “لدينا عمليتان أساسيتان: الأولى هي التجميع الفلاحي. فنحن كمجمع فلاحي انطلقنا هذه السنة بـ250 فلاحا منضويا تحت لواء 13 تعاونية. هؤلاء لديهم 150 هكتارا هي التي انطلقنا بها هذه السنة”، مؤكدا أن رؤيتهم تروم رفع عدد التعاونيات إلى حوالي 40 تعاونية في السنة المقبلة.

العملية الثانية، وفق منيوي، تتعلق بتثمين وتحويل القنب الهندي. وأضاف قائلا: “هي زراعة مقننة 100 بالمائة، والفرق بينها وبين الزراعات التي كانت سابقا هو أن القانون 13.21 نظمها، وحدد قيمة THC التي يجب أن تحتوي عليها حسب الصناعة الموجهة إليها”، مشيرا إلى أن الشركة التي هي جزء منها ستتوجه نحو صناعة المواد الأولية المستخدمة في التجميل، والتي يجب أن تكون قيمة THC بها أقل من 1 بالمائة.

انخرط فلاحو تاونات، كتامة وشفشاون في عملية كانت في السابق تدر عليهم دريهمات قليلة، واليوم يتوقعون منها أرباحا كبيرة كي يخرجوا من فقرهم الذي اشتهروا به طيلة أعوام، فالنبتة كانت تدر ذهبا، لكن ليس عليهم، بل على بارونات المخدرات الذين استغلوا هذه الأراضي عقودا طويلة.

وفي هذا الصدد قال الحريفش: “سنقوم بجني هذه النبتة خضراء، وبالتالي سيكون لها وزن، فمثلا هكتار الأرض الذي كان يعطي في وقت سابق 9 قنطارات من القمح نبيعه بثمن لا يزيد عن 3000 درهم، اليوم يمكن أن نغرس في الهكتار 6600 شتلة تنتج 5 أطنان من القنب الهندي، سنبيعها بـ75 درهما للكيلوغرام حسب الاتفاق القائم معنا”.

مرت أشهر وحصد الفلاحون أراضيهم، واليوم محصول القنب الهندي جاهز، وقد تم تجميعه ونقله وتجفيفه وفق المساطر القانونية التي تراقبها السلطات المعنية.

واكبت هسبريس العملية بإقليم تاونات حيث التقينا فؤاد الشرعي، رئيس تعاونية “لاسيدان لإنتاج القنب الهندي المقنن”، الذي أكد نجاح هذه العملية، قائلا إن “الحصاد مر على أتم وجه. كانت هناك مجهودات جبارة، ووجدنا آذانا صاغية وترحيبا وتعاملا حسنا ومواكبة”. ولفت إلى وجود أرباح ملموسة، قائلا: “رغم أن هناك مصاريف ومجهودات يقوم بها الفلاح، لكن هذه المصاريف ربحية، فإذا كان الإنتاج في المستوى المطلوب سيكون هامش الربح واضحا”.

مسار التقنين

التقنين وإن بدا في بدايته، إلا أن مساره طويل جدا، حيث انطلق النقاش حوله عام 2007، ومنذ ذلك الوقت مرت جلسات طويلة لمناقشة المشروع في البرلمان قبل المصادقة عليه وتنزيله في شكله الحالي.

وفي هذا الإطار أوضح شكيب الخياري، منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، أنه “منذ سنة 2007 إلى سنة 2021 كان هناك نقاش ساهمت فيه فعاليات سياسية وجمعوية، وقد كانت انطلاقته بمبادرة جمعوية استجابت لها الدولة في مختلف المراحل”.

وأضاف الخياري “في سنة 2010 قامت الدولة بتجارب للزراعة لأغراض صناعية، تحت إشراف الدرك الملكي والمعهد الوطني للبحث الزراعي”، مؤكدا أن “إحداث الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ما هو إلا تتويج لهذا المسار”.

كل الأعين اليوم متجهة صوب النتيجة النهائية والآفاق الممكنة للاستثمار، وسط تأكيدات بأن السوق ستكون واعدة، سواء وطنيا أو دوليا.

وقال المنيوي: “سنستخرج عددا من المواد الأولية المرتبطة بالتجميل، التي ستكون خلال العامين المقبلين موجهة 100 بالمائة إلى السوق الدولية”.

وأكد أن المغرب من الدول السابقة في المجال، وأن “هناك أسواقا لهذا المنتوج وآفاقا له”. قبل أن يتابع قائلا: “هي نبتة معجزة تضم مواد عديدة وليس فقط المادة المسؤولة عن التخدير، بل 230 مادة فعالة صالحة للإنسان، مما يعني آفاقا كبيرة”.

آمال واسعة تعقد على نجاح التجربة في عامها الأول لينطلق مسار طالما نادت به فعاليات عديدة، وانتظره مواطنون لا تنتج أراضيهم إلا نبتة كانت أثيمة طيلة عقود.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 5 يونيو 2025 - 10:59

جمعيات بيئية تشيد بالتنفيس على النظام الإيكولوجي بتعليق شعيرة النحر

الجمعة 28 فبراير 2025 - 12:09

حملة طبية متعددة التخصصات لفائدة نزلاء السجن المحلي بقلعة السراغنة

الإثنين 23 ديسمبر 2024 - 19:55

الاقتصاد الدائري .. المغاربة يدعمون مكافحة النفايات البلاستيكية (استطلاع للرأي)

الأحد 10 نوفمبر 2024 - 17:35

السيد الكثيري .. ملحمة المسيرة الخضراء حدث نوعي بصم تاريخ المغرب الحديث بروح السلم والسلام