الرباط ـــ رغم أن الوضعية المائية تحسَّنَت، تدريجيًا، منذ نهاية مارس وبداية أبريل الماضيين، فإن منظومة الموارد المائية في سدود وأحواض المغرب ما زالت تعترضها مزيد من التحديات التي ترتقي في بعض الظرفيات الحرجة، خصوصا مع حلول الأشهر الأكثر حرارة صيفاً، إلى مرتبة “الخطر المحدِق” و”التهديدات البِنيوية”.
البيانات الرسمية التي طالعتها جريدة هسبريس الإلكترونية إلى غاية يوم الجمعة 7 يونيو الجاري، على بوابة “مغرب السدود”، التي تنشرها المديرية العامة لهندسة المياه، التابعة لوزارة التجهيز والماء، أكدت استقراراً مستمرا للنسبة الإجمالية لملء السدود في المغرب، التي وصلت تحديدا إلى 31,27 في المائة، بحجم ملء فاق بقليلٍ 5041 مليون متر مكعب، مع الإشارة إلى أنه مستوى يبقى منخفضاً عن النسبة الإجمالية التي بلغتها حقينة سدود المملكة في اليوم ذاته من السنة الماضية.
خطر “التبخر” المرتقب ارتفاعه مع زيادة قياسية لدرجات الحرارة صيْـفاً ابتدأت معالمه تظهر مؤخرا في أسابيع فصل الربيع قد خفّضَ نسبياً نسب الملء بمختلف سدود الأحواض المائية التسعة بالمغرب، إلا أن “التأثير سيكون أقوى في سدود مناطق وأقاليم الجنوب الشرقي وجنوب المملكة”، وهو ما أكده مراد أقنوي، أستاذ جامعي متخصص في “الهيدروجيولوجيا والاستشعار عن بعد” بكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس.
وشَرَح أقنوي، في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس، أنّ “التبخر واحدٌ من المكونات الأساسية لدورة المياه الطبيعية فوق كوكب الأرض، إذ تظلّ درجات الحرارة العامل الأبرز المتحكِّم في حجمه وديناميته”، خاصا بالذكر “الإشعاع الشمسي ودرجة حرارة الهواء، خصوصا مع الرطوبة النسبية وسرعة الرياح يعني من العوامل الأساسية المؤثرة على تبخر المياه السطحية بصفة عامة وحقينة السدود والبحيرات خصوصاً”.
وتابع الخبير ذاته أن “معظم الدراسات التي ركّزت على دراسات التبخر في الأحواض المائية، خاصة بالسدود، بيَّنَت أن هذا التبخر ينخفض في فصل الشتاء، مقابل ارتفاعه في فصل الصيف نظراً لارتفاع درجة الحرارة التي تجعل المُعامل (المعدل العام) المتصل به يزداد بشكل كبير ليصل إلى خمسة مليمترات في اليوم كمتوسط سنوي”.
“في فصل الصيف يزيد هذا المعدل حسب الموقع الجغرافي لكل سد في المغرب، فضلا عن مدى إحداثياته وقُربه من المناطق الرطبة أو الجافة”، يقول الأستاذ الباحث في علوم الماء، لافتاً إلى أن تمركز الحرارة في الجنوب الشرقي مثلا (الذي يشهد ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة يمكن أن تصل إلى 45 و46 درجة) يرفع إلى مستويات قصوى درجة التبخر في منطقة السد ومحيطه من بُحيرات ومجارٍ مائية.
وعلى العكس أشار أقنوي إلى أن “مناطق الشمال تتميز بجو شبه رطب ومعتدل يحدّ بشكل إيجابي من درجة التبخر التي تكون قليلة رغم أشهر الصيف، غير أنه انخفاض نسبي مقارنة بالجنوب الشرقي والجنوب المغرب بصفة عامة”، مستدلا في ذلك بعدد من الدراسات الدولية التي تعنى بالموضوع.
وأكد الأستاذ المختص في الهيدرولوجيا على استنتاج لا جدال فيه بأن “السدود التي تتمركز في المناطق الجنوبية للمملكة تظلّ مُعرضة أكثر للتبخر بكمية عالية من المياه”، مثيرا الانتباه إلى أن “التبخر تهديدٌ للموارد المائية السطحية بالأساس”، رغم إقراره بأن ذلك “التأثير يكون بنِسَبٍ متفاوتة”.
وأضاف “مشكلة التبخر في المغرب هي أزمة حقيقية تواجه البلاد”، منبها إلى أن “الأزمة تتفاقم بارتفاع درجة الحرارة وزيادة توالي فترات الجفاف (الهيكلي)، مما يجعل معدل التبخر، الذي يمسّ وفرة ودينامية المياه السطحية في المغرب، إشكالية تفاقم أزمة الإجهاد المائي”، وأكد أن “مشكلة التبخر جزء من أزمة المياه العامّة التي تواجهها المملكة”.
الأستاذ المختص في قضايا الماء قال إن “صعوبة قياسات مُعامل التبخر في الأحواض المائية المغربية عبر المحطات الهيدرولوجية، التي تستخدَم لقياسات التساقطات وقياسات التبخر وقياسات كمية المياه التي تجري في الأنهار، والواردات المائية التي تدخُل السدود، تزيد من حدّتها المحطاتُ الهيدرولوجية القليلة بالمغرب”.
وأضاف أن هذا “الإشكال الذي يواجه المهندسين في مجال الموارد المائية والباحثين الذين يعانون من مشكلة احتساب التبخر مباشرة يدفعهم إلى حسابات رياضية غير مباشرة تمكّن من حساب نسبة تبخر الماء ولكن بطريقة عملية دقيقة”، معتبرا “تقديرات خسائر التبخر من الخزانات المائية أمرا ضروريا جدا”.
كما أشار إلى أن “الإدارة الفعالة الناجعة للموارد المائية في الأحواض المغربية تقتضي زيادة عدد محطات رصد وقياس المعاملات المتغيرة الأخرى المرتبطة بدورة المياه”، داعيا إلى “الاستعانة بتجارب دولية في هذا الصدد تهم النمذجة الهيدرولوجية (محاكاة تدريجية)، التي يمكن أن تجمع باحثين من الجامعات ومسؤولي الأحواض المائية”.
وعدد الخبير المغربي “آخر ما توصل إليه العلماء للنقص من خسائر التبخر في السدود”، مقترحاً “إمكانية استخدام معظم الاستراتيجيات الفعالة للتقليل من خسائر التبخر في السدود”.
وذكر أنها تتمثل في “الأغطية العائمة وأنظمة التثبيت”، مع تشييد “حواجز الرياح والنباتات”، إضافة إلى “الأغشية الأحادية والقابلة للتحلل”، وكذا “الأغشية الكيميائية” و”الهياكل الظليلة”، إلى جانب إقامة “أنظمة الخلط والتهوية الميكانيكية”.
كما تعدّ “المواد الكيميائية المثبطة للتبخر” حلا ممكناً وفعالا في هذا الإطار، بينما تظل “ممارسات إدارة وحفظ المياه واحدة من أكثر الطرق فعالية للتقليل من خسائر التبخر”.
كما يمكن، حسب أقنوي، أن “تُقلِّـل تقنيات الري الفعالة وتقليل التسربات وتحسين استخدام المياه من الطلب على المياه المخزنة بشكل كبير، مما يؤدي إلى تقليل الخسائر من خلال التبخر”، داعيا إلى “المراقبة المنتظمة لمستويات المياه وأنماط الطقس ومعدلات التبخر بشكل يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة عن وقت إطلاق المياه، مما يضمن الاستفادة المثلى من الموارد المائية”.
مملكتنا.م.ش.س