الجزائر ــ دون أدنى سبب مقنع، ودون تبرير، قرر عبد المجيد تبون، الرئيس الجزائري، تسبيق موعد الانتخابات الرئاسية إلى السابع من شتنبر المقبل.
واعتبر محللون أن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية دون أدنى تبرير منطقي هو “لعبة يراد بها شغل الرأي العام”، مؤكدين أن “القرار فيه كثير من التسرع، ما يشي بوجود مسعى إلى استعجال انتقال سياسي سريع”.
وفي هذا الإطار قال أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية، إن “تقديم موعد الانتخابات في حد ذاته لعبة يراد بها شغل الرأي العام المحلي عن مناقشة جوهر الأزمة العميقة والمركبة في الجزائر، وشغل الرأي العام الدولي بمناقشة أسباب الخطوة عن مناقشة زيف الانتخابات أصلا”.
وأضاف نور الدين ضمن تصريح لهسبريس أنه “في ظل دكتاتورية عسكرية تتخذ من الانتخابات مجرد قناع للتمويه تبقى قضية تقديم موعد انتخاب الرئيس أو تأخيره مجرد لعبة لشغل الرأي العام وتضليله”.
وتابع المتحدث ذاته: “لا يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية جزائرية بالمفهوم المتعارف عليه في العالم الحر والديمقراطي، فالانتخابات في هذا البلد مثل غيره من الأنظمة التوتاليتارية تتخذ شكل مسرحية لتبييض وجه النظام أمام الرأي العام الدولي”.
وفي هذا الصدد تحدث الباحث نفسه عما أسماه “احتقار الجنرالات الجزائريين للدستور الذي كتبوه بأيديهم”، مؤكدا أنه “تم التلاعب به عدة مرات، منها سنة 2008 بتغييره على المقاس لإزالة البند الدستوري الذي كان يحدد ويحصر الفترة الرئاسية في عهدتين، إذ فتح المجال لبوتفليقة لعهدة ثالثة ورابعة رغم إصابته بجلطة دماغية جعلته حبيس كرسي متحرك ولا يقوى على الحركة ولا حتى على الكلام”، وزاد: “ربما يتذكر المتابعون كيف قام وزيره الأول عبد المالك سلال بحملة انتخابية نيابة عنه. وقد كان الجنرالات يعدون العدة لعهدة خامسة لولا الحراك الشعبي الذي أجهض المشروع”.
كما أشار نور الدين إلى أن “التلاعب بالدستور هو لعبة الجنرالات”، مذكرا بأنها “تكررت أيضا سنة 2018 للعودة إلى تحديد عهدتين، ليتم بعد ذلك خرق الدستور لإقالة الرئيس بوتفليقة سنة 2019، ولو أنه اتخذ شكل استقالة لا أحد صدقها، مع خرقه في تمديد المدة القانونية الفاصلة بين شغور منصب الرئيس بوتفليقة وبين إجراء الانتخابات، وخرقه عند إقالة رئيس البرلمان الجزائري السعيد بوحجة سنة 2018، ثم تناسلت بعد ذلك عدة انتهاكات له”.
ورجع الخبير ذاته بالذاكرة بخصوص ما أسماها “لعبة الانتهاكات الدستورية في الجزائر” إلى فترات سابقة، “وخاصة عند إلغاء الجيش الجزائري الانتخابات البرلمانية سنة 1991، وبعدها عند إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1992، وعند تنصيب مجلس عسكري يحكم البلاد خارج الدستور في السنة نفسها”، مردفا بأن هناك تلاعبات أخرى لا يتسع المجال لاستعراضها.
واعتبر المتحدث أن “هذه التلاعبات المتكررة بالدستور الجزائري تؤكد أن تقديم موعد الانتخابات لا قيمة له في نظام عسكري ضبابي لا يعرف أحد أين هو مركز القيادة ولا مركز القرار الحقيقي فيه”، مضيفا: “لأنه حتى داخل المؤسسة العسكرية هناك تيارات متناحرة، بدليل وجود 31 جنرالا جزائريا خلف القضبان، وبدليل سجن رئيسي المخابرات العسكرية الجنرال توفيق والجنرال طرطاق في عهد قائد الجيش السابق قايد صالح، ليتم إطلاق سراحهما في عهد قائد الجيش الحالي الجنرال شنقريحة، ما يؤكد غياب أبجديات النظام القضائي، فبالأحرى استقلالية القضاء الذي يعتبر ركنا من أركان الديمقراطية”.
وتابع نور الدين: “لا يجب أن ننسى كيف جاء الجيش بالرئيس تبون إلى الحكم، وما صاحب ذلك من خروقات لعدة مواد دستورية تحدثنا عنها في حينها. ولا يجب أن ننسى أن الرئيس تبون فاقد للشرعية، فرغم كل التزوير لم يحصل على أكثر من 27% من الأصوات، من ضمنها أصوات الجيش الذي ينتخب داخل أسوار الثكنات وليس في مكاتب التصويت مع المدنيين. ولا يجب أن ننسى أن منطقة القبائل قاطعت الانتخابات كليا ولم تشارك فيها، وكذلك كل أحزاب المعارضة”.
من جانبه قال عبد الفتاح الفاتيحي، الباحث المتخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي: “طالما لا توجد دواع موضوعية لتقديم موعد الانتخابات الجزائرية فبالضرورة هناك مخاض سياسي صعب حول مستقبل الرئاسة الجزائرية لما بعد العهدة الأولى لعبد المجيد تبون”.
وتابع الفاتيحي ضمن تصريح لهسبريس: “لا يخفي قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية الكثير من الانفعالية، لانعدام روح الواقعية السياسية في ضمان كفاية الوقت لتدبير محطة حاسمة وعلى قدر كبير من الأهمية بالنسبة للدولة؛ أولا لكونها لا تضمن حقوقا سياسية للتنافس الانتخابي الشفاف بالنسبة لباقي المترشحين للرئاسة، ولو في شقها الشكلي، وثانيا لأن تضييق فترة الإعداد لهذه المحطة السياسية وما تحتاجه من تدبير تنظيم وتقني ولوجستي يعد مغامرة”.
واعتبر الفاتيحي أن “القرار فيه كثير من التسرع، ما يشي بوجود مسعى إلى استعجال انتقال سياسي سريع يمكن تبون من ولاية ثانية قبل أن يتقوى الجناح العسكري الرافض لاستمرار سياسته في تدبير المفاوضات مع فرنسا خلال زيارة مرتقبة لتبون إلى باريس”.
من جهة ثانية اعتبر الباحث الأمر “محاولة لركوب الصعب بالنسبة لخصوم تبون السياسيين عن طريق مفاجأتهم بضيق التحضير للانتخابات”، قائلا إن “تبون إذا ما تأتى له توافق مع الجهة النافذة للعسكر الجزائري الذي لا يتوفر على بديل معلن له فإنه يستهدف تقوية مقدرته السياسية لقيادة مفاوضات مع باريس من منطق قوة، وهو افتراض راجح لأنه متاح بيسر للتستر على خيبات العسكر الجزائري خلال تبذير العديد من محطات السياسية الدولية”.
كما أشار الفاتيحي إلى أن “زيارة تبون إلى باريس محدد رئيسي لقرار تقديم موعد الانتخابات”، وزاد شارحا: “أي إن هناك مسعى للعسكر الجزائري إلى استعجال الأمر لتقدير سياسي مرتبط بإعادة الثقة في تماسك الطغمة العسكرية الحاكمة، ومن جهة ثانية لمزيد من تحجيم المعارضة، ومن جهة أخرى لترتيب مستقبل الرئاسة بتوافق مع باريس”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات