الأمم المتحدة – أصدر مجلس الأمن الدولي، أول أمس الخميس، قرارا جديدا حول نزاع الصحراء المغربية، جدد بموجبه ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “المينورسو” لمدة عام كامل إلى غاية 31 أكتوبر 2025، كما أكد على الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل جاد وذي مصداقية.
ونوّه خبراء بالقرار معتبرين أنه يحمل “مؤشرات إيجابية” لصالح المغرب، في المقابل أبان عن عزلة الجزائر داخل المنتظم الدولي، معتبرين على صعيد آخر أن “الحذر واجب”.
وفي هذا الإطار، قال أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية ومتخصص في ملف الصحراء، إن القرار الجديد لمجلس الأمن 2756 حول الصحراء المغربية يحمل مؤشرات إيجابية للمغرب، متابعا ضمن تصريح لهسبريس: “أكبر دليل على ذلك هو فرار المندوب الجزائري لدى الأمم المتحدة من جلسة التصويت، بعد (الحُكرة) والاحتقار الذي تعرض له من طرف الأعضاء الدائمين إذ لم يعيروا أي اهتمام للتعديلين اللذين حاول إقحامهما في مشروع القرار”.
عُزلة الجزائر
وأكد نور الدين أن “الجزائر تلقت الضربة القاضية حين لم يصوت أي عضو من مجلس الأمن ضد القرار الذي ترفضه الجزائر وتعتبره داعما للمغرب؛ بما في ذلك الدول التي يتوهم النظام الجزائري أنها حليفته، وأقصد روسيا الفيدرالية بالدرجة الأولى، ثم الصين بالدرجة الثانية”.
وتابع الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في ملف الصحراء قائلا: “الأدهى من ذلك كله هو أن الموزنبيق، التي تعترف بجمهورية تندوف ورئيسها ابن بطوش، هي الأخرى لم تصوّت ضد القرار”، مستنتجا: “إذن، نحن أمام هزيمة مدوية للجزائر؛ من أبرز تجلياتها وقوف الجزائر وحيدة ضد المغرب، مكشوفة الأوراق بعد عقود من التستر خلف شعارات أنها غير معنية بالصراع وأسطوانة حق الشعوب وهي تحرم شعبها من تقرير مصيره بقوة السلاح. لقد ظهرت الجزائر على منصة مجلس الأمن، حيث يمكن لكل دول العالم أن تشاهدها مهزومة معزولة، بلا شفيع ولا صديق حميم، وحيدة في ضلالها المُبين”.
حذر واجب
على صعيد آخر، قال نور الدين إنه “يجب علينا أن نبقى حذرين من التصفيق للقرار الأممي؛ لأنه ما زال دون المستوى المطلوب منه في الإدانة الواضحة للطرف الوحيد الذي يعرقل مسلسل التسوية، ولا يزال لا يندد بلغة صارمة بما تقوم به الجزائر من أعمال تنسف كل الجهود المبذولة من أجل الوصول إلى الحل السياسي وطي هذا الملف”.
وذكر المتخصص في ملف الصحراء بأن القرار نفسه “يعرب عن قلقه إزاء انتهاكات الاتفاقات المبرمة مع الأمم المتحدة، في إشارة إلى خرق وقف إطلاق النار من طرف الجبهة الانفصالية والجزائر، وإعلانهما التنصل من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يعتبر الأساس والأرضية التي بُني عليها كل مسلسل التسوية”، قائلا: “ويكتفي القرار بالتأكيد على وجوب احترام وقف إطلاق النار، والامتناع عن أي عمل من شأنه زعزعة استقرار الوضع في الصحراء؛ ولكن القرار يستعمل لغة الخشب ويعوّم المسؤوليات. إن القرار لا يدين الجبهة والجزائر، ويستعمل صيغة مبهمة عوض تسمية الجزائر وربيبتها الانفصالية؛ لأنهما يقوضان السلم ويخرقان وقف إطلاق النار. وهذا تدليس من طرف مجلس الأمن وهروب من تحمل مسؤولياته”.
وذكر نور الدين أن القرار نفسه “يشجع” الأطراف على مواصلة تعاونها مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والجميع يعلم أن القانون الدولي وخاصة اتفاقية جنيف تحمل البلد المضيف حصريا ودون سواه مسؤولية اللاجئين، وتمتيعهم بكل حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك الحصول على الوضع القانوني للاجئ، وباقي الحقوق التي تترتب عن هذا الحق الأساسي والمركزي ومنها حرية التنقل داخل وخارج الجزائر، وحرية العودة إلى موطنهم الأصلي المغرب وحرية العمل خارج المخيمات في كل التراب الجزائري”.
وعلق نور الدين قائلا: “نحن نعلم أن الجزائر تمنع اللاجئين من حقهم في الوضع القانوني للاجئ، وتمنع المفوضية العليا للاجئين من الإشراف على المخيمات، وهي وضعية شاذة على المستوى العالمي. وعوض أن نجد توصية تدين الجزائر بشكل واضح على هذه الأفعال المتناقضة مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، نجد القرار يستعمل لفظ (يشجع)”، معتبرا أنه: “تواطؤ على ذبح القوانين وعلى محاصرة اللاجئين المدنيين داخل سجن مفتوح في مخيمات الرابوني”، حسب تعبيره.
وأضاف المتحدث عينه: “في نفس السياق، معروف أن القانون الدولي يفرض على الدولة المضيفة أي الجزائر أن تطبق قوانينها في المخيمات، نجد الجزائر قد فوضت لميليشيات البوليساريو الإرهابية القيام مقام الدولة الجزائرية وفرض إرادتها خارج القانون الجزائري؛ وهذا في حد ذات انتهاك خطير بل ربما هو الأخطر بالنسبة للضحايا المدنيين الذين أصبحوا تحت رحمة عصابات إجرامية مسلحة تتحكم في مصيرهم خارج أي قانون”، معلقا: “مع الأسف، لا نجد توصية في القرار تدين هذا السلوك الجزائري”.
وتابع نور الدين قائلا: “هذا فيض من غيض ما يمكن أن ننتقده في القرار الأممي؛ ولكن هذا لا ينفي كون القرار شكل هزيمة نكراء للجزائر وضد مشروعها الانفصالي ضد المغرب والذي أنفقت عليه عشرات المليارات من الدولارات خلال نصف قرن من سياستها العدوانية والعدائية تجاه المغرب”.
جدية ومصداقية
من جانبه، قال عبد الفتاح الفاتيحي، الباحث المتخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي، إن “القرار رقم 2756 يمنح الموقف التفاوضي للمغرب حول الصحراء مزيدا من الجدية والمصداقية، وهي التي تزيد من ثقة مجلس الأمن في الاستناد إلى المقاربة الواقعية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء”.
وأضاف الفاتيحي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “القرار يعيد تمديد ولاية المينورسو تبعا لما علم به في َتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص تزايد الدول القوية تأييدها لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حل أكثر واقعية لحل النزاع حول الصحراء”.
وأردف الباحث المتخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي قائلا: “إن القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي وهو يرفض محاولة الجزائر التملص من دورها الرئيسي كطرف أساسي في الموائد المستديرة وقد تضمن القرار بما يؤشر على ذلك صراحة يضع الجزائر وصنيعتها البوليساريو في مواجهة الشرعية الدولية ويحملها مزيدا من الضغوط الدولية على اعتبار ما تعملان عليه من الزيادة في أسباب تهديد الأمن والاستقرار الدوليين”.
وشرح الفاتيحي قائلا: “لذلك، دعا القرار الأطراف التي خرجت عن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع الأمم المتحدة ويحثها على العودة إلى الاتفاق والكف عن القيام أعمال قتالية وعرقلة قيام أعضاء المينورسو من أداء أدوارهم لمراقبة شروط وقف إطلاق النار ما وراء شرق الجدار الرملي بالصحراء”.
وخلص المتحدث عينه إلى القول إن القرار رقم 2756 “يؤسس لمرحلة فارقة بتكريس التراكم المحقق في هذا الاتجاه تحديد مواصفات الحل، الذي يجب أن يكون سياسيا واقعيا وعمليا ومستداما؛ وهو ما يتوافق تماما مع مبادرة الحكم الذاتي”.
مملكتنا.م.ش.س