متحف دار كناوة بمراكش .. ذاكرة حية لفن ضارب في التاريخ

الأحد 9 فبراير 2025 - 14:13

عز الدين إزيان

مراكش – في خطوة رائدة لحماية التراث اللامادي، كشف متحف دار كناوة عن “كُيُّو”، أول مساعد ثقافي ذكي تم تطويره بالكامل في المغرب. ويعد هذا المشروع، الذي أنجز بأيدي مهندسين وخبراء مغاربة، جزءا من رؤية “المغرب الرقمي 2030″، حيث يسعى إلى نقل وتعزيز الإرث الكناوي من خلال الذكاء الاصطناعي، مع إرساء أسس تعاون إفريقي غير مسبوق.

يمثل “كيو” نقطة التقاء بين التراث الروحي الكناوي المصنف ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني، والطموح الوطني لترسيخ موقع المغرب كمركز إقليمي للتكنولوجيا المتقدمة. ويهدف إلى إتاحة الوصول إلى الطقوس الكناوية مثل “ليلة”، والتعريف بالقصائد الصوفية وتاريخ هذا الفن العريق، مع تعزيز التربية الثقافية من خلال محتويات تعليمية متخصصة، وترسيخ مكانة المغرب كرائد في الابتكار الأخلاقي بإفريقيا.

تم تطوير هذا النظام المبتكر عبر شراكة بين مهندسين مغاربة وحفاظ التراث الكناوي، حيث يعتمد على نظام معالجة لغوية متعدد اللغات تم تدريبه على مخطوطات تاريخية، ونصوص طقسية لاحتفالات “ليلة”، بالإضافة إلى مقابلات مع “المْعلمين” الكناويين. ويؤكد القائمون على المشروع أن “كيو” ليس مجرد ابتكار تقني، بل هو فعل مقاومة ثقافية يثبت، بتوجيه من رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن الرقمنة يمكن أن تكون درعًا ضد التنميط العالمي.

يحتل متحف دار كناوة في مراكش مكانة فريدة باعتباره أول متحف مخصص بالكامل للتراث الكناوي في المغرب. ويوفر هذا الفضاء الثقافي نافذة حية على تاريخ وتقاليد كناوة، حيث يعرض آلات موسيقية تقليدية، وأزياء احتفالية، ومخطوطات نادرة، ومقتنيات تروي تاريخ هذا الفن الصوفي. كما يشكل المتحف منصة تفاعلية للبحث والتوثيق، حيث يستضيف فعاليات وندوات علمية تسلط الضوء على الأبعاد الروحية والاجتماعية لهذا الموروث.

تكمن أهمية هذا المتحف في دوره المحوري في الحفاظ على الهوية الثقافية للمغرب من خلال تقديم تجربة غنية تجمع بين العروض الموسيقية، ورشات العمل، وجلسات الحوار مع “المعلمين”، مما يسمح للزوار بالتفاعل المباشر مع هذا التراث الحي. كما يساهم في تعزيز السياحة الثقافية في مراكش، حيث أصبح محطة رئيسية للباحثين والمهتمين بالموسيقى الصوفية والتقاليد الإفريقية التي تشكلت عبر قرون من التفاعل الحضاري.

إضافة إلى دوره في التوثيق، يسهم المتحف في نشر الوعي بأهمية الفن الكناوي كجسر بين الثقافات، حيث يجمع بين التأثيرات الأمازيغية والإفريقية والعربية، ما يعكس غنى وتنوع المشهد الثقافي المغربي. كما أن إدخال التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي يعزز قدرته على الوصول إلى جمهور أوسع، مما يجعله نموذجًا للمؤسسات الثقافية التي تسعى إلى الجمع بين الأصالة والتجديد في سبيل صون التراث ونقله إلى الأجيال القادمة.

ويعد مشروع “كيو” جزءا من خطة بعيدة المدى لتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي في حفظ التراث الموسيقي بالمغرب وإفريقيا. وبحلول عام 2026، سيتم توسيع المبادرة لتشمل أهازيج أحواش بالأطلس، فن الملحون بالمدن العتيقة، وأغاني الحسانية بالصحراء، وذلك بالشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة الثقافة.
أما بحلول 2030، فسيأخذ المشروع بعدا إفريقيا من خلال شراكات مع مالي والسنغال لدمج تقاليد الغريوت الماندينغية والثقافة الولوفية. وعلى المدى الطويل، سيؤدي هذا العمل إلى إطلاق منصة “AfriSound”، بتمويل مشترك من البنك الإفريقي للتنمية، لتوفير وصول مجاني إلى 100,000 عمل موسيقي تقليدي من القارة الإفريقية، مما يعزز مكانة المغرب كمبتكر في الرقمنة الثقافية، ويجسد التوازن بين الحداثة وصون التراث.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الأربعاء 1 أكتوبر 2025 - 15:05

الجديدة.. سربة المقدم شرف البحراوي تتصدر ترتيب اليوم الأول للجائزة الكبرى لصاحب الجلالة الملك محمد السادس للتبوريدة

الأربعاء 1 أكتوبر 2025 - 09:54

موسم أصيلة الثقافي الدولي يرسم معالم الرؤية الإفريقية للفضاء الأطلسي

الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 - 16:43

مهرجان الجاز بالرباط، موعد أساسي للحوار بين الثقافات عبر الموسيقى (بعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب)

الإثنين 29 سبتمبر 2025 - 22:46

بنجرير .. ملتقى يسلط الضوء على الهوية الروحية للمغرب ودورها في إشاعة القيم الإنسانية