لادجيد في إفريقيا، من الدليمي إلى البصري.. حينما غيرت العيون وجهها

الجمعة 25 يوليو 2025 - 19:02

محمود هرواك

لادجيد في قلب إفريقيا .. حين تُنسج الخرائط بالحبر السري !

في إفريقيا، حيث تُوقّع التحالفات على الرمل، وتُحفر العداوات في الصخر، لم يكن المغرب ليراهن أبدا على الخطابات الرنانة فقط، بل قرّر أن يُمارس دبلوماسية الظل، وهي تلك الموشومة بنفحة القاتم من الألوان؛ دبلوماسية لا تُمارسها وزارة الشؤون الخارجية فحسب، بل تُتقنها “لادجيد”.
فكما يُقال في لغة أهل الاستخبارات:
“ما يُرى ليس دائمًا ما يُدار، وما يُدار ليس دومًا معلنًا”.

🌍 حين نزلت “لادجيد” إلى الساحة الإفريقية

في العقود الأولى بعد الاستقلال، كان الحضور المغربي في القارة السمراء خافتًا. لكن ابتداءً من السبعينيات، وتحديدًا بعد تفاقم أزمة الصحراء، أدركت الدولة المغربية أن إفريقيا لم تعد مجرد امتداد جغرافي، بل أصبحت ساحة معركة غير معلنة.. وهنا، انطلقت “لادجيد” في مهامها السفلية، لا بجيوش ولا ببيانات رسمية، بل بـ”العيون الهادئة” و”العقول المتوقدة”، فبدأت:
بناء شبكات استخباراتية مرنة في دول الساحل والصحراء،
تجنيد متعاونين داخل الجيوش والوزارات والمؤسسات الدينية الإفريقية، اختراق البعثات الدبلوماسية الجزائرية في عدة عواصم إفريقية، ثم دعم نخب سياسية واقتصادية شابة موالية للرباط، بعيدًا عن الأضواء.

🧠 عقل استخباراتي يخطط… لا يُعلن

في دولة مثل مالي، حيث الخرائط تُرسم تحت الطاولة، كانت لادجيد تُنسّق ـ وفق مصادر نادرة مطلعةـ مع ضباط محليين مستائين من هيمنة النفوذ الجزائري.
وفي ساحل العاج، زُرعت نواة شبكة كانت تراقب تحركات البعثات الأممية، وتُغذّي الرباط بتقارير حيوية عن التقاطعات الإقليمية.
بل إن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي سنة 2017 لم تكن مجرد قرار سياسي، بل هي ـ بحد ذاتها ـ ثمرة عشر سنوات من العمل الاستخباراتي الصامت والدقيق.
لم يكن السياسيون وحدهم من يمهّد الطريق… كان لـ”لادجيد” رجالٌ يحملون جوازات دبلوماسية، وأهدافًا لا تُكتب في التقارير العادية.

🧰 أدوات القوة الناعمة: من المساعدات إلى الاختراق

لم تعتمد “لادجيد” فقط على المعلومة… بل طوّعت أيضا:
الطبّ المغربي: قوافل طبية بتنسيق غير مُعلن مع الجهاز،
المعاهد الدينية: دعم طلبة أفارقة في الرباط ومراكش، حيث يُلقَّنون فكرًا مغربيًّا ناعمًا مع ولاء خافت!
الاقتصاد: تسهيلات لرجال أعمال أفارقة، يُستخدم بعضهم كناقلين لرسائل غير رسمية أو غطاءات استخباراتية.
وهكذا، أصبح المغرب ـ لا يُرى لكنه حاضر ـ في قلب دوائر القرار الإفريقية.

🎭 اللعب في الحقول الملغّمة: المواجهة الصامتة مع الجزائر

لم تكن “لادجيد” وحدها في الساحة… بل كانت الجزائر تشتغل أيضًا، عبر جهاز DRS الشرس حينها! لكن الفرق كان
في الأسلوب: في الوقت الذي بنت فيه الجزائر تحالفات مباشرة وعدوانية، قام المغرب عبر “لادجيد” بالاشتغال كمخرزٍ في خاصرة الخصوم: صامت، دقيق، وعميق الاختراق.
وهكذا بدأ النفوذ المغربي ينمو في دولٍ كانت تُعتبر حصونًا جزائرية مثل النيجر وبوركينا فاسو وتشاد…

لادجيد عزيزتي المتابعة عزيزي القارئ ليست مجرد جهاز استخبارات، بل “مايسترو خفي” يُعيد ترتيب النوتات في إفريقيا على المقاس المغربي.
وفي عالم الاستخبارات، من يتحكّم في المعلومة… يتحكّم في القرار، حتى ولو كان في الظل الكتوم.

🧨 من الدليمي إلى البصري.. عندما غيّرت العيون وجهها!
🕯️ من رجل الظل إلى رجل القبضة: مرحلة ما بعد الدليمي

حين رحل الجنرال أحمد الدليمي سنة 1983، في حادث سيارة غامض لا يزال الغموض يلفّه حتى اليوم، كانت “لادجيد” قد بدأت تترسخ كذراع استخباراتي خارجي استراتيجي.
لكنّ رحيل الدليمي فجّر سؤالًا داخل المجال المكفول للدولة العميقة:
من له من الحنكة والولاء ما يكفي ليحمل هذا العبء الثقيل؟
فكان الجواب المفاجئ: إدماج مؤقت للجهاز تحت عباءة الداخلية… تحديدًا تحت قيادة ادريس البصري.

👁️‍🗨️ إدريس البصري: حين اختلط الأمن السياسي بالاستخبارات الاستراتيجية

في الفترة ما بين 1983 و1999، كانت وزارة الداخلية ـ بقيادة البصري ـ بمثابة إمبراطورية أمنية داخل الدولة.
وقد تولى حينها الإشراف غير المباشر على لادجيد، فدخلت مرحلة جديدة: مرحلة تُعرف لدى القدماء من العارفين بأنها “سنوات التشابك”، حيث اختلطت فيها الملفات الداخلية بالخارجية، وتم تكييف الجهاز ليلائم الرؤية الأمنية الصلبة التي تبناها البصري.

⚙️ سمات المرحلة:
تضاعف التعاون مع أجهزة أجنبية (خصوصًا فرنسا وإسبانيا) وجرى التركيز على الملف الصحراوي بوصفه القضية المركزية للجهاز.
تم خلق شبكات متابعة لمعارضين بالخارج، خصوصًا في فرنسا، بلجيكا، وهولندا..
وقع تكثيف الرصد للتنظيمات الإسلامية المتنامية في أوروبا، بتعاون استخباراتي غير معلن مع الأجهزة الفرنسية والإسبانية.

لادجيد، في هذه المرحلة، لم تعد فقط تراقب، بل أصبحت تتدخل وتؤثر في صناعة القرار الأمني الإقليمي.

🧬 من المركزية إلى العلمنة… اقتراب عهد جديد

عند وفاة الحسن الثاني سنة 1999، كانت لادجيد جهازًا قويًّا لكنه ظل مُثقلا ب “الإرث البصري”، ومربوطا بقيود الأجهزة الأخرى.
ومع صعود الملك محمد السادس، بدأت ترتسم ملامح مراجعة هادئة لكنها عميقة:
مراجعة للبنية، للمهمة، وللأدوات… كان الملك الجديد يُدرك أن العالم تغيّر، وأن معارك المستقبل لن تُخاض فقط بالرجال في الميدان، بل بـالخوارزميات، والسايبر، وحنكة إدارة الملفات الجيوسياسية الحساسة…

ومن هنا سننتقل في الجزء الآخر إلى النقلة النوعية مع اسم سيُصبح لاحقًا مرادفًا للتحديث والاحتراف في عالم الاستخبارات المغربية!

يتبع

Loading

مقالات ذات صلة

الجمعة 1 أغسطس 2025 - 19:20

التاريخ كآلية للتذكير في خطاب المؤسسة الملكية

الجمعة 1 أغسطس 2025 - 10:46

” لادجيد وتقاطعات الخفاء .. حين تتناطح العيون خلف الستار”

الأحد 27 يوليو 2025 - 21:03

محمد ياسين المنصوري .. حين ارتدت لادجيد بذلة القرن الحادي والعشرين.

الأحد 27 يوليو 2025 - 18:45

الأمير مولاي الحسن صناعة زعامة على الطريقة الأمريكية بإشراف مغربي فريد