القصبة .. دوار مغربي في مواجهة التغيرات المناخية والانهيار المجتمعي

الأربعاء 6 نوفمبر 2024 - 16:20

ريم تواغد

■اختلال التوازن البيئي بعد جفاف (2018-2024) وعواقبه على البيئة والساكنة او حين تكشر الطبيعة عن أنيابها:

خلال السنوات الست الاخيرة عرف الدوار -والمغرب عموما-جفافا لم يشهده من قبل .ارتفعت درجات الحرارة العليا إلى ازيد من 46° خلال الصيف وتناقص متوسط التساقطات السنوية الى مستويات غير مسبوقة.وفاقم من آثار هذا الجفاف جشع ملاكي الاستغلاليات الفلاحية الكبرى وضغط الساكنة على الموارد الطبيعية وعدم إدراكها لخطورة هذه التغيرات واعتبارها حدثا عابرا.

1-فقدان التوازن الطبيعي واختلال التنوع البيئي:

ادت ندرة التساقطات والموجات الحرارية القياسية وتكاثر الثقب الماءية إلى تراجع سريع ونضوب الفرشة المائية الجوفية.جفت عيون الماء والآبار وتم حقن مياه نهر سبو المجاور في سدود لنقل مياهه الى المدن الكبرى فاصبحت الساكنة والماشية تعاني من ازمة عطش.وانقرضت فصائل حيوانية من وحوش وطيور وحشرات كان يصطادها السكان، وفصائل نباتية شكلت مصدر غذاء للساكنة وللماشية ايضا .وعملت الامطار الطوفانية غير المعهودة على انجراف التربة وتعريتها إضافة الى خسائرها البشرية والاقتصادية.وأضرت الحرائق الناجمة عن الارتفاع الشديد للحرارة بالغابات وفاقم من تدهورها القطع والرعي الجائرين .وتراجع الانتاج الفلاحي من أغراس وزراعات بورية فأدى الى نقص الغذاء للإنسان والماشية وغلاء أسعاره. وتكاثرت امراض النباتات مما جعل بعضها يندثر تماما مثل نبات الصبار.

2-حين ترتفع أسعار المواد الغذائية وعلف الماشية !

أدى الجفاف المتتالي وموجات الحرارة المرتفعة(37° لشهر يناير 2023 خلال فصل الشتاء/50,4° صيفا) الى جذب المراعي وتدمير المحاصيل الزراعية،فأصبح الفلاح يتزود بالحبوب والقطاني والزيوت إضافة إلى أعلاف الماشية من السوق بأسعار مضاعفة بعد تراجع دخله السنوي توازيا مع ارتفاع نسبة التضخم وعواقب كورونا وتمكن العادات الاستهلاكية منه ؛وهي نصيبه من العولمة الذي لا يخطىء الطريق.وادى التراجع المهول للدخل والبطالة الى استنزاف ما تبقى من الموارد الطبيعية خاصة القطع الجائر للاشجار الغابوية والاعشاب العطرية وبيع انواع من الطيور فتم إتلاف وتخريب الانظمة البيئية ومنع تجددها. وتم تدمير المحاصيل الزراعية وهلاك قطعان الماشية وازدياد قابليتها للامراض.

3-تحولت الساكنة إلى كائنات “سماوية” !


“ليس الزرع الذي يجف ويصفر وإنما قلبي من يجف،وليس البقرة التي اراها تزداد نحافة من ستنفق ولكن روحي هي التي تموت بالتدريج”هكذا قال شيخ مسن من الدوار.لا تعول الساكنة على أية جهة سوى على طلب اولياء الله وعلى الله لكي تمطر السماء التي يترقبونها كل صبح وعند مغيب الشمس علها تحمل سحبا ممطرة.لكن الافق المحمر دوما عند المغيب لا يبشر بسقوط الامطار حسب خبرتهم لقرون .”إيلا حمرات فالعشي.،وجد احمارك للمشي”. يرفعون أيديهم ودعواتهم وأعينهم إلى السماء دون ملل . ينظمون صلاة الاستسقاء داخل المسجد الكبير.يعتقدون ان الجفاف هو عقاب إلهي عن ارتكابهم للمعاصي والذنوب،فيجندون الاطفال الصغار للقيام بطقس “ماطا” لطلب الغيث وإعداد وجبة غذاء داخل ضريح الولي الصالح سيدي عبد الله؛ عسى ان تشفع لهم براءتهم عند الله فيلبي طلبهم. لكن السماء تتمنع والله لم يستجب ومصمم على الرفض للموسم الفلاحي السادس .إنها اللعنة الالهية او علامة الساعة!
اصبح الفلاح يرى أجزاء منه تموت:الشجرة والماشية والمزروعات. وسيكون مضطرا امام ازمة العطش ونقص وغلاء الغذاء الى هجرة ارض أسلافه حيث تحمل كل صخرة ومكان ذكريات وبصمات الماضي .والادهى من ذلك انه سيلتحق بهم الى الدار الآخرة والله غير راض عنه،واللعنة تلاحقه!
ولن يغادر هذا الجحيم الدنيوي إلا لجحيم أكثر قسوة ؛فضاع حلمه بالجنة الموعودة.تزايدت ضغوطه النفسية والاجتماعية فأصبحت سلوكاته عدوانية على غير عادته وتخلى عن قيم التضامن والكرم وإعانة الضعفاء والمحتاجين التي توارثها عن الاجداد ،فغدا أنانيا متطرفا وانتهازيا شعاره :”انا ومن بعدي الطوفان.”
وفاقم الصراع بين الساكنة حول الماء-الذي اصبح مصدر كل ثروة- من انقسامات الساكنة الى أحلاف متحاربة.
فماتت الطبيعة وماتت قيم الجماعة وعاد دوار القصبة غريبا حتى عن أهاليه! لم تدمر أزمة المناخ البيئة الطبيعية فحسب،بل دمرت أيضا التماسك الاجتماعي للقرية ،وتركت أهلها في حالة من اليأس والإحباط في مواجهة مستقبل مجهول.

■التدخل الحكومي: أي وقع على السكان المحليين؟

بينما يكافح سكان القصبة الجفاف المستمر، تدخلت الحكومة المغربية للتخفيف من بعض الصعوبات التي يواجهها السكان المحليون. وإدراكًا للتهديد المتزايد لتغير المناخ، نفذ المغرب عدة استراتيجيات وطنية
للتخفيف من آثاره ومساعدة الفئات الأكثر هشاشة وعوزا.
وانخرط في الجهود الاممية لمكافحة آثار التغيرات المناخية حيث صادق على الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في عام 1995، وبروتوكول كيوتو في عام 2002، واتفاقية باريس في عام 2016. وقد ترجم أحكامها إلى استراتيجية تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري، وخاصة من خلال تطوير الطاقات المتجددة وتوسيع المساحات الغابوية والزارعية ، كما طور المغرب استراتيجية للتكيف تركز على توفير مياه الري وتعبئة مصادر المياه غير التقليدية، مثل تحلية المياه وإعادة التدوير والاستمطار الآلي بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة الاستراتيجية الوطنية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية لإضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى البنية التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل التعليم والصحة ومياه الشرب. واستجابة للجفاف المستمر، اتخذت الدولة تدابير طارئة لمساعدة الأسر الريفية المعوزة ومربي الماشية. وبالتالي، قدمت الشعير المدعوم لمربي الماشية، ووزعت المساعدات الغذائية على الأسر الفقيرة. سبقت هذه التدابير ثلاثة برامج للدعم الاجتماعي بما في ذلك “تيسير” الذي يقضي بدفع منح شهرية لأولياء أمور التلاميذ في المدرسة بهدف تعميم التعليم ومكافحة التسرب من المدارس. ولتعميم التغطية الصحية، طورت الدولة برنامج “AMO” اعتبارًا من عام 2022. تفاقم الفقر بعد وباء “كوفيد 19″ والجفاف المتتالي، مما دفع الدولة إلى دفع مبلغ خمسين دولارًا شهريًا لـالأسر المؤهلة للحصول على المساعدات بموجب برنامج السجل الاجتماعي الموحد”RSU”.

إن هذه التدابير – على الرغم من ضرورتها – لا تطمئن المستفيدين الذين يشعرون بالقلق بشأن وضعهم هذا والذين يرغبون
في أخذ مصيرهم بأيديهم.
وهذا لن يحصل بالضرورة إلا من خلال معلومات صحيحة وكاملة عن العواقب الخطيرة لتغير المناخ، واستعادة الثقة المتبادلة بين الساكنة والمؤسسات
، وإعادة الارتباط بالممارسات والخبرات المتواضعة عن الاسلاف والقيم الدينية
المتعلقة باقتصاد المياه وبناء المباني كما هو الحال مع الاستهلاك وواجب التضامن. كما يجب على الدولة أن تتخذ تدابير حازمة وزجرية مستعجلة ضد هدر المياه من قبيل تخلي ملاك الاستغلاليات الزراعية الكبرى عن الزراعات النهمة في استهلاك الماء مثل البطيخ والبطيخ الاحمر
(الدلاح)والأفوكادو وما شابه و المخصصة للتصدير بشكل أساسي وتشجيع
الزراعات المعيشية التي تنتج الغذاء للسكان وتحافظ على البذور الأصيلة والتنوين الطبيعي.

■خلاصة:

سعينانا إلى وصف انقلاب وتغير الوضع البيئي الناجم عن تغير المناخ في قرية مغربية ذات مناخ شبه قاحل. أمافي القرى الواقعة بالجنوب الشرقي، حيث المناخ الجاف أو شبه الصحراوي، فالوضع يصبح أكثر خطورة. فالسكان المحليون، الذين ضعفوا وزعزع استقرارهم بسبب تدمير مواشيهم ومواردهم الغذائية والمائية والبنية الأساسية والاقتصاد، أصبحوا أكثر فقراً. وبالنسبة لهم، فإن المخاوف المباشرة مثل المياه والغذاء تفوق بكثير الاعتبارات البيئية مثل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو الطاقة المتجددة، أو القانون البيئي الدولي.

والكلمة التي تصف حالتهم العقلية والنفسية على أفضل وجه هي اللايقين.
فهم يشعرون بالقلق إزاء هطول الأمطار غير المتوقع، والجفاف والأوبئة، والفيضانات، وأمراض النباتات، ودعم الدولة. وبسبب عجزهم عن التنبؤ بمستقبلهم، فهم يتوقعون فقط الأسوأ. ورداً على ذلك، دفعتهم غرائز البقاء لديهم إلى تبني سلوكيات غير معتادة.
ولهذا السبب فإن التربية على التغيرات المناخية يصبح أمرا بالغ الأهمية إذ يمكنه أن يرفع الوعي العلمي بخصائص هذه التغيرات ، ويساعد المجتمعات على التكيف مع مخاطر المناخ وتملك مصيرها، ويؤثر على السياسات العامة. وهي دعوة للمنظمات غير الحكومية البيئية والإنسانية لكي تقوم بتنزيل شعار “عالم واحد، إنسانية واحدة، مصير واحد، مسؤولية واحدة” إلى برامج عمل فعلية .

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

السبت 25 يناير 2025 - 22:19

إقليم تطوان .. السيد البواري يطلع ويطلق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية

السبت 25 يناير 2025 - 19:38

إفران .. استفادة أزيد من 4000 أسرة من عملية واسعة النطاق لمواجهة آثار موجة البرد

السبت 25 يناير 2025 - 18:43

موجة البرد ببني ملال .. تعبئة مكثفة لترشيد الدعم والمساعدة

السبت 25 يناير 2025 - 17:40

وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية