الرباط – بعد أن اختارت منذ طفولتها مهنة المحاماة بتوجيه من والديها، اكتشفت الناشرة والكاتبة أمينة العلوي الهاشمي، بمحض الصدفة، عالم الكتاب والمهن المرتبطة به، بعدما قامت بتعويض صديقة لها تشتغل في إحدى المكتبات.
“لقد كان ذلك بمثابة اكتشاف ونقطة تحول حاسمة أخذتني بعيدا عن ميدان القانون لأتفرغ، اعتبارا من سنة 1980، لعالم القراءة والثقافة”، تقول أمينة العلوي الهاشمي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، موضحة أنها كانت تتقاسم شغفها بالكتب مع زوجها الراحل عبد القادر الرتناني، أحد الوجوه البارزة في قطاع النشر بالمغرب ومؤسس دار النشر ” ملتقى الطرق” (La Croisée des Chemins). وتعود تجربتها المهنية إلى بداية ثمانينات القرن العشرين عندما شاركت، إلى جانب ماري لويز بلعربي، في إنشاء مكتبة “ملتقى الكتب” (Carrefour des Livres)، التي أصبحت مركزا ثقافيا رائدا مخصصا للتشجيع على إحداث دور النشر المحلية. وفي سنة 1995، أسست مكتبة “ملتقى الفنون” ( Carrefour des Arts)، التي أريد لها أن تكون مختبرا للإبداع الفني وتثمين التراث، مع الاهتمام بشكل خاص بالأطفال.
وأكدت السيدة العلوي الهاشمي أن “حماس الأطفال للورشات واهتمامهم المتزايد باكتشاف ثقافتهم من خلال الفن شجعني على تجاوز جدران ملتقى الفنون”، مشيرة إلى أنه من هنا ولدت فكرة إنشاء دار نشر متخصصة في كتب الأطفال، من أجل نقل ثراء التراث المغربي من خلال القراءة.
وأوضحت أن دار النشر المتخصصة في أدب الأطفال “ينبع الكتاب”، التي تأسست في سنة 2006، تضم الآن قائمة بأزيد من 100 عنوان. وكان هدفها الأساسي نشر أعمال “متجذرة بعمق في الثقافة المغربية”، بهدف مساعدة الأطفال على تعزيز الارتباط بأصولهم.
وأبرزت السيدة العلوي الهاشمي أن “أبطال هذه الحكايات، على الرغم من كونهم شخصيات معاصرة، إلا أنهم يغوصون في تقاليد وعادات المملكة، مع نقل قيم كونية”، مشيرة إلى أنه من خلال السرد والخيال، فإن هذه القصص حول التراث تجعل الفنون العريقة في متناول الجميع وتفتح آفاقا نحو المستقبل.
وتعتبر الكتب الصادرة عن دار النشر، والتي تسلط الضوء بالخصوص على رحلات ابن بطوطة، والموسيقى الأندلسية مع عبد الصادق شقارة، فضلا عن تاريخ وكيفية صناعة العود، أيضا دعامات لأنشطة ترفيهية حول الكسكس والزرابي وعناصر أخرى من التراث المغربي.
وبعد أن نجحت في نشر العديد من الكتب التراثية، وجهت السيدة أمينة عملها نحو تطوير أدب الأطفال واليافعين الذي تصفه بـ”الحديث والكوني”، من خلال رسوم تحمل البصمة المغربية، فضلا عن أعمال مستوحاة من أحفادها، من بينها مقال “قلق ليل” وألبوم الأطفال “علياء والقطط الثلاث” الذي ت رجم إلى عدة لغات وطبع في 73 ألف نسخة في بلدان مختلفة.
وأبرزت أن هذه الكتب حققت نجاحا كبيرا ، وعبرت الحدود واختارتها مكتبات عالمية مرموقة مثل مكتبة ميونخ والمكتبة الوطنية الفرنسية، كما حصلت على عدة جوائز، مشيرة إلى أن بعضها مدرج ضمن قائمة “الغربان البيضاء” المرموقة وترجمت إلى عدة لغات.
ترى السيدة العلوي الهاشمي، التي حصلت دار نشرها على جائزة بولونيا المرموقة لأفضل ناشر لكتب الأطفال وجائزة أفضل دار نشر لكتب الأطفال في إفريقيا سنة 2024، أن الكتاب “محرك قوي للروابط الاجتماعية ونقل القيم بين الأجيال”. ولا تفتأ تواصل الدعوة إلى دمقرطة الولوج إلى الكتب، في إطار “رغبة شخصية عميقة في تكريم زوجها الراحل الذي شاركها نفس النضال”.
ومن هذا المنطلق، ساهمت في العديد من المبادرات، منها مبادرة “كتاب لكل طفل” التي استفاد بفضلها أكثر من 150 ألف طفل من كتاب بالمجان، و”قافلة القراءة التضامنية” التي مكنت من نشر 240 ألف كتاب بيعت بسعر عمومي حدد في عشرة دراهم، ومبادرة “مكتبة لكل أسرة” التي قدمت لألف أسرة مكتبة تضم 22 كتابا لكل منها.
تؤكد أمينة العلوي الهاشمي أنها سعيدة لكون الكتاب أصبح، بفضل هذه المبادرات، في قلب دينامية للتبادل والمشاركة داخل الأسر ولمساهمتها في المشهد التربوي بالمغرب، لتبصم بذلك على مسار مهني مثير للإعجاب أساسه المثابرة والالتزام.
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع