تصدت الدول الكبرى في منظمة “بريكس” لمحاولة بريتوريا إدراج قضية الصحراء المغربية ضمن جدول أعمال اجتماع نواب وزراء خارجية دول هذا التكتل والمبعوثين الخاصين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي احتضنته العاصمة الروسية موسكو أواخر شهر أبريل المنصرم، وتناول مجموعة من الملفات، على غرار الملف الفلسطيني والسوداني، حسب ما أفاد به وسائل إعلام مصرية وأكدته مصادر جيدة الاطلاع.
المصادر ذاتها أوضحت أن مجموعة من الدول المكونة لهذا التجمع الاقتصادي، على رأسهم روسيا، رفضت مقترحا تقدم به نائب وزير الخارجية الجنوب إفريقي في هذا الصدد، في محاولة لتوريط “بريكس” في النزاع المفتعل حول الصحراء، في إطار استمرار التحرشات الدبلوماسية لهذا البلد وغيره من الدول الحاضنة للمشروع الانفصالي بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، وهو ما يترجم الوعي المتقدم للدول الأعضاء بطبيعة هذه المحاولات التي تحيد بالتحالف عن الأهداف التي أسس من أجلها.
واقعية ومصالح
في هذا الإطار قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، إن “موقف الدول الكبرى للبريكس يترجم واقعية التوازنات الدولية وبراغماتية العلاقات الدولية، ويحافظ على مصداقية الخط السياسي للتجمع بعيدًا عن السياسوية أو استغلال الملفات من أجل تصفية حسابات إستراتيجية”، مضيفا أن “هذا التوجه أبان عن وعي الدول الساهرة على تنفيذ توجهات البريكس ورغبتها في الحفاظ على ديناميكية المجموعة وعلاقاتها الإقليمية لتطوير وزنها الاستثماري وقوتها الاقتصادية، بعيدا عن ملفات النزاعات التي تدخل في إطار تخصصات الأمم المتحدة، ولدى المنتظم الدولي توجه خاص به”.
وأوضح معتضد ضمن حديث مع هسبريس أن “جنوب إفريقيا لا تحاول فقط تحويل البريكس إلى فضاء لدعم الأطروحة الانفصالية، ولكن بتصرفاتها هذه فهي تهدد مصداقية المجموعة وتريد إقحام الدول الكبرى في مواجهة مباشرة مع الرباط والمنتظم الدولي”، لافتا إلى أن “القادة الكبار للبريكس واعون تماما بالآثار السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لهذا النوع من المقترحات غير الجادة والخارجة عن منطق التاريخ والجغرافيا”.
وسجل الباحث ذاته أن “التحاق روسيا بالدول التي رفضت مقترح جنوب إفريقيا يعكس أولا مدى احترام موسكو علاقاتها الإستراتيجية مع الرباط، واقتناع قيادتها، بحيث لا يمكن للسلطات الروسية المجازفة بعلاقاتها السياسية والتجارية مع المغرب لكسب ود جنوب إفريقيا بدعمها مقترحها ولو من جانب الوِد الدبلوماسي، لأن وزن الرباط الإقليمي إستراتيجي ومهم لموسكو أكثر من أي محاباة دبلوماسية ظرفية”.
وخلص المتحدث إلى أن “تواجد كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة في التجمع يعد دعما سياسيا ومكسبا دبلوماسيا مهما بالنسبة للمغرب من أجل الدفاع عن مصالحه الحيوية، وتحييد كل توجه قد يمس بأمنه الإقليمي أو توازناته الجيوسياسية”، موردا أن “محور الرياض-أبو ظبي سيحاول من دون شك إبطال أي توجه من شأنه المساس بتحالفاته الإستراتيجية، خاصة مع المملكة”.
فشل وتوجه
من جهته قال جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية: “بعدما باءت جهود الجزائر بالفشل الذريع في الانضمام للبريكس، والخيبة الكبرى التي منيت بها، ها هي حليفتها جنوب إفريقيا تمنى بفشل جديد داخل هذا التجمع، عندما فشلت في إقحام النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية المغربية ضمن جدول الأعمال، كضربة أخرى لخصوم الوحدة الترابية للمملكة، الذين ما فتئوا يقحمون هذه القضية في كل اللقاءات والملتقيات دون جدوى، في محاولات يائسة للإبقاء على نوع من الزخم لهذا الملف، الذي لم يعد يجد مكانا له”.
وأضاف القسمي أن “موقف الدول الكبرى في البريكس، وعلى رأسها روسيا، الحليف التقليدي للجزائر، خير دليل على ذلك”، لافتا إلى أن “رفض المقترح الجنوب إفريقي يعد موقفا سليما يراعي حجم الملفات الأخرى المطروحة وراهنيتها، والمخاطر التي تتهدد الاقتصاد والأمن العالميين، خصوصا بمنطقة الشرق الأوسط والسودان، مقارنة بملف عمر طويلا والكل يعرف من يحرك خيوطه؛ وهو موقف يقطع الطريق في المستقبل على أي محاولة لجر المجموعة وجعلها فضاء لدعم الأطروحات الانفصالية بدل كونها منصة اقتصادية كبرى”.
وسجل الباحث ذاته أن “هذا الموقف يبقى أيضا ثمرة من ثمار التوجه المغربي والشراكات المتميزة التي تجمع المغرب مع أغلب دول البريكس ومواقفه الحيادية من الأزمات الدولية، فباستثناء جنوب إفريقيا وإيران تجمع المغرب علاقات متميزة مع أغلب دول البريكس، كالبرازيل وروسيا والصين، بالإضافة إلى الدول العربية، كمصر والسعودية والإمارات، التي تشكل نوعا من التوازن داخل هذا التجمع، ودعما للتوجهات المغربية مقابل المرامي الجنوب إفريقية”.
في السياق ذاته شدد المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “مواقف السعودية والإمارات، بالنظر للعلاقات المتميزة التي تجمع البلدين في مختلف المجالات مع المغرب، ستكون بلا شك عقبة أمام كل محاولة للنيل من سيادة المملكة وإقحام هذه المجموعة الاقتصادية في أي نزاع أو استغلالها لخدمة مشروع الانفصال في الصحراء”.
محاولات وفلسفة
إدريس قسيم، أستاذ العلاقات الدولية بالكلية متعددة التخصصات بتازة، قال في تصريح لهسبريس إن “هذه ليست هي المرة الأولى التي تحاول فيها جنوب افريقيا إقحام منظمة البريكس في هذا النزاع، إذ سبق لها أن قامت بدعوة زعيم جبهة البوليساريو لحضور أشغال القمة الخامسة عشرة للمنظمة التي احتضنها مدينة جوهانسبورغ في غشت المنصرم”.
وأوضح الأستاذ الجامعي ذاته أن “مناورات جنوب إفريقيا هاته لا تنفصل عن دعمها وتبنيها الطرح الانفصالي، وهو توجه أضحى مكشوفا ومفضوحا؛ لكن الذي وجب الانتباه إليه والوقوف عنده هو مواقف باقي دول المنظمة، التي بالإضافة إلى أدوارها التنسيقية والتعاونية المتعاظمة لا يمكن أن تقبل انخراطها بشكل أو بآخر في نزاعات إقليمية أو دولية، فما بالك انحيازها أو تبنيها أطروحة انفصالية يتم تدبيرها على مستوى منظمة الأمم المتحدة من جهة، وخاضعة لتوازنات إستراتيجية دولية وإقليمية من جهة ثانية”.
وشدد قسيم على أن “منظمة البريكس لا يمكن أن تشغل نفسها أو أن تحول اهتمامها إلى هذا المستوى من الاستقطاب والانحياز”، مضيفا: “علاوة على ذلك، يبدو أن جنوب إفريقيا، وهي إحدى الدول الأعضاء في البريكس، تناست أن فلسفة المنظمة قائمة على الإقليمية، أي استقطاب القوى الإقليمية والدول الصاعدة ذات التأثير والنفوذ الإقليميين”.
وخلص المتحدث إلى أن “هذه الصفة التي تتمتع بها المنظمة تمنحها الكثير من المصداقية والقابلية للانفتاح على دول مثل المملكة المغربية، خاصة أنها تضم في عضويتها دولا كبرى مثل روسيا والصين اللتين لا ترغبان بالتأكيد في استعداء المغرب أو معاكسة مصالحه، ناهيك عن وجود الإمارات والسعودية اللتين تربطهما بالمغرب تحالفات إستراتيجية ومصيرية”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات