الرباط – ثمّن حقوقيون وباحثون في مجال الهجرة العابرة للحدود دعوة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تسهيل التنقلات النظامية بين المغرب وبين فرنسا ضمن أجندة شاملة تُؤطر تعاون البلدين في قضية الهجرة، لا سيّما مع وجود “علاقات إنسانية ممتدة ومتينة” بين المملكة والجمهورية، تتضح أساسا في احتضان الأخيرة أكبر جالية مغربية بالخارج.
وأشاد قائدا البلدين، في إعلان “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” الذي وقّعاه بالديوان الملكي في الرباط، “بالتعاون الطموح الذي أرسياه وعززا دعائمه في مجال الهجرة”، داعييْن إلى “وضع أجندة شاملة في هذا المجال، بحيث تشمل في الآن ذاته تسهيل التنقلات النظامية، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والتعاون في مجال إعادة القبول، ومنع عمليات المغادرة بالطرق غير القانونية، وكذا تعزيز التنسيق بين دول المصدر وبلدان العبور وبلدان الإقامة، على أساس مبدأ المسؤولية المشتركة”.
وأبرز الحقوقيون والباحثون في مجال الهجرة أن “تفعيل وتنزيل هذه الدعوة يقتضي تذليل العقبات التي تحول دون زيادة عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة وعدم توظيفها كورقة مساومة بين الجانبين، لا سيما أن التجربة أثبتت أن هذا الأمر يضر بالعلاقات الإنسانية بين الجانبين في نهاية المطاف”، لافتين إلى “ضرورة وضع إطار قانوني ينظم التنقلات النظامية ويُسهلها ويُجود الخدمات المرتبطة بها نحو الأفضل، لتتم في احترام تام لحقوق المواطنين المغاربة وكرامتهم الإنسانية”.
محفزات إنسانية
عبد الكريم بلكندوز، الأستاذ الجامعي الباحث في شؤون الهجرة، قال إن “تسهيل التنقلات النظامية بين البلدين يبقى أمرا مهما وضروريا جدا؛ نظرا لوجود علاقات إنسانية متينة بينهما، حيث تُعتبر الجالية المغربية بفرنسا من أكبر جاليات المملكة في الخارج”.
وشدد بلكندوز، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على “ضرورة تذليل العقبات التي تحول دون حصول عدد من المغاربة على تأشيرات دخول هذا البلد؛ ما يحرمهم من قضاء أغراضهم به، سواء العلاج أو زيارة الأقارب أو عيادتهم أو غيرها”.
وأضاف الأستاذ الجامعي الباحث في شؤون الهجرة أن “سياسة تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، التي لجأت إليها فرنسا قبل نحو سنتين من الآن، ‘عقابا’ للمملكة على ما كان يعتبره الجانب الفرنسي عدم تعاون من لدنها في استعادة مواطنيها الموجودين بطريقة غير نظامية على التراب الفرنسي، أضرّت كثيرا بالعلاقات الإنسانية بين الجانبين ومصالح الآلاف من المغاربة”، لافتا إلى أن “تنزيل دعوة الإعلان المشترك يقتضي مستقبلا التقاط دروس هذه التجربة، وعدم توظيف التأشيرات كورقة للمساومة بين الجانبين”.
وذكّر المتحدث بأنه “بالنسبة للمواطنين الفرنسيين، فلا يوجد أي إشكال في هذا الجانب؛ نظرا لأنهم معفيون من تأشيرة الدخول إلى المملكة في نهاية المطاف”، مردفا أن “الثقل يقع على عاتق الحكومة الفرنسية التي يجب أن ينفتح أعضاؤها على السماح بزيادة أعداد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، بما يشكل استجابة لدعوة قائدي البلدين، لا سيما أن توجهات وزير الداخلية الفرنسي في هذا الصدد لا تزال تحتاج إلى إيضاحات لكي تواكب النضج الحاصل في علاقات البلدين، رغم أنها تظل فقط موجهة للرأي العام الداخلي في نهاية المطاف”.
وتابع بلكندوز أن “المقاربة الفرنسية في منح التأشيرات للمواطنين المغاربة يجب أن تتغير وتتبدل، ليس بزيادة عددها فقط؛ بل أيضا عبر حل الإشكاليات والصعوبات المرتبطة بما هو تنظيمي التي تحول دون حصول طالبي التأشيرات على مواعيد”، مشيرا إلى “ضرورة تشديد الإجراءات الكفيلة بتضييق الخناق على السماسرة، وكذا زيادة أعداد الموظفين بالقنصليات الفرنسية بالمملكة”.
إطار قانوني
أوضح عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن “قضية التنقلات النظامية معقدة وشائكة إلى أبعد الحدود؛ نظرا لوجود تباينات على مستوى الحسابات السياسية لدى البلدين، وما يستتبعها من خلافات على مستوى التشريع ذي الصلة”.
وأضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تسهيل هذه التنقلات يقتضي التنازل عن بعض الحسابات السياسية التي لن تؤدي سوى إلى مزيد من الخلافات في الموضوع؛ مثل الاتجاه نحو ربط تأشيرات التنقل للمغاربة بموافقة المملكة على منح تصاريح لمواطنيها غير النظاميين، كما تذهب تصريحات وزير الداخلية الفرنسي”.
وأوضح الفاعل الحقوقي ذاته المواكب لهذا الموضوع أن “الشراكة الاستثنائية الوطيدة التي أعلنها قائدا البلدين اتضح، بالفعل، أنها خطوة نوعية تهدف إلى تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية وترتكز على نهج شامل ومستدام، لا سيما أنها أحاطت بجميع التحديات المشتركة؛ وفي مقدمتها قضية الهجرة”.
وأردف المتحدث: “هذا ما يدفعنا إلى المطالبة بأن تدفع هذه الاتفاقية الاستراتيجية في تعزيز إطار قانوني ينظم التنقلات النظامية ويُسهلها ويُجوّد الخدمات المرتبطة بها نحو الأفضل، لتتم في احترام تام لحقوق المواطنين المغاربة وكرامتهم الإنسانية”.
وأكد رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان أن “المغرب أكد، من خلال هذه الشراكة، أنه بقدر حرصه على تسهيل التنقلات النظامية بين البلدين، ما يرفع عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، بقدر حرصه على استقبال مواطنيه الذين يثبت أنهم غادروا الأراضي المغربية بطرق غير نظامية”.
واستدرك الخضري بالقول إن “المملكة، على هذا الصعيد، لديها الحق في المطالبة بتفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة؛ وهو ما يطرح على الشريك الفرنسي مسؤولية معالجة بعض العقبات القانونية والإدارية لديه التي تحول دون سير عمليات الترحيل بكيفية سلسة”.