في ختام القمة الخامسة والأربعين لمجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية “سادك”، اندلعت مواجهة سياسية بين محور تقوده جنوب إفريقيا، بدعم من زيمبابوي وموزمبيق وناميبيا، ودول حليفة للمغرب مثل إسواتيني وموريشيوس ومدغشقر. وتمحور الخلاف حول إدراج فقرة داعمة لجبهة البوليساريو الانفصالية في البيان الختامي، حيث تمسكت الأطراف الداعمة للمغرب بضرورة تحييد المنظمة عن نزاع إقليمي مفتعل.
ورغم تمكن جنوب إفريقيا وحلفائها من تمرير إشارة طفيفة مؤيدة للبوليساريو في الوثيقة النهائية، أبدت مدغشقر، التي ستتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، تحفظا واضحا إزاء تسييس أجندة “سادك”، وهو ما يعكس ميلا نحو نهج متوازن في التعاطي مع القضايا الخلافية.
كما بادرت مملكة إسواتيني إلى التبرؤ من البيان الختامي، من خلال مذكرة رسمية وجهتها إلى أمانة المجموعة، أوضحت فيها أن “موقفها خلال القمة كان يقوم على تعليق أي إشارة تتعلق بالصحراء المغربية إلى حين إجراء مشاورات أوسع بين الدول الأعضاء”.
وأكدت إسواتيني في مذكرتها تحفظها على النقاط التي تجدد التضامن مع جبهة البوليساريو، مبرزة أن “معالجة هذا النزاع ينبغي أن تتم حصرا في إطار المسار الأممي”. كما شددت على مبادئ السيادة والوحدة الترابية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول باعتبارها مرجعيات أساسية لمواقفها.
يذكر أن مملكة إسواتيني تعترف بمغربية الصحراء وتدعم مقترح الحكم الذاتي كحل عملي للنزاع، وهو ما عززته بفتح قنصلية عامة بمدينة العيون سنة 2020، في خطوة تؤكد ثبات علاقاتها مع المغرب وتأييدها لمبادراته الدبلوماسية.
ضغوط محدودة
في هذا الصدد قال سعيد بوشاكوك، الباحث المهتم بقضايا التنمية والمجال، إن الحلف الإفريقي المعادي لوحدة المغرب الترابية لا يزال يحاول استغلال كل تجمع أو قمة إقليمية لإعادة ترديد أسطوانة متجاوزة وفاقدة للأثر، رغم ما يعرفه المقترح المغربي للحكم الذاتي من دعم متزايد من قبل القوى الدولية الكبرى وغالبية دول الاتحاد الإفريقي.
وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن محطة قمة “سادك” الأخيرة بأنتانا ناريفو جسدت مواجهة سياسية واضحة بين دول مقتنعة بشرعية الموقف المغربي وأخرى ما زالت تراهن على أطروحة جبهة البوليساريو، رغم افتقارها للحجج والسند القانوني الدولي، مذكّرا بأن “مجلس الأمن الدولي يظل الجهة الوحيدة المخول لها حصريا معالجة هذا النزاع المفتعل”.
ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن “الضغوط التي مورست خلال القمة لم تسفر سوى عن تمرير فقرة يتيمة لا تأثير لها على مسار الملف”، مشيرا إلى أن “غياب قادة دول وازنة كمالاوي وزامبيا والكونغو الديمقراطية، المعروفين بدعمهم الثابت للوحدة الترابية، سهّل على خصوم المغرب فرض هذه الإشارة، في خرق صريح لميثاق المجموعة وأهدافها الأصلية”.
وأوضح أن استقبال وزير خارجية مدغشقر للسفير المغربي عقب انتهاء الأشغال شكّل رسالة سياسية بالغة الدلالة، باعتبار أن هذا البلد سبق له أن اعترف بالبوليساريو سنة 1976 قبل أن يسحب اعترافه عام 2005، ومنذ ذلك الحين تبنى مواقف متوازنة تعكس رفضه الزج بالمجموعة في نزاع إقليمي معقد.
وخلص بوشاكوك إلى أن ما جرى في قمة “سادك” يؤكد أن الحلف الداعم للوحدة الترابية المغربية يتوسع بشكل مطرد، بينما المحور المساند للبوليساريو بدأ يتراجع وينكمش ليصبح أكثر عزلة وانغلاقا في مواجهة المد الدبلوماسي والسياسي المتنامي لصالح المغرب.
أفول النفوذ
من جانبه، قال بيبوط دداي، الفاعل السياسي والباحث في التاريخ المعاصر والحديث، إن اعتقاد الجزائر وجنوب إفريقيا بتحقيق نصر عبر دعم جبهة البوليساريو بإدراج فقرتين في البيان الختامي لقمة “سادك” الخامسة والأربعين، يدعو إلى الاستغراب والحيرة، ويعكس مكابرة هذه الدول في استهداف المغرب على كافة المستويات الإقليمية والدولية، رغم تجرعها هزائم سياسية وحقوقية أضرت بسمعتها وأكدت شرعية الموقف المغربي في السيادة على صحرائه.
وأوضح دداي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن إقحام ملف الصحراء في اجتماعات “سادك”- وهو تجمع إقليمي يضم 16 دولة، وتأسس عام 1980 لتعزيز النمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي وضمان الحكم الرشيد والسلام والأمن- يتنافى مع غايات التكتل، ولا يخدم تعزيز دوره بسبب تبني بعض الأعضاء سياسات وطنية وإقليمية تهدد السلامة الإقليمية ووحدة الدول على أساس إيديولوجي أو مصالح ضارة باستقرار البلدان المجاورة.
وأشار إلى أن البيان الختامي للقمة خصص فقرتين لتنظيم البوليساريو ووصفه بالدولة والكيان غير الدولتي في آن واحد، متجاوزا قواعد القانون الدولي، مضيفا أنه لا يستقيم النظر إلى البوليساريو كدولة لافتقارها للعضوية الدولية والمقومات القانونية والسياسية، مع التأكيد على أن نشاطها متسم بأعمال عنف داخل المخيمات التابعة لعناصرها الأمنية، بينما يظل دورها كجهة فاعلة غير حكومية طرفاً ثانوياً في النزاع الإقليمي.
وأوضح الباحث في خبايا النزاع أن معاكسة بعض الدول لتوجهات المغرب سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا لا ينبغي أن يضعف التزام المملكة الراسخ بمسؤولياتها الدولية واحترامها لتعهداتها الثنائية ومتعددة الأطراف، مما يدعم حماية حقوق الإنسان في كافة أنحاء البلاد، بما فيها الأقاليم الجنوبية، ويساهم في تعزيز التعاون الدولي والانتماء الإفريقي والمتوسطي لفضاءات منتجة للثروات والفرص، مثل المبادرة الملكية من أجل إفريقيا قارة مزدهرة، ومشاريع البنية التحتية الكبرى، ومنها خط أنابيب الغاز المغرب- نيجيريا.
وفي هذا السياق، أبرز دداي أن القمة أكدت استمرار تدخل بعض الدول في النزاع الإقليمي داخل التكتل، الشيء الذي يعيق تحقيق أهدافه المتعلقة بإحلال الأمن والسلم بالقارة، بينما تعكس المواقف المغربية المتوازنة قدرة المملكة على تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، وحماية وحدة أراضيها، مع التأكيد على أن محور دعم الوحدة الترابية المغربية يتزايد، فيما بدأ محور الجزائر والبوليساريو يتراجع ويظهر تقهقرا في مواجهة التأثير الإقليمي والقاري والدولي للمملكة.
هشاشة المحور
الشيخ بوسعيد، الباحث في القانون العام المهتم بنزاع الصحراء المغربية، سجل أن ختام القمة الخامسة والأربعين لـ”سادك” بعاصمة مدغشقر شهد مواجهة سياسية حادة بين محورين، أحدهما داعم للمقترح المغربي للحكم الذاتي والآخر لا يزال يدافع عن أطروحة البوليساريو، في سياق أظهر ضعف الحضور والتأثير الفعلي لبعض الأطراف المؤيدة لجبهة البوليساريو مقارنة بالدول الداعمة لوحدة المغرب الترابية.
وأضاف بوسعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الدول الصديقة للمغرب بذلت جهودا كبيرة لإبعاد ملف النزاع الإقليمي عن جدول أعمال القمة، مؤكدة ضرورة معالجة القضية في الإطار الأممي حصريا، بما يحفظ سيادة المغرب ووحدته الترابية. وأضاف أن “الضغوط التي مورست من قبل الدول المؤيدة لجبهة البوليساريو لم تحقق أي اختراق ملموس، وظلت المبادرة المغربية للحكم الذاتي المرجعية الأساسية لأي تسوية سياسية مستقبلية”.
وأوضح الباحث ذاته أن غياب بعض القادة الأفارقة المساندين للوحدة الترابية المغربية ساهم في محاولات تمرير مقترحات معزولة، غير أن الرد الدبلوماسي المتزن والرسائل السياسية الدقيقة التي تبادلتها الدول الداعمة للمغرب أظهرت تمسكها القوي بالقانون الدولي وبالمسار الأممي؛ الشيء الذي ساهم في الحد من تأثير الضغوط الإقليمية وأبرز تفوق الحلف المؤيد للوحدة الترابية المغربية على الرغم من صغر حجمه النسبي في القمة.
واسترسل قائلا إن محور دعم البوليساريو، رغم حضور عدد من الدول المؤثرة مثل جنوب إفريقيا وناميبيا وزيمبابوي، أظهر هشاشة مواقفه أمام المعطيات الدقيقة والدعم الدبلوماسي المتنامي لصالح المغرب، مما يدل على تراجع قدرته على فرض أجندته داخل التكتل، وفقدان الزخم الذي كان يتمتع به في السابق.
وأكد بوسعيد في ختام حديثه لهسبريس أن القمة أكدت تحولا واضحا في موازين القوى داخل “سادك” لصالح المغرب، حيث تصاعد الدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، مقابل تراجع محور البوليساريو، وهو ما يعكس، بحسبه، “اتجاها متصاعدا نحو تبني مواقف متوازنة ومسؤولة من النزاع، تدعم استقرار المنطقة وتعزز شرعية المملكة المغربية دوليا وإقليميا”.
شرود التكتل
بدورها، أكدت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن قضية الصحراء المغربية تشكل عبئا سياسيا جديدا على محور الجزائر– جنوب إفريقيا في جميع المنتديات الدولية وفضاءات النقاش السياسي والحقوقي، نتيجة إصرار هذه الدول على إدراج الملف في خانة صراعات إنهاء الاستعمار، التي تستهدف من خلالها تطبيق مبدأ تقرير المصير بغرض الانفصال مهما كانت التكاليف.
وأشارت لغزال، في إفادة لهسبريس، إلى أن عزم بعض دول مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية على إدراج قضية الصحراء المغربية في جدول أعمال قممها وتوصيات بيانها الختامي يمثل شرودا سياسيا واضحا، ويرسخ معاكسة لإرادة المجتمع الدولي، الذي يعتبر النزاع مسألة سيادة إقليمية يجب التعامل معها وفق إرادة السكان المحليين الصحراويين الراغبين بالعيش في المملكة المغربية عبر نظام حكم ذاتي يضمن تدبير شؤونهم بأنفسهم، تحت سيادة المغرب واحترام مؤسساته وأدواته السيادية، وليس نزاعا استعماريا ينبغي إنهاؤه.
وأكدت أن تدخل دول مثل جنوب إفريقيا وناميبيا وزيمبابوي في كل المنتديات القارية والدولية، بما فيها القمة الخامسة والأربعون لـ”سادك”، للدفاع عن البوليساريو كحركة تحرر ودولة عضو في الاتحاد الإفريقي، يأتي على الرغم من هشاشة مبرراتها وغموض أهدافها، وانعدام التنسيق مع الجهود الأممية رفيعة المستوى، فضلاً عن غياب أي إرادة فعلية للسكان المحليين الصحراويين في تبني هذه الأطروحات.
وأبرزت أن القمة الخامسة والأربعين، التي انعقدت تحت شعار “تعزيز التصنيع، وتحويل النظام الزراعي، والتحول في مجال الطاقة من أجل سادك أكثر مرونة”، أكدت التزام الدول الأعضاء بتعزيز النمو الصناعي، وتحديث القطاع الزراعي، والتحول العادل في الطاقة كركائز أساسية للتكامل والمرونة الإقليمية، وهو ما يتعارض مع استمرار محور الجزائر– جنوب إفريقيا في محاولاته لتعطيل جهود التكامل الإقليمي والسياسات الاقتصادية الموحدة، واستهداف جهود المغرب لإنهاء النزاع الطويل دون أي تهديد للاستقرار الوطني أو الإقليمي.
وأنهت لغزال حديثها لهسبريس بالتأكيد على أن انعقاد القمة وانتخاب الرئيس أندريه راجولينا رئيسا دوريا لمجموعة “سادك” يمثل علامة أفول لنفوذ الأطراف الداعمة لأطروحات البوليساريو، وبداية لانفتاح مكونات التكتل على حقيقة النزاع ومواقف المملكة المغربية الداعمة لمسار التسوية، بما يحقق حلا سياسيا عادلا وقابلا للتطبيق، وينهي معاناة السكان الصحراويين ويسهم في لمّ شمل العائلات ووحدة المجتمع داخل الأقاليم الجنوبية.
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع