تتبع في الصحافة الوطنية بالشمال لقصة عيد العرش بالمغرب وصور من ذاكرة الاحتفال بتطوان

السبت 5 أغسطس 2023 - 13:54

بقلم منية عمر عبد السلام الصفار

تطوان ــ هي ذكرى تعيد للمغرب مجده الأثيل، ولشخصية عاهله شرعيته التاريخية العميقة الجذور في ماضي التاريخ المغربي التليد، وتربط الشعب بالعرش برباط المحبة والوفاء، والجود والبقاء، ومن أجل ذلك قامت فئة من أبناء الوطن العزيز تفكر في جعل هذا الحدث رمزا لسيادة المغرب والجالس على عرشه الوطيد، فتكونت لهذه الغاية جماعة وطنية بقيادة نقيب الشرفاء العلويين مولاي عبد الرحمن بن زيدان، وقدمت طلبا بجعل يوم 18 نوفمبر وهو اليوم الذي ارتقى فيه جلالة محمد الخامس على كرسي مملكة المغرب عام 1927 يوما قوميا يكون عيدا للعرش تحتفل فيه الأمة برمز وحدتها وعزتها ومجدها، ويكون عيدا وطنيا يعلي من شأن المغرب بين الأمم، وأجيبت رغبة هذه الفئة البارة من الوطنيين المخلصين، فصدر قرار وزيري بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1934 (21 رجب 1353) بإمضاء الصدر الأعظم محمد المقري وموافقة المقيم العام الفرنسي هنري بونسو، وصدر بالجريدة الرسمية بالرباط في العدد المؤرخ بتاريخ يوم الجمعة 2 نوفمبر سنة 1934 (23 رجب 1353) كما صدر هذا القرار باللغة الفرنسية في مجلة المغرب للسنة الثالثة بتاريخ شعبان 1353 موافق نوفمبر 1934 لمديرها ورئيس تحريرها محمد الصالح ميسة تحت عنوان (عيد العرش) قال فيه صدر قرار وزيري باتخاذ اليوم الثمن عشر من شهر نوفمبر الذي جلس فيه صاحب الجلالة الشريفة على عرش المغرب عيدا رسميا ولأهمية هذا القرار ننشر نصه.
وفي مجلة السلام لصاحبها محمد داود العدد الخامس من السنة الأولى شوال 1352 (فبراير 1934)، نشرت عدة صور لاحتفال الشبيبة المغربية بعيد العرش في كل من مراكش وسلا، يقول الأستاذ داود: إقامة حفلات عيد العرش لم تعرف في هذا القطر قبل هذه السنة، إلا أنها عادة ينبغي أن تتبع في كل سنة لما فيها من البرهان القاطع على إخلاص الأمة والتفاف سائر طبقاتها حول سلطانها الذي هو رمز وحدتها، وعلى شدة تعلقها بعرش مملكتها وحائط كيانها، وخصوصا إذا انضم إلى ذلك تعميم التوسعة على المحتاجين وإطعام الضعفاء والمساكين.
وبهذه المناسبة، مناسبة اتخاذ جلوس السلطان على عرشه أسلافه من أهم الأعياد الوطنية التي تحتفل الأمة بها مدى الأزمان فقد تقدم الأستاذ داود على صفحات مجلته برجاء إلى صاحب الجلالة محمد الخامس حامي النهضة أن يأمر برفع القيود الجائرة وكسر الأغلال الثقيلة بإصدار ظهير شريف بإطلاق الحرية القانونية للصحافة العربية، ومنح الأمة حرية الاجتماع والنشر وتأليف الجمعيات والأحزاب السياسية في سائر بلادكم العزيزة.
وفي عدد دعوة الحق الخاص بعيد العرش لسنة 1984 – 1304 كتب الأستاذ محمد العربي الشاوش في مقال عن قصة عيد العرش بتطوان يقول، ما أن علمت الكتلة الوطنية بعاصمة المنطقة الشمالية بخبر عيد العرش واطلعت على القرار المنشور بهذا الشأن، حتى بادرت بالدعوة إلى إظهار الأفراح يوم 18 نوفمبر 1934 برفع الأعلام المغربية، ونشر صورة جلالة الملك لأول مرة في الشمال كتعبير من المواطنين الشماليين على تمسكهم بالوحدة المغربية الممثلة في شخصية ملك البلاد، وبادرت الكتلة الوطنية الشمالية بإرسال برقية تهنئة إلى جلالة الملك الذي كان يومه 18-11_1934 في مدينة مراكش وهذا نص البرقية:
صاحب الجلالة مولانا محمد سلطان المغرب، الكتلة الوطنية بتطوان تتشرف برفع تهانيها إلى سدتكم العالية بعيد جلوسكم على العرش العلوي الخالد، وترجوا لجلالتكم وسمو ولي عهدكم أمير الأطلس طول العمر وكامل السعادة، عن الكتلة الوطنية: التهامي الوزاني، عبد الخالق الطريس، عبد السلام بن جلون، محمد أفيلال، الحسين بن عبد الوهاب، محمد داود.
كما وجهت جمعية الطالب المغربية برقية تهنئة بإمضاء رئيسها التهامي الوزاني هذا نصها:
باسم جمعيتنا أرفع إلى سدتكم العالية أسمى التهاني بمناسبة عيد جلوس جلالتكم سائلا المولى أن يديم جلالتكم.
وأصدرت جريدة الحياة عددا خاصا بعيد العرش هو العدد 36 بتاريخ 11 شعبان 1353 موافق 18 نوفمبر 1934 زينته بصورة لجلالة الملك ونشرت مقالات هامة في الموضوع منها افتتاحية الجريدة بقلم المرحوم عبد السلام بن جلون قال فيها: اليوم تسخر الأمة المغربية بكل تفرقة تحاول، وتهزأ بكل حد منحدود الجغرافية المصطلح على وضعه، وتنادي بصوت جهوري تردد صداه في جنبات المغرب من أقصاه إلى أقصاه أن عاشت الوحدة المغربية، وفي مقالة لأبي الفداء (محمد المكي الناصري) بعنوان (عيد العرش عيد القومية المغربية): لماذا هذه الجمارك والجوازات داخل المملكة المغربية، العرش المغربي هو الضامن الوحيد للجنسية المغربية الموحدة، العرش الذي هو عماد الدولة المغربية التي لا تزال قائمة معترفا بوجودها في عالم السياسة والقانون، ولولا العرش المغربي لأصبح المغرب مستعمرة من المستعمرات الأجنبية، العرش المغربية في نظرنا هو حامي القومية المغربية وحائطها من الانحلال والاندماج في غيرها من القوميات.
وكانت أول حفلة خطابية وطنية نظمت من جانب الكتلة الوطنية للاحتفال بعيد العرش بدار الباشا سلام الحاج يوم 18-11-1953 خطب فيها: التهامي الوزاني، وحضر فيها جمع غفير من الوطنيين وتلاميذ المدارس ينشدون الأناشيد الوطنية، وأقيم حفل شاي للحاضرين.
وقد أحدثت الحماية الإسبانية عيدا رسميا تعطل فيه المصالح والأعمال هو عيد جلوس الخليفة على كرسي الخلافة السلطانية بهذه المنطقة، وجعلوه في اليوم 8 نوفمبر مع أن تولية مولاي الحسن بن المهدي كانت يوم 25 يوليوز سنة 1925.
وقد احتفلت تطوان بعيد العرش لسنة 1952 احتفالا رائعا كما احتفلت سنة 1953 احتفالا لا مثيل له خصوصا أن صاحب الجلالة كان في حالة نفي.
وفي وفد رسمي برآسة الفقيه السيد الحاج أحمد الرهوني سنة 1927 حمل البيعة الرسمية لمنطقة الشمال إلى جلالة محمد الخامس، وجددت هذه البيعة في ربيع سنة 1953 بوثيقة تاريخية مؤرخة في 29 أبريل 1953، وفي إطار المشروعية احتفلت تطوان يوم 18-11-1953 وأقام حزب الإصلاح الوطني حفلة خطابية كبرى بدار رئيسه الأستاذ الطريس خطب فيها كما هو مسجل بمحضر جلسة يوم 12-11-1953 كل من الأستاذ الطريس والفقيه محمد الطنجي، والمهدي بنونة وحمد العربي الشاوش، وصدر عدد ممتاز من جريدة الأمة وأقام الاتحاد النسائي حفلة بدار الحاج خطبت فيها السيدات: خدوج الخطيب، عالية الشاوش وخديجة السلاوي، ووزعت الصدقات وقرأ اللطيف في جميع المساجد، وفي سنة 1954 قرر الحزب حسب ما هو في محضر جلسة 29-10-1954 أن يحتفل بعيد العرش كما يأتي:

مهرجان خطابي بدار اللبادي يوم 18-11

حفلة الاتحاد النسائي بدار الطريس 19-11

حفلة سمر تقيمها جريدة الأمة بدار الحاج 19-11

إصدار عدد خاص من جريدة الأمة

حفلات في جميع المدن بإشراف رؤساء الفروع

تزيين المدن بالأعلام الوطنية وصور جلالة الملك وإقامة حفلات بمراكز الدوائر

توزيع الصدقات

احتفال المتاجر والمعامل

إلفات نظر خطباء الجمعة للإشارة إلى يوم ذكرى جلالة محمد الخامس

التوقيع على دفتر التشريفات بالقصر الخليفي

تنظيم مسابقة شعرية ونثرية تشمل جائزتين الأولى ألف بسيطة والثانية خمسمائة بسيطة، وتكون لجنة التحكيم: عبد الله كنون، محمد الطنجي، محمد بنونة، محمد بن تاويت، محمد داود

تقرر أن يخطب في المهرجان الخطابي: عبد الخالق الطريس، الطيب بنونة ، محمد الطنجي، محمد بن الحداد، محمد العربي الشاوش.

وعندما رجع صاحب الجلالة من منفاه بمدينة انسيرابي جزيرة مدغشقر، ونزوله ضيفا على الحكومة الفرنسية بمنزل هنري الرابع بضاحية سان جيرمان بباريس، ثم محادثته مع الرئيس انطوان بلاسيل سان كلو، بتاريخ 6 نوفمبر 1955 وتصريحه بقول: “سأعود في القريب العاجل إن شاء الله مصحوبا بما يطمح إليه الشعب ويتمناه”، ثم وقع الاتفاق على حلوله الميمون بعاصمة المملكة الرباط في 16 نوفمبر، وأمام هذه التطورات وسرعة الأحداث المفرحة قرر حزب الإصلاح الوطني وضع الترتيبات اللازمة للاحتفال بهذا الحدث الوطني العظيم، والمناسبة التاريخية الخالدة وذلك 16، 17، 18 نوفمبر 1955، وأصدر بيانا بذلك يتضمن:

على جميع طبقات الشعب بتطوان والمنطقة الخليفية أن يبتهجوا ويفرحوا بهذه المناسبة السعيدة التي ستبدأ فيها تحقيق المطالب الشعبية في الحرية والعدالة والاستقلال والوحدة.

أعطيت الأوامر لجميع فروع الحزب بجعل 16 نوفمبر عيدا وطنيا يسمى عيد العودة المظفرة لجلالة الملك محمد الخامس.

تجمع كبير بساحة الفدان على الساعة العاشرة صباحا من يوم 16 نوفمبر وعندما تدوي طلقات المجافع إيذانا بنزول صاحب الجلالة بأرض أسلافه ودخوله قصره المنيف بعاصمة ملكه الرباط تصدح الموسيقى العسكرية بالنشيد الوطني الملكي ثم يتناول الكلمة زعيم الحزب محييا جلالته بسلامة الوصول والعودة محفوفا بالمجد والفخار، بعدها ينتقل وفد الحزب ليقدم التهاني لسمو الخليفة وممثل الدولة الإسبانية الخنرال غارسيا بيلينيو ومر اليوم في جو من النظام.

يوم الخميس 17 نوفمبرنظمت حفلة بدار الحاج وحفلة نسوية كبرى بدار بنونة

يوم 18 نوفمبر حفلة خطابية بدار اللبادي

وأصدرت جريدة الأمة بعددها الخاص في هذه المناسبة، ولا نبالغ إذا قلنا أن جرائد الحياة والحرية والأمة والريف، ومجلة السلام، التي احتجبت، تركة وطنية ذهبية لحزب الإصلاح الوطني الذي احتجب بدوره في منتصف مارس 1956، وفق سياسة وطنية تهدف إلى توحيد الصف الوطني بعد استقلال المغرب وبعد التصريح المغربي الفرنسي في ثاني مارس 1956 والتصريح المغربي الإسباني في سابع أبريل 1956.
وبقي يوم 18 نوفمبر غرة جبين الاحتفالات الوطنية إلى انتقل عيد العرش إلى فصل الربيع يوم الثالث من مارس الذي تربع فيه جلالة الملك الحسن الثاني على عرش أسلافه المنعمين.
وتستمر اليوم المملكة في تخليد ذكرى عيد العرش تتخلله مجموعة من الاحتفالات أبرزها حفل الولاء وتجديد روابط البيعة الشريفة التي حبى الله بها بلادنا واختصنا بالحفاظ على هذا التقليد العريق الضارب في الجذور المميز لهويتنا الراسخة، وإنها لأمانة يحملها الوطنيون والشرفاء والمخلصون أبناء هذه الأمة البررة.
 
[1]– هذه المقالة من توضيب وتخريج منية عمر عبد السلام الصفار، من مخطوط فهرسة الحاج عبد السلام الصفار للجرائد الوطنية (قيد الإعداد للطبع والنشر)، وثائق خزانة الصفار الخاصة.
[2]– رئيسة مؤسسة الصفار للثقافة والتنمية والتراث بتطوان

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الإثنين 8 سبتمبر 2025 - 21:04

عقوبة العمل للمنفعة العامة .. تفاصيل استعدادات قطاعات وزارية للتنزيل

الإثنين 8 سبتمبر 2025 - 20:38

كلميم .. انطلاق الدخول المدرسي في أجواء من الحماس والتعبئة

الإثنين 8 سبتمبر 2025 - 20:03

بنسعيد .. الوزارة تعمل على توفير بيئة قانونية مستقرة وشفافة للممارسة الصحفية تضمن فعالية التنظيم الذاتي للمهنة

الإثنين 8 سبتمبر 2025 - 18:47

مراكش تواصل بعزم إعادة ترميم مآثرها التاريخية بعد الزلزال