Advertisement
Advertisement

محمد الرفاعي .. من وراء الستار إلى صدارة الأضواء

الإثنين 1 سبتمبر 2025 - 18:49

محمود هرواك

في كل زمن يولد موسيقي يحمل في داخله بذرة غير مرئية، أشبه بجمرة تحت الرماد، لا يلبث أن ينفخ فيها القدر حتى تتوهج وتضيئ. محمد الرفاعي واحد من هؤلاء: رجل صاغ ذاته من مقامات ونبضات، يكتب ألحانه كما يكتب الشاعر وصيته الأخيرة، ويغنّي كمن يبوح بسرّ لم يعد يحتمل الكتمان.. أعذرني صديقي إن أخبرتُهم بسرك! ففي دفتر الأغنية المغربية الحديثة، يطلّ اسمك محمد الرفاعي كأنه سطر من نور وذهب، خطّهما الزمن بين أوتار عوده وكلماته التي لا تُشبه إلّا نبضه. وُلد الرفاعي في كنف عشق الفن، فتربّى بين ألحانٍ تسكن الجوارح، وكلماتٍ تتنقّل كالعصافير بين حدائق الدارجة المغربية. لم يبدأ مغنّيًا كما فعل كثيرون، بل كان ينسج الألحان أولًا في الظل، كالنحلة التي تُخفي عسَلها في أعماق الخلية، حتى إذا اكتمل المذاق خرج إلى العلن بطعمه الفريد..
إنه ذاك الفنان الذي تعرّفنا على اسمه قبل أن نرى وجهه، لأن صوته الأول لم يكن حنجرته بل كان ألحانًا طافت بآفاق المغرب والمشرق. كان رسامًا يترك توقيعه في زاوية اللوحة، حتى بدأ الجمهور يفتش عن صاحب التوقيع؛ وعندنا فتشوا عن صاحب الخطوط الموسيقية: من لحن هذه الأغنية الناجحة؟ وكان الجواب دائمًا: محمد الرفاعي!

البدايات .. حين تكلّم اللحن قبل الصوت

ظهر اسم الرفاعي لأول مرة بقوة حين كتب ولحّن أعمالًا صدحت بها حناجر كبار الفنانين المغاربة. كان يخطّ ألحانه بروح متمرّدة، كمن يزرع وردة في صحراء، لتنبثق فجأة وتُدهش العابرين.
لكن بداية حكاية الرفاعي الحقيقية كانت حين قدّم لحنًا غير العالم الفني سنة 2014: أغنية «إنتي باغية واحد» التي أداها سعد لمجرد، وكتب كلماتها سمير المجاري. لم تكن مجرد أغنية، بل كانت عاصفة غيّرت وجه الأغنية المغربية، وأدخلت الدارجة إلى الساحة الدولية. في تلك اللحظة، خرج اسم الرفاعي من الظل، ليرتبط بواحد من أكبر النجاحات الفنية في جيله.. لم يتوقف عند ذلك؛ ففي العام الذي تلاه، منح حاتم عمور لحن «حسبني طماع»، أغنية عاطفية بلمسة عصرية، فكان كمن يقدّم وجهًا آخر من موسيقاه: أكثر رهافة، أقل ضجيجًا. ثم حمل صوته إلى فضاء الشعبي العصري عبر زينة الداودية، فكان وراء «عطيني صاكي» و«شدي ولدك عليا»؛ أعمال مثيرة للجدل، لكنها أثبتت أن الفن لا يخاف من الصخب، بل يحياه.

العبور إلى المشرق .. الجسر الذي بُني بالألحان

لم يُرد أن يبقى أسير الدار البيضاء، مراكش والرباط… بل فتح أبوابه على الشرق؛ مع جميلة البداوي منحنا لحن «بلاش بلاش»، ثم مع بلقيس فتحي صاغ «الحياة حلوة» (2020)، ليخلط في مقامات واحدة عبق الخليج بنكهة المغرب. ومع الفنانة اللبنانية إيفا ماضي كتب ولحّن «يا حبيبي»، فصار لحنه مثل طائر مهاجر، لا يعرف حدودًا سياسية ولا جغرافية.
بهذا العبور المتميز، أثبت أن موسيقاه لغة كونية، يمكنها أن تعانق أصواتًا من اليمن والخليج ولبنان كما عانقت أصوات المغرب.

من وراء الستار إلى الميكروفون .. قرار الغناء

بعد سنوات من إعطاء ألحانه للآخرين، انتفض صوته من داخله. قرر أن يُغنّي نفسه لا غيره.. فكانت البداية مع ديو «كيفاش نخليك» إلى جانب هند السداسي؛ اعتراف علني بأن قلبه لم يعد يريد الصمت.. ثم أطلق في 2023 أغنية «الشطّاح»، صاخبة كالرقص في ساحة مفتوحة، تدعو الناس للاحتفال بالحياة.
وتوالت بعد ذلك أعماله المنفردة مثل «بطل العالم»، كأنه يعلن: لقد صار الملحن بطلًا يغني لنفسه.
إنها المرحلة التي انتقل فيها من الظل إلى الضوء، ومن كاتب للآخرين إلى راوٍ لحكايته بصوته.

حوار مع الكبار .. لقاء الأجيال

ظلّ الرفاعي وفيًّا لفلسفة الحوار الفني. تعاون مع لطيفة رأفت على مشروع جديد (2024)، لقاء بين صوتٍ من الزمن الذهبي ولحنٍ من زمن الحاضر. كما مدّ خيطه مع سعد لمجرد مجددًا في «ماشي حب»، ومع مروان أصيل في «كالعادة»، ليثبت أن فنه جسر ممتد بين الأجيال.
هكذا يظلّ يحاور الكبار، لا بالتنافس، بل بالتكامل، فيغدو جزءًا من نسيج موسيقي عربي واسع.

صراعات لا تُلغي البصمة

كما هي عادة الكبار، يرافق النجاح صخب. وجد نفسه طرفًا في نزاع قضائي حول الحقوق الفكرية لأغنية «إنتي باغية واحد» مع الموزع DJ Van. تابعت الصحافة والجمهور تفاصيل القضية، لكن ذلك لم يغيّر حقيقة أن الأغنية بصمة من بصماته، وذكرى لن تُمحى من ذاكرة الناس.. إنها عاصفة قانونية لم تستطع أن تُطفئ وهج اللحن، بل ربما زادت من بريق صاحبه.

الرفاعي نهر لا ينضب

اليوم، يقف محمد الرفاعي على ضفة مساره، ينظر خلفه إلى أغانٍ صنعت أمجادًا، وينظر أمامه إلى أفق لم يُستنفد بعد. هو الملحن الذي أعطى أصوات الآخرين أجنحة، والمغني الذي قرر أخيرًا أن يُحلّق بصوته.
سيبقى اسمه شاهدًا على مرحلة ذهبية في الأغنية المغربية، مرحلة كسرت الجدران بين المغرب والمشرق، بين الشعبي والبوب، بين الظل والضوء.


اسمه مثل نهر: قد يتلوّى في مجراه، لكنّه لا ينضب، ولا يتوقف عن الجريان.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

Advertisement

مقالات ذات صلة

الإثنين 1 سبتمبر 2025 - 11:05

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعزز فعالياته المهنية تحت مظلة “برامج الأطلس” (بلاغ)

الأحد 31 أغسطس 2025 - 22:11

اختتام مهرجان سينما الشاطئ بالهرهورة بتتويج فيلم “أبي لم يمت” بالجائزة الكبرى

الأحد 31 أغسطس 2025 - 20:14

مهرجان البندقية السينمائي الدولي .. المغرب “شريك استراتيجي” في مجال الإنتاج السينمائي المشترك (لقاء)

الأحد 31 أغسطس 2025 - 08:32

الداخلة على إيقاع الدورة الثانية من مهرجان “سينما الشاطئ”