فرض الذكاء الاصطناعي نفسه بقوة في العالم ما جعل العديد من الدول تتسابق نحوه، وهو الأمر الذي دفع كثيراً من دول المنطقة العربية إلى اتخاذ خطوات جادة تعكس حجم اهتمامها بهذا المجال، وهو الأمر الذي انعكس في إقرار استراتيجيات للذكاء الاصطناعي، من خلال احداث مؤسسات متخصصة للإشراف على عمليات التدريب والتكوين التقني، لكن هذه الجهود تواجه تحديات مع تعدد الإشكاليات التي يُثيرها الذكاء الاصطناعي، وغياب القوانين الشاملة المنظمة لاستخداماته.
يشار، الى أن عدد من دول المنطقة تتصدر في العديد من مؤشرات التكنولوجيا عالمياً، فيما تكثف دول أخرى جهودها لتحسين قدراتها التكنولوجية بخطوات متسارعة، وفي هذا السياق، خلص البنك الدولي في تقريره المعنون “إيجابيات التكنولوجيا الرقمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: كيف يمكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيا الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو وإيجاد فرص عمل؟” إلى وجود ما يشبه المفارقة الرقمية التي تشهدها هذه الدول.
وحسب تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي، حول استراتيجيات الذكاء الاصطناعي، فإن كثيراً من دول الشرق الأوسط حققت قفزات في اتجاه جني فوائد الذكاء الصناعي، لا سيما بعد أن أطلق كثير منها استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت السعودية “الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الصناعي”، لتضمن بذلك خطة طموحة لدمج تقنيات الذكاء الصناعي وتحليل البيانات في جميع القطاعات الاقتصادية، وتدريب ما يصل إلى 20 ألف متخصص بحلول عام 2030. فيما تمتلك دولة الإمارات استراتيجية وطنية للذكاء الصناعي تم التوقيع عليها في أكتوبر 2017. وتحدد تلك الاستراتيجية مجموعة من المبادرات الحكومية التي سيتم الانتهاء منها بحلول عام 2031.
في الوقت الذي تتولى فيه البحرين تسخير الذكاء الصناعي لحساب أشجار النخيل فيها ولتحديد الإنتاج الزراعي بشكل كبير، كما أطلقت مصر “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الصناعي” في يوليو 2021، التي تتركز على 3 محاور أساسية هي: التعليم، والتدريب، والاستفادة العملية من حجم البيانات، ثم إتاحتها للقطاع الخاص للاستفادة منها وفقاً لأهميتها لكل قطاع.
وفي هذا المجال، فقد بلغ حجم الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط نحو 320 مليار دولار، خاصةٍ مع تزايد اهتمام الحكومات ومختلف الشركات بضرورة التحول نحو اقتصاد المعرفة والتقنيات المتقدمة. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن يتراوح النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين 20% و34% سنويّاً في المنطقة، خاصةً مع نمو ملحوظ في الإمارات، تليها السعودية، نظرا إلى استثماراتهما النسبية في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث تحتل الدولتان مكاناً ضمن أفضل 50 دولة في العالم على مؤشر الابتكار العالمي من حيث القدرة على الابتكار ومخرجاته.
فيما تواجه دول الشرق الأوسط جملة من اشكاليات التقنية والاخلاقية تقوض التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، والتي تتجسِد أساسا من خلال الإشكاليات التقنية والمبادئ الأخلاقية ومنظومات القيم التي تستلزم من بعض الدول العربية حواراً شفافاً لبناء الثقافة المجتمعية تجاه الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وكذا تكلفته المرتفعة، وعدم قدرته على اتخاذ القرارات باستخدام العاطفة التي لا غنى عن الانسياق وراءها في بعض الحالات، كما لا يمكنه ابتكار حلول فريدة للتحديات السياسية بسبب افتقاره إلى الإبداع، إذ سيختار الذكاء الاصطناعي الأفضل في ظل الظروف المتاحة إلى أن يتعلم قراءة وفهم المشاعر الإنسانية، ويظل قراره النهائي رهين بحجم وجودة البيانات التي يمتلكها.
وفي هذا السياق، تتزايد أهمية إنشاء بنية تحتية أخلاقية لتنظيم الذكاء الاصطناعي مع زيادة استخدامه، فكثير من الدول العربية لم تسن بعدُ قانوناً شاملاً يستهدف تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، وإن قطعت أخرى أشواطاً في إقرار بعض المبادئ الاسترشادية على شاكلة دولة الإمارات التي أصدر مختبر الذكاء الاصطناعي في دبي الذكية مجموعة من مبادئ الذكاء الاصطناعي غير المُلزِمة والمبادئ التوجيهية الأخلاقية، وهي المبادئ التي شملت الإنصاف (كي تكون البيانات متنوعة وممثلة للسكان المتضررين)، وتجنُّب التحيز غير التشغيلي (للتخفيف من التحيُّزات المتأصلة في مجموعات البيانات والكشف عنها)، والمساءلة (كي لا تقع المسؤولية عن الذكاء الاصطناعي على عاتق النظام نفسه، بل على عاتق من يُصمِّمونه). ومع ذلك، تزداد أهمية وجود تنظيم ملزم لتشجيع الاستخدام المبتكر للذكاء الاصطناعي وإدارة المخاطر الناجمة عنه دون تقويض التطورات المحتملة.
كما تفرض تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مزيداً من التحديات على أسواق العمل التي تتخذها الشركات باستخدام أدوات التوظيف عبر الإنترنت لفحص السير الذاتية على سبيل المثال (وذلك باستخدام البرمجة اللغوية العصبية للتعرف على أنماط الكلمات في السِير الذاتية وتقييمها وفقاً لمعايير كل شركة)، فإن صنع القرار الآلي قد يؤدي إلى قرارات متحيزة التي ينتجها، وهو ما يزيد أهمية الإجراءات التشريعية التي تمنع الاستخدامات التمييزية للذكاء الاصطناعي في المستقبل، في حين تزداد الحاجة إلى نقاش معمق بين القطاعين العام والخاص لتوضيح القوانين التي ستطبق على التقنيات الناشئة.
مملكتنا.م.ش.س