الرباط – أظهر القطاع العقاري إشارات إلى التعافي بعد فترة طويلة من الركود، الذي طغى على السوق خلال السنوات الأخيرة. ووفقا للأرقام الصادرة عن مديرية الدراسات والتوقعات المالية (DEPF) وبنك المغرب، ومؤسسات أخرى، تبرز علامات إيجابية توحي بعودة الثقة لدى المستثمرين وطالبي السكن على حد سواء.
وتشير أحدث البيانات إلى نمو في مبيعات الإسمنت بنسبة 7.2 في المائة حتى نهاية غشت الماضي، بعدما سجلت تراجعا طفيفا بنسبة 0.8 في المائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. كما ارتفع حجم المعاملات العقارية بنسبة 12.1 في المائة خلال الفصل الثاني من السنة الجارية، وهي زيادة ملحوظة تعكس نشاطا متزايدا في السوق العقارية، مدفوعة بشكل خاص بتطور مبيعات العقارات السكنية بنسبة 11.1 في المائة، ومبيعات الأراضي بنسبة 25.6 في المائة. ومع ذلك، ظل قطاع العقارات ذات الاستخدام المهني يعاني من انخفاض بنسبة 2.3 في المائة.
ويعكس النمو “الخجول” الذي يشهده القطاع العقاري بداية مرحلة جديدة، لكن مازال مبكرا الجزم بأن هذا الانتعاش سيستمر دون تأثيرات سلبية، إذ يشير خبراء إلى أن استقرار القروض العقارية وتفاوت تطورات الأسعار بين المناطق من بين العوامل التي ستحدد ما إذا كانت السوق العقارية ستشهد انتعاشا كاملا أم إنها ستظل تواجه تحديات تتعلق بالتشريعات الجديدة وتفاوتات العرض والطلب.
استقرار السوق
مع دخول إجراءات جديدة حيز التنفيذ منذ فاتح يوليوز الماضي، تلزم الموثقين باستلام وصل الأداء الجبائي quitus fiscale، قبل تحرير عقود البيع، اعتبر عبد الرفيع سماحي، مستشار بنكي، متخصص في التمويلات العقارية، أن هذه الخطوة قد تشكل عقبة أمام استمرار هذا النمو، وزاد موضحا: “هذه التدابير قد تؤدي إلى بطء في إجراءات إتمام عمليات نقل الملكية العقارية، ما سيؤثر بشكل مباشر على السوق، خاصة في المناطق التي تشهد إقبالا كبيرا، مثل الدار البيضاء والرباط”.
وأضاف سماحي، في تصريح لهسبريس، أن هذه المؤشرات من وجهة نظره تعكس تأثير التعديلات الأخيرة في السياسات التمويلية على السوق العقارية، مؤكدا أن “النمو في مبيعات الإسمنت والمعاملات العقارية يعكس استجابة السوق لتخفيف شروط الحصول على التمويلات الممنوحة للمنعشين العقاريين، خاصة مع استمرار انخفاض نسب الفائدة الذي شهدناه خلال السنتين الماضيتين.”
وأشار المستشار البنكي، في السياق ذاته، إلى أهمية استقرار أسعار الفائدة على قروض السكن في تشجيع الأسر على التوجه نحو شراء العقارات، مردفا بأن “نمو القروض العقارية، من 1.3% إلى 1.5% في قروض السكن، يعكس ثقة المستهلكين في استقرار السوق واستمرار الأسعار التنافسية مستقبلا، خصوصا في ظل تقدم برنامج الدعم المباشر للسكن”.
القروض العقارية
تشير الأرقام الصادرة حديثا إلى نمو إيجابي في مؤشرات السوق العقارية، لكنه يلفت الانتباه إلى التفاوت الكبير في تطورات الأسعار بين المناطق، ففي حين ظلت الأسعار مستقرة في مدينتي الرباط ومراكش شهدت الدار البيضاء زيادة في أسعار الفيلات والأراضي بنسبة 5 في المائة، مقابل انخفاض في أسعار الشقق بنسبة 6 في المائة، وهو التفاوت الذي فسره عمر زودين، خبير في الهندسة المالية، بأنه “يعكس خصائص العرض والطلب المحلي في كل منطقة”.
وأضاف زودين، في تصريح لهسبريس، أن “الزيادة في أسعار الأراضي والفيلات في الدار البيضاء تعزى إلى تطور الطلب من قبل المستثمرين، خاصة مع ارتفاع قيم الأراضي التي تشكل ركيزة أساسية لأي مشروع تطوير عقاري”، وزاد: “من ناحية أخرى يفسر انخفاض أسعار الشقق بانخفاض القدرة الشرائية لدى فئة واسعة من المواطنين، ما يدفع المطورين العقاريين إلى خفض الأسعار للحفاظ على مستوى معين من المبيعات”.
وشدد الخبير ذاته على أنه “بالنظر إلى استقرار مستوى القروض العقارية عند معدل نمو بلغ 1.7 في المائة حتى نهاية يوليوز الماضي فإن هذا الاستقرار يمثل تحديا وفرصة في الوقت نفسه”، موضحا أن “ثبات القروض العقارية يعكس التوازن بين الطلب والعرض في السوق؛ ومع ذلك فإن الضغوط على النظام البنكي قد تتزايد إذا استمر المنعشون في الاعتماد بشكل كبير على التمويلات البنكية لتغطية مشاريعهم العقارية.”
ورغم استقرار القروض العقارية، يضيف المصدر ذاته، “شهدت قروض التطوير العقاري تسارعا من 2.9 في المائة إلى 4.3، وهو ما يعتبر مؤشرا على نشاط مكثف في قطاع الإنعاش العقاري”، موردا أن “هذا النمو يعكس اهتمام المستثمرين بقطاع الأشغال والإنعاش، خاصة في المناطق الحضرية الكبرى التي تستمر في التوسع”.
مملكتنا.م.ش.س