الرباط – تعقبّت دراسة علمية حديثة الوصفات والاستخدامات المختلفة لمرهم “الأوريوميسين”، المعروف لدى المغاربة باسم “البوماضا الصفرا”، غير وظيفته الرئيسية “كما رسمتها له العقلانية الصيدلية العلمية باعتباره دواءً للعينين”، والتي يشاركها في فيديوهات عدد من مستخدمي منصة “اليوتيوب”، راصدة وجود “شبه اتفاق” بين محتويات الفيديوهات كلها على أن الدواء “فعال في كل الحالات”.
وأوضحت الدراسة، المنشورة بأحدث عدد من مجلة “عُمران للعلوم الاجتماعية” (رقم 53)، تحت عنوان “نحو أنثروبولوجيا صيدلية بالمغرب: بيوغرافيا دواء الأوريوميسين من الإنتاج المادي إلى إعادة التأويل الثقافي”، أنه خلال فترة انتشاره الأولى في المغرب في حملة علاج “التراكوما” (أحد أمراض العينين) الجماعية، تم توزيع “الأوريوميسين” بوصفه “مادة طبية”، بالموازاة مع تقديم إرشادات عن كيفية استخدامه.
وفي هذا الصدد، تساءل مُعد الدراسة الباحث الحاصل على الماستر في علم الاجتماع من جامعة عبد الملك السعدي: “هل حافظ الناس على تلك الإرشادات والتعليمات؟ وهل استخدموا الدواء بالطريقة التي كانت تريدها المؤسسات، ولعلاج الأمراض التي كانت تحاول مواجهتها؟”.
وأفاد قبل الإجابة عن هذه الأسئلة بأنه صار “من السطحي جدا اعتبار الاستخدامات غير المناسبة للأدوية عرضا من أعراض الجهل والأمية؛ فالمشكل أكثر تعقيدا من ذلك، وأعمق كثيرًا، فهو مشكل ثقافي أساسًا”، مضيفا “لا تتقبل ثقافة شعبية ما الأدوية الغربية الصيدلية في نظامها العلاجي إلا بعد إعادة تأويل طبيعتها وآثارها بمفاهيم محلية”. وهذا ما يعرف، وفق الباحث، بـ”الأهلنة” Indigenization.
وبعد أن ميّز بين نوعين من “الهرطقة العلمية”: المهرطق الداخلي Endoheretics، والمهرطق الخارجي Exoheretics، أوضح الباحث ذاته أن العامة “غالبا” ما تتتبه للمهرطق الخارجي، “بل تهتم به، وتدعمه أيضًا، حيث يستفيد من ذلك ماديًا وبصفة مبهرة. وهذا ما قد يتم في حالة الربح من وراء الإعلانات في قنوات على منصة يوتيوب، حيث ينشر الهراطقة الصيدليون أفكارهم”.
ولأجل الإجابة عن التساؤلات المذكورة، حلّل الباحث ذاته عددا من فيديوهات “اليوتيوب” التي تتناول “الأوريوميسين” باعتباره “دواء لتنويعة مختلفة من الأمراض، وأيضًا حلاً لعدد من المشكلات الجمالية”. وبُثت الفيديوهات المختارة “في مدة زمنية قصيرة نسبيًا، فأقدم فيديو نشر في نيسان/ أبريل 2019، وأحدث فيديو نشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021″.
و”يزيد مجموع المشاهدات في هذه الفيديوهات على المليون ونصف المليون مشاهدة، في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ثلاث سنوات بمجموع إعجابات في الفيديوهات المدروسة يكاد يصل إلى 35 ألفا”.
ولعلّ أكثر ما يثير الانتباه بالنسبة إلى موضوع البحث، وفق الطاهري، بعد تحليل الفيديوهات، هو “استخدام مرهم للعينين لعلاج تنويعة مختلفة جدا من الأمراض التي تنتمي إلى حقول مختلفة من الطب”.
وفي هذا الصدد تقترح مؤثرة في أحد الفيديوهات المدروسة “الأوريوميسين” علاجا للبواسير. وعلق الباحث على ذلك قائلا: “المثير للانتباه هو أن صاحبة الفيديو تقترح وصفة متكاملة يظهر فيها المضاد الحيوي كأنه من داخل حقل الطب الشعبي”. وأضاف “هنا تبدو المؤثرة بوصفها صاحبة تجربة ناجحة في العلاج “قادرة” على معرفة ما هو مناسب لكل حالة على حدة”.
وأبرز أن هذا “تجسيد فعلي للهرطقة الصيدلية؛ إذ يصير الطب الحيوي متداخلاً مع الطب الشعبي، وتصير الصيدلة جزئيًا من حقل الطب الشعبي، ويصير المعالج الشعبي نوعا من الطبيب- المعالج- الصيدلي”.
وفي فيديو آخر يظهر “الأوريوميسين” بوصفه “علاجا للسمنة، وجزءًا من وصفة للتنحيف وإزالة الدهون الزائدة في الجسد”. ويمثل هذا الفيديو، في منظور الباحث، “نوعاً “متطرفا” من الهرطقة الصيدلية، فهو يظهر كأنه يهاجم الحقل الطبي بمفاهيمه؛ فهو يدعي الصرامة، ويرفض المرهم المخصص لحب الشباب في وصفة تنحيف الجسد، لكنه يقبل المرهم المخصص لأمراض العينين.
كما توقفت الدراسة عند وصفة مخصصة لتقوية الشعر وعلاج الصلع، قدّمت في فيديو ثالث، ومن خلالها “يمكن ملاحظة كيف يصير المطبخ مختبرا علميا لإنتاج أدوية جديدة، انطلاقا من مواد نباتية وعلاجات شعبية شائعة، ممزوجة بدواء عصري من المفترض أنه مخصص للعينين”.
وخلصت إلى وجود “شبه اتفاق بين محتويات الفيديوهات كلها على أن الأوريوميسين فعال في كل الحالات، وهذا ما يفسر اختلاف الأمراض التي يعالجها في نظر صناع المحتوى هؤلاء”، مشيرة إلى أن “المثير للانتباه هو تلك الاتهامات التي يوجهها هؤلاء الأفراد إلى الأطباء والصيادلة، واتهامهم بإخفاء قوة هذا المرهم من أجل بيع الأدوية المكلفة أكثر”.
وببساطة شديدة، “تقول هذه الهرطقة إنه يمكن الاستغناء عن الطب الحيوي في شكله النخبوي، لكن يمكن استثمار اكتشافاته داخل الطب الشعبي. وفي هذا السياق يكف الأوريوميسين عن أن يكون نتاج تطور الطب الحيوي ليصير مادة مكملة لتوليفة من الوصفات الطبية الشعبية”.