واشنطن – تُشكل الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها إدارة دونالد ترامب بتصنيف منظمة “جيش تحرير بلوشستان” الانفصالية في باكستان كتنظيم إرهابي أجنبي، بالتوازي مع حدوث تقارب سياسي واقنصادي بين واشنطن وإسلام أباد، انعكاسا لاستراتيجية أمريكية متجددة تهدف إلى ضبط التهديدات الأمنية العابرة للحدود وتعزيز استقرار المناطق الحساسة ودعم سيادة وأمن الحلفاء. ولا يقتصر هذا القرار، وفق مراقبين، على مجرد رغبة في مواجهة تهديد إرهابي ناشئ؛ بل إنه يمثل إشارة واضحة لسياسة جديدة لإعادة تشكيل خرائط النفوذ عبر فرض معايير صارمة تضع حدودا واضحة بين الشرعية وعدمها، خاصة في مواجهة الجماعات المسلحة التي مصالح أمريكا وحلفائها.
وتعيد هذه الخطوة النقاش المحتدم حول إدراج جبهة البوليساريو الانفصالية في قوائم الإرهاب الأمريكية، خاصة في ظل وجود تحركات في الكونغرس الأمريكي في هذا الاتجاه ودعوة مشرعين أمريكيين إلى اتخاذ قرار بهذا الشأن لإعادة ضبط الاستقرار الإقليمي وحماية العلاقات مع الرباط؛ وهو القرار المنتظر أن تحسم فيه إدارة ترامب الداعمة لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والتي باتت تنظر إلى ملف النزاعات الإقليمية في شمال إفريقيا والقارة عموما، عبر عدسة الأمن والاستقرار الذي تراهن عليه واشنطن لمنع توسع نفوذ دولية منافسة.
معايير متشابهة
هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “القرارات الأمنية الصادرة عن القوى الكبرى ليست مجرد استجابات ظرفية؛ بل هي تموضعات استراتيجية تعيد صياغة موازين النفوذ، وترسم حدود المقبول والمرفوض في سلوك الفاعلين”، مشددا على أن “تصنيف الولايات المتحدة لجماعات مسلحة في مناطق الصراع ليس فقط عملا تقنيا لمكافحة الإرهاب؛ بل إعلان ضمني عن خارطة التحالفات الجديدة التي تسعى واشنطن إلى تثبيتها”.
وأضاف معتضد في حديث مع هسبريس: “حين نقرأ قرار واشنطن بشأن تنظيم ‘جيش تحرير بلوشستان’ في سياق إعادة تفعيل قنوات التعاون مع إسلام آباد، ندرك أن هذه الإجراءات تتجاوز البعد الجنائي لتصبح جزءا من منظومة ردع شاملة: تحجيم الجماعات المسلحة، معاقبة من يمنحها الدعم أو الملاذ، وتهيئة بيئة إقليمية أكثر انضباطا أمام الاستراتيجيات الأمريكية”.
وأوضح الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن “المقاربة الأمريكية ترتكز على مبدأ الترابط بين الشرعية السياسية والشرعية الأمنية؛ أي أن الفاعل الذي ينخرط في العمل المسلح العابر للحدود، أو يستهدف مدنيين، أو يتلقى دعما خارجيا مشبوها، يفقد حقه في أن يُعامل كشريك مشروع في أية عملية تفاوضية، بصرف النظر عن الشعارات التي يرفعها”، مبرزا أن “أي تنظيم، مهما كانت طبيعته المعلنة، إذا انخرط في ممارسات تتطابق مع التعريفات الدولية للإرهاب، وأثبتت ضده دلائل على ارتباطه بشبكات تمويل وتسليح غير مشروعة، يصبح مؤهلا من الناحية القانونية والسياسية لأن يدرج في قوائم الإرهاب الأميركية والدولية”.
وتابع بأن “التجربة الدولية أثبتت أن ‘صفة التحرر’ أو ‘النضال السياسي’ لا تمنح حصانة إذا تحول العمل الميداني إلى استهداف المدنيين أو تهديد الاستقرار الإقليمي. هذا المعيار، الذي طبقته واشنطن في مناطق متعددة، يمكن أن يُسقط على حالات أخرى حين تتوافر المعطيات الموضوعية نفسها”.
وبالنسبة لحالة البوليساريو، أكد معتضد أنه “تتوفر وفق هذه القراءات عناصر رئيسية للتوصيف: طبيعة الهجمات عبر الحدود، استهداف مواقع مدنية أو اقتصادية، حيازة أسلحة مصدرها دعم خارجي غير مشروع، وعلاقات عملياتية أو لوجستية مع كيانات مصنفة دوليا. هذه المعطيات تجعل الملف قابلا لإعادة التقييم من زاوية القانون الأمريكي”، مسجلا أن “التشريعات الأمريكية تتيح لوزارة الخارجية تصنيف أي كيان إذا توافرت ثلاثة شروط: أن يكون منظمة أجنبية، أن ينخرط في نشاط إرهابي كما يعرفه القانون، وأن يشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي أو لمواطنيه. وإذا أضيفت إلى ذلك معايير الأمن الإقليمي، يصبح هذا التصنيف أكثر قابلية للتفعيل”.
وخلص الباحث في الشؤون الاستراتيجية إلى أن “أي تصنيف من هذا النوع سيعيد تشكيل بيئة التفاوض في النزاع الإقليمي، ويحد من قدرة الأطراف المعنية على المناورة، ويفتح المجال أمام مسار تسوية أكثر انضباطا، خصوصا إذا جاء مدعوما بتوافق إقليمي ودولي حول ضرورة تحييد العمل المسلح خارج القانون”.
وشدد معتضد على أن “القرارات الاستراتيجية الكبرى تنشأ حين يلتقي القانون بالسياسة والمصلحة الوطنية. وعندما تتوافر المعطيات الميدانية الموثقة، ويصاحبها وعيٌ بخطورة استمرار نشاطات خارج القانون، يصبح التصنيف أداة ليس فقط للردع، بل لإعادة توجيه النزاع نحو مسار سياسي واقعي، يحفظ الاستقرار الإقليمي ويقطع الطريق أمام الأطراف التي تستثمر في الفوضى”.
دينامية خارجية
اعتبر محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن “الإطار القانوني الأمريكي لتصنيف منظمة ما ككيان إرهابي يقوم على معايير واضحة نص عليها قانون الهجرة والجنسية (INA)، والذي يشترط أن يكون الكيان أجنبيا ومنظما، وأن ينخرط في أعمال إرهابية تمثل تهديدا للأمن القومي أو للمصالح الأمريكية”.
وزاد عطيف، في تصريح لجريدة هسبريس، شارحا: “وانطلاقا من هذا الإطار، أعتقد أن المغرب يمكنه الدفع بقوة نحو إدراج جبهة البوليساريو ضمن قوائم الإرهاب، مستندا إلى ما توفره أجهزته الأمنية من معلومات دقيقة حول تورط عناصر هذه الجبهة في عمليات تهريب السلاح والبشر، وتقاطعاتها العملياتية مع جماعات متطرفة في منطقة الساحل، وهي وقائع تتطابق مع التعريف الأمريكي للنشاط الإرهابي”.
وسجل الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية أن “هذا المسار ينسجم مع التوجه المعلن لواشنطن في مواجهة التهديدات غير التقليدية العابرة للحدود، والتي تزعزع استقرار مناطق حيوية للمصالح الأمريكية”.
وأشار المصرح لهسبريس إلى أن “إدراج البوليساريو في قوائم المنظمات الإرهابية لن يكون مجرد إجراء قانوني؛ بل رسالة سياسية قوية من الولايات المتحدة تؤكد دعمها لشركائها الموثوقين في مكافحة الإرهاب، وعلى رأسهم المغرب، الذي أثبت التزامه بمحاربة التطرف وتعزيز الأمن الإقليمي. كما أن مثل هذا التصنيف سيساهم في تجفيف منابع الدعم المالي واللوجستي للجبهة، خاصة في ظل ما هو موثق من استغلالها للوضع في مخيمات تندوف في أنشطة مشبوهة تؤثر سلبا على الأمن الإقليمي”.
وتابع عطيف: “القرارات الأمريكية في هذا الشأن تمثل توازنا بين مقتضيات الأمن القومي والمصالح الجيوسياسية. وفي حالة البوليساريو، يمكن لهذا التوازن أن يميل لصالح المغرب إذا ما نجح في إقناع واشنطن بأن استمرار هذه الجبهة يشكل خطرا على الاستقرار الإقليمي ويفتح المجال أمام الجماعات الإرهابية في الساحل للتوسع. كما أن إدراجها سيحد من قدرة الجزائر على توظيفها كورقة ضغط سياسية؛ مما يعزز التحالف المغربي–الأمريكي، ويدعم المقاربة البراغماتية لحل النزاع في إطار الأمم المتحدة”.
واعتبر أن “المغرب قادر على استثمار علاقاته الأمنية والعسكرية الوثيقة مع الولايات المتحدة، وتاريخه الحافل في تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب، كأرضية صلبة لدفع هذا المطلب. ومن خلال تنسيق الجهود مع المشرعين الأمريكيين المؤيدين للموقف المغربي، وإبراز الأبعاد الأمنية التي تهم واشنطن، يمكن خلق دينامية ضغط داخلية وخارجية تجعل من تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية خطوة منطقية وضرورية في نظر صانع القرار الأمريكي؛ وهو ما من شأنه تعزيز موقع المغرب إقليميا ودوليا”.
مملكتنا.م.ش.س