الملك وملف الصحراء .. الجدية والذكاء والحكمة يتوجون المغرب احترام العالم

الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 10:52

الرباط – في ربع قرن من تدبير الملك محمد السادس لملف الصحراء المغربية، حققت الرباط نجاحات مفصلية، جعلت المنتظم الدولي يعي بحقيقة النزاع وأطرافه الرئيسية وحلوله المنطقية التي لا تخرج عن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وفي آخر مستجدات ملف الصحراء المغربية، ذكر بلاغ للديوان الملكي، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن، في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس، رسميا، أنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”.

وفي الرسالة ذاتها، والتي تتزامن مع تخليد الذكرى الـ25 لعيد العرش، أكد رئيس الجمهورية الفرنسية للملك “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.

الجدية المغربية

منذ أن تقدم الملك محمد السادس بمقترح الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء المغربية، وأرضية صلبة للتفاوض، خرجت قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمناء العامين بالأمم المتحدة من عباءة الاستفتاء وتقرير المصير، وجذبت الرباط دعم كبريات العواصم الدولية.

وبعد مرور 25 سنة، بدأت الرباط تجني جديتها في حل هذا الملف، وهي العبارة التي تسطرها قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007: “وإذ يحيط علما بالمقترح المغربي الذي قدم إلى الأمين العام، وإذ يرحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية”، هكذا هو الوضع الذي كرسه المغرب في عهد محمد السادس.

وستبقى قرارات مجلس الأمن تشيد بالجدية والمصداقية التي ينهجها الملك محمد السادس في تدبيره لملف الصحراء المغربية، حتى تبدأ المملكة في حصد اعترافات كبريات القوى العالمية، ومد قنصلي وصل اليوم إلى 28 قنصلية في مدينتي العيون والداخلة.

من الاعتراف التاريخي لأمريكا بمغربية الصحراء، إلى إعلان إسبانيا وألمانيا دعمهما مخطط الحكم الذاتي، وصولا إلى القرار الفرنسي اليوم، كرست الرباط واقعا عالميا يعرف الأقاليم الجنوبية بأنها “مغربية فقط”.

ترصد هسبريس ضمن هذا المقال، أبرز محطات تدبير الملك محمد السادس لملف الصحراء المغربية، والنجاحات التاريخية التي حققتها الرباط.

حكمة محمد السادس

كان من اللافت أن تقديم مقترح الحكم الذاتي سنة 2007 منعرج حقيقي في محطات هذا الملف، قال موساوي العجلاوي، مختص في قضية الصحراء المغربية، مؤكدا أن “تقديم هذا المقترح رافقته حكمة ملكية خالصة”.

وأضاف العجلاوي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن 25 سنة من حكم الملك محمد السادس حولت ملف الصحراء من وضع إلى وضع أخر، امتاز بـ”الحل السياسي”، لافتا إلى أن التقارير الأممية، منذ تقديم مقترح الحكم الذاتي، “انتشلت نفسها من الاستفتاء وتقرير المصير، وأصبحت الصياغات تحيل إلى حدوث تحول كبير على مستوى الشكل”.

والشكل له علاقة بالمضمون، تابع المتحدث عينه، مبرزا أن “الحكم الذاتي كان اختيارا ذكيا، بحيث يظهر أن المملكة المغربية، دولة تتشبث بالحل السياسي، والمبادرة المغربية تدخل في سياق الميثاق الأممي، والقانون الدولي”.

وعرج المختص في قضية الصحراء المغربية للنبش في علاقة مبادرة الحكم الذاتي بالقانون الدولي، موردا: “يوجد قراران يؤطران الدول غير المتمتعة بالحكم الذاتي والدول المحتلة؛ فيما القرارات الأممية لم تربط ولو لمرة واحدة الصحراء المغربية بالاحتلال بعد سنة 1975”.

والقراران رقم 1541 و1514 (دجنبر 1960)، وفق المتحدث عينه، حددا المبادئ العامة لحل مثل هذه النزاعات؛ أبرزها المبدأ الرابع من خلال “الاستفتاء ثم الاستقلال، وهو طرح أقرت الأمم المتحدة باستحالة تطبيقه في التسعينيات، وبه يبقى اختياران فقط، وهما الحكم الذاتي، أو الاندماج الكلي”.

ومع استحضار الذكاء الدبلوماسي المغربي، بقوة مؤسساته، تحت قيادة الملك محمد السادس، وجهود الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، حسب العجلاوي، “أعطي لمبادرة الحكم الذاتي قوة كبيرة، بعدما تم التسطير على فشل الاستفتاء منذ قرارات 1999 و2004، ومنذ هذه السنة إلى 2006 عاشت الرباط تجربة الإنصاف والمصالحة، وبالتالي خروج مبادرة الحكم الذاتي سد الفجوة التي عاشتها الأمم المتحدة وقتها، على الخصوص في تحديد لوائح الانتخابات الخاصة بالاستفتاء بعد قرار وقف إطلاق النار سنة 1991”.

كرونولوجيا الملف طبعها تشبث مغربي بالحل السياسي، وهو ما أعطى الرباط قوة دولية، وتحرير معبر الكركرات شاهد على الالتزام المغربي بالسلم والأمن الدوليين؛ لكن الأبرز في تدبير الملك هو التوجه نحو إفريقيا.

إفريقيا لتعزيز الموقف المغربي

وجاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء: “كما مكنت تعبئة الدبلوماسية الوطنية من تقوية موقف المغرب، وتزايد الدعم الدولي لوحدته الترابية، والتصدي لمناورات الخصوم، المكشوفين والخفيين.. وإذا كانت الواجهة المتوسطية تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو إفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي”.

وتابع الملك محمد السادس: “ومن هنا يأتي حرصنا على تأهيل المجال الساحلي وطنيا، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، وكذا هيكلة هذا الفضاء الجيوسياسي على المستوى الإفريقي، وغايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي.

وأكد الملك أنه “يحرص على استكمال المشاريع الكبرى، التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية، وتوفير الخدمات والبنيات التحتية المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية، وكذا تسهيل الربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك؛ بما في ذلك التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي”.

وشرح العجلاوي دور إفريقيا الأطلسية في تقوية الموقف المغربي من ملف الصحراء، مردفا: “الزيارات الملكية، والانتشار لمؤسسات استراتيجية وطنية في إفريقيا، والدور الكبير الذي لعبته الرباط في غرب إفريقيا، تجاوز الاقتصادي ليصل إلى الديني، والإنساني، تضعنا نتأمل 3 محطات تاريخية جعلت إفريقيا ركيزة في دعم سيادة المملكة الترابية”.

وأضاف المتحدث عينه أن “إفريقيا الأطلسية، وأنبوب الغاز نيجيريا المغرب، ومبادرة الأطلسي لفائدة دول الساحل، خلقت امتدادا جيواستراتيجيا جديدا للمغرب في عمقه الإفريقي. وفي المقابل، تأثر ملف الصحراء بشكل كبير للغاية، وجعلت قمة نواكشوط سنة 2018 الأمم المتحدة وحدها المسؤولة على الملف، وهكذا كانت إفريقيا ميدان انتصارات مغربية مدوية”.

ومع كل هذه المحطات شدد المختص في قضية الصحراء المغربية على أن “الملف انتقل في عهد الملك محمد السادس من وضع إلى آخر، لا يزال يتميز بحكمة ملكية لا تتفاعل مع ترهل وتهور خصوم الوحدة الترابية، إلا بالإنجازات الواقعية وحصد الاعترافات المتتالية من العالم، وعلى الخصوص دول أعضاء مجلس الأمن”.

دبلوماسية تنال الاحترام والاعتراف الدولي

سلسلة الانتصارات الدبلوماسية، والاختراقات التي حققها الملك محمد السادس، طبعها الاعتراف الدولي، وهو مسار عمل شاق وطويل. وفي الواقع جزء من عمل ملكي كبير، كما يقول مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والعلاقات مع البرلمان السابق ومؤسس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة.

وأضاف الخلفي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الاعترافات وافتتاح قنصليات عديدة بالعيون والداخلية جاء نتيجة تطورات عديدة؛ أولها نهج الدبلوماسية الهجومية، المسؤولة والحازمة”.

وأورد الوزير السابق أنه حتى قبل أن يعلن الملك أن الصحراء “النظارة التي ينظر بها إلى العالم”، سبق ذلك بعشر سنوات في 2013، عندما “جمدت الرباط مناورات الأسد الإفريقي، ردا على دعم أمريكا توسيع نطاق المينورسو ليصل حقوق الإنسان، وتمكن من إبعاد واشنطن عن هذا القرار، وقتها علم العالم أن الرباط لها نهج جديد”.

وتابع المتحدث عينه أن “المغرب كان صارما مع هولندا والسويد وألمانيا وغيرها من الدول التي حاولت المس بالملف، وفي سنة 2016، كانت الرباط حازمة بقوة مع الأمين العام الأممي السابق، بان كي مون، الذي عبث بالسيادة المغربية، وأقدمت المملكة على قرار لم يتوقعه أحد، وهو تقليص أفراد المينورسو، ما يعني التمهيد للطرد”.

وهذا المسار، وفق الخلفي، الذي كان قبله الموقف الصارم مع المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء، كريستوف روس، الذي بدأ يخرج عن الحياد، وبقيادة الملك، وانخراط القوى الحية، “صمد المغرب، وكان ثابتا وحازما، في معارك توجت في الأخير بانتصارات مدوية لبلدنا”.

التنمية مدخل لتعزيز الموقف المغربي

والعامل الآخر الذي ساهم في تأسيس هذا التحول في ملف الصحراء، قال الوزير السابق، هو “تحويل الأقاليم الجنوبية للمملكة إلى واحة استقرار، والتصدي لأي استفزاز انفصالي، ومشروع مخيم إكديم إيزيك الذي حاول البعض نقله من احتجاج سلمي إلى ما هو سياسي، تصدى له المغرب، من خلال وضع مبادرات أطلسية إفريقية عملية، وداخليا حركة تنموية اقتصادية في الأقاليم الجنوبية، وهذه النقطة كانت البداية (النموذج التنموي)”.

“أرسى الملك بنية تحتية ثورية في الصحراء المغربية، من ميناء عملاق بالداخلة، إلى الربط بالشبكة الكهربائية الوطنية، وتعبيد الطريق نحو موريتانيا، والطريق السريع تيزنيت-الداخلة، ومحطات تحلية المياه؛ ما جعل الأقاليم الجنوبية منطقة جذب اقتصادي، وبالتالي الوصول إلى مرحلة جذب الدعم الدولي لضمان الاستقرار الإقليمي، والتنمية، كان يبدأ من خلق بنية تحتية عملاقة اقتصادية وسياسية”، أردف المتحدث.

هذه العناصر رافقها الاعتراف الدولي، الذي هو جزء من قرارات مغربية؛ لأنها ارتبطت بتحرير معبر الكركرات وتأمين الحركة العبورية الدولية، وعودة الرباط للاتحاد الإفريقي، ودعوات طرد جبهة البوليساريو، واعتماد قانون الحدود البحرية، واتفاقية الصيد المستدام…، تابع الخلفي، مبينا أن “هذا مسار متعدد الأبعاد، تدخلت فيه عوامل بسبب القيادة الاستراتيجية لجلالة الملك محمد السادس، لتظهر لنا مدرسة دبلوماسية مؤمنة باستقلال القرار الوطني والقدرة على مواجهة التحديات”.

وختم الوزير السابق قائلا: “المد القنصلي والاعترافات الدولية تبين لنا أن الملف تغير في عهد الملك محمد السادس، مقارنة بالماضي. وقتها، كانت الأمم المتحدة تبحث عن الاستفتاء. واليوم، يوجد حل واحد وهو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.

مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع

Loading

مقالات ذات صلة

الخميس 3 يوليو 2025 - 17:02

غواتيمالا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي “الأساس الجاد والموثوق والواقعي الوحيد لتسوية النزاع الإقليمي” حول الصحراء المغربية

الأربعاء 2 يوليو 2025 - 19:11

لماذا تحول تصنيف البوليساريو ” منظمة إرهابية ” إلى ضرورة استراتيجية ؟

الإثنين 30 يونيو 2025 - 09:59

“مقذوفات السمارة” تفضح هشاشة القدرات العسكرية للمتحكمين بالبوليساريو

السبت 28 يونيو 2025 - 15:12

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي يضع حدا لمحاولات الاستغلال ويجدد التأكيد على أن لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة