الرباط – يرى الباحث والديبلوماسي المغربي السابق الحسين غزوي أنه على النقيض من الافتراض، الذي يعتبر أن “الدين إما أنه غير ذي صلة بالدبلوماسية في الزمن القومي العلماني الحديث أو أنه مصدر للصراع في المستقبل”، فإن “الدبلوماسية الدينية للمغرب سيتم تقديمها باعتبارها إحدى وسائل القوة الناعمة الرئيسية، وأداة قيمة لتعزيز مكانة المغرب كراعٍ حقيقي للتعايش السلمي”.
وأضاف مدير الشؤون الثقافية بمنظمة التعاون الإسلامي، في دراسة صدرت للتّو حول “ديبلوماسية المغرب الدينية.. نهج القوة الناعمة لمحاربة التطرف” (تقاسمها مع هسبريس)، أن المغرب انطلاقاً من الشق الديني يرعى أيضا “الأمن الإقليمي والتنمية المتبادلة في قارة تعاني من الفقر وعدم الاستقرار والتخلف، مما يجعل شبابها فريسة سهلة لاستقطاب محتمل من طرف الحركات المتطرفة الراديكالية”.
وبالنسبة لصاحب الورقة البحثية، فقد أثبتت المملكة أنها “بدلاً من أن تكون مصدرا للصراع، يمكن توظيف الروابط الروحية القوية للترويج لنسخة متسامحة من الإسلام والعمل كقوة موحدة داخل المجتمعات التي تتقاسم نفس القيم الثقافية والدينية والحضارية”، مضيفا أن “الهوية الروحية والثقافية، التي تتجلى في دور الجماعات الصوفية مثل الطريقة التيجانية، تجسد الإرث التاريخي للروابط العريقة بين المغرب ودول غرب أفريقيا”.
ولفت إلى أن “الملايين من أتباع هذه الجماعة الدينية الصوفية، وهي شكل من أشكال التدين الصوفي ومعروفة بالدعوة إلى التسامح والحوار والتعايش والسلام، ومنتشرة في عدد من دول غرب إفريقيا مثل كوت ديفوار وغينيا وغامبيا والسنغال وموريتانيا ومالي، لا يزالون يعتبرون ملك المغرب زعيما دينيا، ويعتبرون مدينة فاس مركزا للحج، وبالتالي يمنحون الشرعية لمحمد السادس كقائد سني معتدل”.
غزوي، الذي كان سابقاً نائب رئيس البعثة الدبلوماسية لكوريا الجنوبية، وضّح في دراسته الثقافية، التي نشرها مختبر الحوار الخليجي التابع لمركز الخليج للأبحاث، أن “توظيف الدبلوماسية الدينية ذات التخطيط الجيد بأفريقيا يهدف إلى إعادة تأسيس الروابط الروحية التاريخية للمغرب مع جيرانه بالجنوب، وترسيخ قيادته كمناصر الإسلام عصري معتدل ومتسامح”.
وأبرز أن “الأهداف المتعددة التي تخدمها القيادة الدينية ألهمت الدبلوماسية الدينية لملك المغرب، الذي غالبا ما تشمل زياراته للدول الأفريقية بناء المساجد، وتقديم آلاف النسخ من القرآن الكريم لأتباع الإسلام، والتواصل مع قادة المجتمع وعلماء الدين، وتوقيع اتفاقيات لتدريب مئات الأئمة في المغرب”، مسجلاً أن “المكون الديني الذي يتم دمجه واستثماره في استراتيجيات السياسة الخارجية للمغرب يسهل قبوله بين المجتمعات الكبرى في غرب أفريقيا، ويساعد في بناء أرضية صلبة لدعم مصالحه الحيوية”.
سياسة بناء المساجد تندرج، وفق الكاتب، “في إطار استثمار طويل الأمد يهدف إلى ترسيخ نموذج ديني قائم على الاعتدال يروج له المغرب في أفريقيا”، مبرزا أن “افتتاح مسجدي محمد السادس بأبيدجان في 5 أبريل 2024 وبكوناكري في 29 مارس 2024، يشكل مثالا واضحا على رؤية الملك لتعزيز العلاقات مع عدد من الدول الأفريقية التي تؤيد بطريقة أو بأخرى قيادة المغرب في تشكيل الإطار الديني الجامع، والحفاظ عليه من العواقب الوخيمة للتأويلات المتطرفة للإسلام التي تدعو إلى العنف كوسيلة سياسية للتغيير”.
ولا يشكّ الباحث في أن “تأثير مثل هذه الإجراءات المدروسة بعناية على صورة المغرب في القارة بعيد المدى، حيث تولي المجتمعات والسلطات المحلية تقديرا خاصا لمساهمة المغرب في توفير فضاءات دينية من شأنها تعزيز أمنها الروحي، ومساعدتها على تجنب السقوط في فخ الارتهان لبعض الشبكات المعروفة باستخدام الدين كوسيلة للتجنيد السياسي”.
وبعبارة أخرى، فإن الدبلوماسية الدينية للملك، وفق الطرح الذي يدعمه صاحب الدراسة، “لا تهدف إلى تعزيز التعاون الديني وحسب، بل تم توظيفها لتعميق التعاون الأمني بين بلدان المنطقة ورفع مكانة المغرب الإقليمية، إلي جانب خلق شعور بالانتماء يتحدى الحدود المصطنعة الموروثة عن القوى الاستعمارية”.
وتابع شارحاً “تفضل هذه الدبلوماسية بذل جهود مستدامة للتواصل مع المجتمعات الدينية المحلية، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في محاولة لتكثيف مبادراتها ووسائل انخراطها الإيجابي في الجنوب وتعزيز العلاقات بين الناس، وفي مواجهة التهديدات الأمنية الخطيرة، مع الحضور المتزايد للجماعات الإرهابية في المنطقة مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتكتيكات التخريبية للحركات الانفصالية مثل البوليساريو”.
إن الهدف الاستراتيجي للمغرب، كما يراه غزيوي، “هو في الأساس مواجهة انتشار إيديولوجيات الجماعات المتطرفة ومحاربة القوى الراديكالية، وتعطيل خلايا التجنيد التي تستخدمها هذه الجماعات التخريبية الناشطة في مناطق الساحل والصحراء”، مسجلا أن “الفهم الصحيح لتقاطع الدين مع المصالح الاقتصادية والسياسية ساعد المغرب على توظيف الديناميات الدينية بمهارة لخدمة أهداف سياسته الخارجية في أفريقيا، بما في ذلك حشد الدعم لنزاع الصحراء الذي لم يتم حله بعد”.
لقد ساهم الاستخدام الذكي للدين كأداة رئيسية للقوة الناعمة، يتابع الكاتب، في “بروز إطار شامل من الإجراءات المنسقة بعناية للدبلوماسية العامة التي كان هدفها تلميع صورة المغرب في القارة وإضفاء الشرعية على نشاطاته، بما في ذلك تلك المتعلقة بتأمين عودته إلى الاتحاد الأفريقي، أو تلك التي تسعى إلى تأكيد سيادته غير القابلة للنقاش على أقاليمه الصحراوية”.
وأبرز مدير الشؤون الثقافية بمنظمة التعاون الإسلامي أن “الدبلوماسية الدينية المغربية تتأثر في المقام الأول بالسياق الجيوسياسي الأوسع الذي تعمل فيه بشكل عام، وبالتحديد بديناميات الصراع الإقليمي حول الصحراء في مواجهة الجزائر”، قبل أن يضيف أن “هذا التأثير لا يكفي في حد ذاته لتفسير الروابط الروحية عميقة الجذور بين المملكة المغربية والقارة التي تنتمي إليها”.
ولفت إلى أن “هذه الروابط التاريخية تعود إلى اللقاءات الأولى للسلالات المغربية المتعاقبة التي سعت إلى نشر الإسلام في أفريقيا، وبناء روابط إنسانية وثقافية وحضارية قوية ودائمة، خاصة مع دول غرب أفريقيا”، مشيرا إلى أن “المكانة البارزة، التي يتمتع بها المغرب في أفريقيا كمناصر قوي للتعاون جنوب ـ جنوب، ومدافع مستميت عن تطلعات أفريقيا العادلة إلى التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي والحكم الرشيد والديمقراطية، تعطي زخما أكبر لتوظيف استراتيجيات القوة الناعمة للمغرب، بما في ذلك دبلوماسيته الدينية المبادرة والمبتكرة”.
مملكتنا.م.ش.س