ترامب يستضيف الغزواني .. قمة أمريكية موريتانية تستحضر توازنات الصحراء

الأحد 6 يوليو 2025 - 11:40

واشنطن – يتوجه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الثلاثاء المقبل، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للمشاركة في قمة مصغرة تجمعه بعدد من قادة دول غرب ووسط إفريقيا، من بينها السنغال، الغابون، غينيا بيساو وليبيريا.

ووفق ما أكدته وسائل إعلام أمريكية، فإن القمة المرتقبة ستعقد يوم 9 يوليوز الجاري داخل البيت الأبيض، وستخصص لمناقشة آفاق التعاون الاقتصادي والفرص التجارية المشتركة، في إطار مقاربة أمريكية جديدة تضع الشراكة الاستراتيجية على رأس أولوياتها، بديلا عن نموذج المساعدات الكلاسيكي الذي هيمن سنوات على السياسة الأمريكية في القارة.

لكن الدعوة التي وجهها ترامب إلى الرئيس الغزواني تحمل، حسب العديد من المراقبين، أبعادا تتجاوز الطابع الاقتصادي؛ إذ تكشف بوضوح عن إدراك أمريكي متزايد لأهمية موريتانيا كفاعل إقليمي مؤثر في المعادلات الجيوسياسية لمنطقة الساحل والصحراء، خاصة في ظل ما تعرفه المنطقة من تحولات أمنية عميقة وتغير في خريطة التوازنات التقليدية.

ويرى مراقبون أن المشاركة الموريتانية في هذا المحفل الأمريكي الرفيع هي تعبير عن ثقة واشنطن في السياسة الهادئة والمتزنة التي تعتمدها نواكشوط، سواء على مستوى تدبيرها الداخلي أو فيما يتعلق بمواقفها الخارجية، وعلى رأسها موقفها من نزاع الصحراء المغربية، الذي طالما وازنت فيه بين التزامات الحياد من جهة، والانفتاح على فرص التسوية التوافقية من جهة ثانية.

وفي تعليقهم على دعوة ترامب، اعتبر عدد من الفاعلين الموريتانيين في حديثهم لهسبريس أن استضافة الغزواني في هذه القمة تمثل إشادة دولية بوزنه الإقليمي، وتمنحه دبلوماسيا هامش مناورة أوسع، يمكن استثماره في عدد من الملفات الحساسة، وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية، الذي ما زال يحتل مكانة مركزية في النقاشات الإقليمية والدولية.

ثقة أمريكية
وفي هذا الصدد، يرى محمد عبد الرحمن المجتبى، مدير عام مجموعة “الصدى” للإعلام المستقلة في موريتانيا، أن دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لحضور قمة مصغّرة في واشنطن تعكس بوضوح المكانة المتقدمة التي باتت تحظى بها موريتانيا على الساحة الإقليمية والدولية، خاصة في ظل إعادة تشكيل التحالفات بمنطقة الساحل والصحراء، وتراجع الحضور الفرنسي التقليدي مقابل صعود أمريكي متدرج.

وأضاف المجتبى، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الدعوة تأتي في سياق اهتمام أمريكي متزايد بموريتانيا لما تمثله من نموذج للاستقرار في منطقة تعج بالتحولات والانقلابات، مشيرا إلى أن “نواكشوط استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تحافظ على توازن دقيق بين متطلبات الأمن الداخلي والانفتاح السياسي، مما جعلها مؤهلة للعب دور الوسيط الإقليمي”.

وأكد أن رئاسة موريتانيا السابقة للاتحاد الإفريقي شكّلت محطة فارقة، مشيرا إلى أن الرئيس الغزواني مثل القارة في عدد من المنتديات الدولية الكبرى، ضمنها لقاءات في الولايات المتحدة والمكسيك، وحرص على طرح إشكاليات القارة الإفريقية من منطلق شمولي، جامع بين الأمن والتنمية والموارد والعدالة المناخية؛ وهو الشيء الذي أعطى بعدا إضافيا للدور الموريتاني على الساحة الدولية.

رسائل استراتيجية
وأردف الإعلامي الموريتاني أن بلاده تحتفظ بموقع جيوسياسي فريد، يؤهلها لتكون نقطة تلاقٍ بين إفريقيا جنوب الصحراء، والمغرب العربي، والعالم العربي ككل؛ وهو ما يفسر، بحسبه، “تقاطعها الاستراتيجي مع محور السعودية والإمارات، الذي يركز على محاربة الإرهاب والتطرف، والذي يجد تناغما واضحا مع الأجندة الأمريكية والفرنسية في المنطقة”.

وبخصوص العلاقات الثنائية، أبرز المتحدث أن الشراكة بين نواكشوط وواشنطن شهدت قفزة نوعية منذ العام 2013، خاصة على مستوى التعاون الاقتصادي، حيث بدأت شركات أمريكية تنظر باهتمام إلى السوق الموريتانية، خاصة في مجالات الغاز والمعادن والطاقات المتجددة، لافتا إلى أن “هناك مشاريع واعدة قيد التفاوض في مجال الهيدروجين الأخضر، يمكن أن تضع موريتانيا في مقدمة الدول النامية في هذا القطاع الحيوي”.

واعتبر المجتبى أن موريتانيا، بحكم مواقفها المتزنة، تحظى بمكانة خاصة لدى الدوائر الأمريكية، مما يفسر دعوة الرئيس الغزواني لهذا اللقاء، الذي وصفه بـ “النوعي”، مضيفا أن “بعض الملفات التي ستُناقش قد لا تُعلن رسميا للإعلام، خصوصا تلك المتعلقة بالتوازنات الإقليمية، والعلاقات العربية الإسرائيلية، وملف الصحراء الغربية، الذي تحافظ نواكشوط بشأنه على موقف الحياد الإيجابي”.

حياد موريتاني
وبخصوص نزاع الصحراء المغربية، أوضح مدير مجموعة “الصدى” الإعلامية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد موقفا يقوم على “دعم الوحدة الترابية”، لكنه في جوهره لا يتعارض مع الرؤية المغربية، بل يتقاطع معها في عدد من المحددات الأساسية، وعلى رأسها دعم مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي لإنهاء النزاع.

وأشار إلى أن واشنطن، بحكم تحالفها التاريخي مع المغرب، تنظر إلى استقرار المنطقة المغاربية كأولوية استراتيجية، وأن أي تسوية مستدامة لملف الصحراء تمر عبر مقاربة براغماتية، تراعي معطيات الجغرافيا السياسية والتحالفات الإقليمية والدولية.

وأضاف أن اللقاء المرتقب في واشنطن قد يشكل، وإن بشكل غير معلن، محطة لتداول بعض القضايا الإقليمية الحساسة، ضمنها ملف الصحراء، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، والتي تعيد إحياء النقاش حول أهمية دعم الحلول السياسية العادلة والممكنة، بدل تكريس الجمود أو تشجيع مشاريع انفصالية لا تحظى بغطاء دولي.

وفي هذا السياق، يرى المجتبى أن موريتانيا، بحكم موقعها الجيوسياسي وحيادها المدروس، قادرة على لعب دور متوازن في هذا الملف، ينسجم مع مصالح الاستقرار الإقليمي، دون الإخلال بثوابتها المبدئية، في الوقت الذي باتت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حريصة على إنهاء النزاع بما يعزز الأمن والتنمية في منطقة الساحل والمغرب العربي.

وأنهى مدير مجموعة “الصدى” تصريحه لهسبريس بالتأكيد على أن موريتانيا قادرة، بفضل تجربتها السياسية والأمنية وموقعها الجغرافي، على أن تكون طرفا فاعلا في بلورة مقاربة شاملة لمنطقة الساحل والمغرب العربي، تجمع بين منطق التهدئة، ومصالح التنمية، وتوازن العلاقات الدولية، مؤكدا أن “حضور الرئيس الغزواني في قمة واشنطن لن يكون عابرا، بل سيكون فرصة لإعادة تثبيت تموقع موريتانيا كطرف موثوق ومطلوب في المعادلات الكبرى”.

تسوية سياسية
من جانبه، قال محمد الأمين محمد المامي، باحث وكاتب صحافي موريتاني، إن دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لحضور قمة واشنطن لا تخلو من دلالات استراتيجية عميقة، سواء من حيث التوقيت أو طبيعة الدول المدعوة، مبرزا أن “الأمر يرتبط بإعادة توجيه بوصلة الاهتمام الأمريكي نحو إفريقيا، في ظل تنامي تنافس القوى الدولية على مناطق النفوذ الحيوية، خاصة منطقة الساحل التي باتت تحت مجهر العواصم الكبرى”.

وأضاف محمد المامي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن موريتانيا تمكّنت في السنوات الأخيرة من ترسيخ موقعها كفاعل وازن في محيطها الإفريقي بفضل مقاربتها الأمنية الناجحة، وتوازنها الدبلوماسي، ونجاحها في تقديم نموذج سياسي مستقر في منطقة مضطربة؛ وهو ما يجعلها حليفا موثوقا لدى القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضح أن إدارة الرئيس ترامب تراهن على شخص الرئيس الغزواني لما يمثله من حكمة سياسية وتقدير كبير في الأوساط الإفريقية، مشيرا إلى أن “نجاحه في قيادة الاتحاد الإفريقي وتنصيب مرشح موريتاني على رأس إحدى مفوضياته يعكس قدرته على التفاوض والتأثير، ويؤهله للعب دور محوري في التوازنات الجديدة التي تتشكل في القارة”.

وساطة محتملة
وفي سياق الربط مع ملف الصحراء المغربية، أكد المامي أن هذا النزاع الإقليمي يظل حاضرا بشكل غير مباشر في كل اللقاءات الإقليمية والدولية رفيعة المستوى، مرجحا أن “يكون ضمن المحاور التي ستُطرح، سواء في الجلسات الموسعة أو في اللقاءات الثنائية الجانبية، اعتبارا لمركزيته في استقرار المنطقة المغاربية، ولتقاطع المصالح الدولية حوله”.

ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن “الموقف الموريتاني يظل ثابتا منذ عقود، ويقوم على الحياد الإيجابي والدعوة إلى حل سياسي توافقي يرضي جميع الأطراف، وهو موقف يعبّر عنه الرئيس الغزواني بوضوح، مع التأكيد على رفض أي إملاءات خارجية، بما في ذلك من الجانب الأمريكي”، مبرزا أن “نواكشوط لا تبني قراراتها على أساس الاصطفاف، بل على أساس استقرار المنطقة ومصالحها الجماعية”.

واعتبر أن القادة الذين يتحلون برؤية عقلانية، وفي طليعتهم الرئيس الموريتاني، يمكن أن يسهموا في الدفع بهذا الملف نحو أرضية مشتركة، لافتا إلى أن “موريتانيا، بحكم موقعها ومعلوماتها ورصيدها الدبلوماسي، تملك عناصر تجعلها قادرة على تقريب وجهات النظر والمساهمة في صياغة مخرجات مسؤولة”.

وفي ختام حديثه لهسبريس قال محمد الأمين محمد المامي إن واشنطن وإن لم تعلن صراحة عن إدراج نزاع الصحراء في أجندة القمة، فإنها تدرك وزنه السياسي والإقليمي، ولا شك أنها ستصغي لمواقف نواكشوط وتقديراتها في هذا الشأن، في إطار مقاربة أمريكية جديدة تعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة الإفريقية، وتضع الاستقرار في صدارة انشغالاتها.

Loading

مقالات ذات صلة

الأحد 6 يوليو 2025 - 09:09

القوات المسلحة الملكية المغربية تطلق برنامجا لتحديث أسطول النقل الجوي

السبت 5 يوليو 2025 - 15:49

مجلس حقوق الإنسان .. المغرب يدعو إلى تعزيز التعاون التقني خدمة للآليات الوطنية لحقوق الإنسان

السبت 5 يوليو 2025 - 09:36

الإكوادور تعتبر مبادرة الحكم الذاتي بمثابة “الأساس لتسوية النزاع” الإقليمي حول الصحراء المغربية

الجمعة 4 يوليو 2025 - 22:02

جمهورية الإكوادور تفتتح سفارتها في الرباط