أطلقت جبهة “البوليساريو” حملة دعائية جديدة بأوروبا ضد شركة “GEDIA” الفرنسية، التي أعلنت عن رغبتها في الاستثمار بمدينة الداخلة في مشاريع الطاقات المتجددة. وسعت إحدى المنظمات التابعة للجبهة إلى مراسلة الشركة وحثها على التراجع عن هذا التوجه، في محاولة لعرقلة الاستثمارات الفرنسية بالأقاليم الجنوبية للمملكة، تحت ذريعة ما تسميه “مخالفة القانون الدولي”.
ويأتي هذا التحرك في وقت تواصل فيه فرنسا تعزيز شراكاتها التنموية مع المغرب، بما يشمل الأقاليم الجنوبية، عبر دعم شركة “GEDIA” التي تعد فاعلا رئيسيا في قطاع الطاقة وتملك بلدية “درو” الفرنسية حصة مهمة في رأسمالها. وتسعى الشركة إلى الانخراط في مشاريع كبرى مرتبطة بالطاقة الشمسية والرياح بمدينة الداخلة، دعما للتوجه المغربي نحو تنويع مصادر الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة.
وكان بيير فريديريك بيليه، رئيس بلدية “درو”، قد زار، في يوليوز الماضي، الداخلة رفقة الرئيس التنفيذي للشركة باتريك بولج، حيث تم الاطلاع على البنية التحتية والفرص الاستثمارية التي تتيحها الجهة؛ وذلك في سياق أوسع من التعاون، تُوج بتوقيع اتفاقية توأمة وتعاون لامركزي بين جماعة الداخلة ومدينة “درو”، خلال فعاليات معرض المغرب في ماي الماضي، احتفاء بـ”سنة المغرب في درو” وتكريسا للعلاقات المغربية-الفرنسية.
وتعكس هذه الخطوات، وفق محللين، متانة الشراكات الفرنسية في الأقاليم الجنوبية، وإقرارا عمليا بمغربية الصحراء، في مقابل محاولات معزولة للتشويش من لدن جبهة “البوليساريو” التي عجزت عن التأثير على توجهات كبرى الشركات الأوروبية الداعمة للمشاريع التنموية بالمنطقة.
معركة التنمية
في هذا الصدد، قال محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن ما قامت به جبهة “البوليساريو” ضد شركة “GEDIA” الفرنسية لا يمكن النظر إليه كحادث معزول؛ بل يندرج ضمن نهج متواصل دأبت عليه منذ سنوات طويلة، يقوم على التشويش على كل مبادرة تنموية في الأقاليم الجنوبية المغربية.
وأكد ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الاستراتيجية جُرّبت في أكثر من مناسبة. ولعل أبرزها واقعة احتجاز باخرة الفوسفاط القادمة من منجم فوسبوكراع سنة 2017 في جنوب إفريقيا، حينما استغلت الجبهة شبكة من اللوبيات الموالية لها لعرقلة المصالح الاقتصادية للمغرب.
وأضاف نائب رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات أن الجبهة الانفصالية لم تتوقف منذ ذلك الحين عن استهداف كل شركة أو مؤسسة دولية تفكر في الاستثمار بالعيون أو الداخلة، عبر خطاب متكرر بدعوى “مخالفة القانون الدولي”؛ بينما الهدف الحقيقي هو حرمان الساكنة من حقوقها الاقتصادية والتنموية.
وسجل الخبير في الشؤون الدبلوماسية أن هذه الحملات، إلى جانب بعدها السياسي، تمثل أيضا انتهاكا واضحا لحق أساسي أقرّته الأمم المتحدة منذ سنة 1986، وهو الحق في التنمية.
وأبرز المتحدث عينه أن “حرمان المنطقة من الاستثمارات يعني حرمان المواطنين من فرص الشغل، وإقصاءهم من البنيات التحتية المصاحبة للمشاريع الكبرى، وتعطيل اندماجهم في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية في إطار السياسات الوطنية”، مشددا على أن “خطاب البوليساريو حول حقوق الإنسان يظل متناقضا مع ممارساتها على أرض الواقع”.
وأضاف محمد الغيث ماء العينين أن المغرب يرد على هذه المناورات بالمزيد من الانفتاح والاستثمارات النوعية، حيث تحولت الداخلة والعيون إلى ورشين مفتوحين لمشاريع كبرى في مجالات الطاقات المتجددة والبنيات التحتية والمناطق الصناعية واللوجستيكية، مبرزا أن “آخر مثال واضح هو توقيع اتفاقية التوأمة بين مدينة درو الفرنسية وجماعة الداخلة، بحضور مسؤولي شركة “GEDIA” نفسها؛ وهو ما يعكس اعترافا عمليا من طرف شريك أوروبي بمغربية الصحراء”.
وأكمل نائب رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن المقارنة بين النموذج المغربي والنموذج الجزائري-البوليساريو كافية لشرح الصورة؛ فالمغرب يقدّم للمواطنين استثمارات وفرص عمل واندماجا في الاقتصاد العالمي، بينما لا تقدم الجبهة وحاضنتها الجزائر سوى التهميش والتجويع.
وأشار في هذا السياق إلى أن “التقرير الأخير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في يوليوز 2025 كشف معطيات صادمة بخصوص الوضع الإنساني بمخيمات تندوف، حيث يعاني 13 في المائة من الأطفال من سوء تغذية حاد؛ وهو معدل يضعهم في خانة الخطر الشديد وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية، أي على بعد درجة واحدة من مستوى المجاعة، في وقت تعيش فيه الجزائر على عائدات الغاز والنفط”.
وخلص ماء العينين إلى أن استهداف الاستثمارات الأجنبية في الأقاليم الجنوبية يشكل اعترافا ضمنيا بنجاح المغرب في معركة التنمية، لافتا إلى أن هذه الحملة ضد شركة “GEDIA” لن تغيّر من واقع الأمور شيئا؛ بل تفضح مرة أخرى طبيعة المشروع الانفصالي القائم على حرمان الصحراويين من حقهم في التنمية، في مقابل المشروع المغربي الذي يضع الاستثمار والتنمية في صلب استراتيجيته.
إفلاس قيادي
من جانبه، سجل سيدي السباعي، رئيس “شبيبة صحراويون من أجل السلام”، أن ما تقوم به قيادة البوليساريو من خلال حملتها ضد شركة “GEDIA” الفرنسية ليس سوى محاولة جديدة لبيع الوهم للصحراويين وصناعة انتصارات وهمية، في وقت يقر فيه الجميع بفشل خمسين سنة من سياسات عرقلت التنمية وحالت دون استفادة الساكنة من ثروات حقيقية وفرص واعدة.
وأضاف السباعي، ضمن إفادة لهسبريس، أن الهدف الرئيسي لهذه الحملة يكمن في عرقلة المشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية المغربية، على الرغم من أن مصالح الصحراويين اليوم تتجلى في دعم مثل هذه المبادرات الاستثمارية التي تخلق فرص عمل للشباب وتوفر طاقة نظيفة وتحسن البنيات التحتية.
واعتبر المنشق عن جبهة البوليساريو الانفصالية أن “محاولات البوليساريو لإفشال هذه المشاريع لا تعكس سوى تناقضا صارخا مع مصالح الساكنة التي تدعي الدفاع عنها”.
وأكد المتحدث ذاته أن استخدام ذرائع قانونية واهية مثل “مخالفة القانون الدولي” لم يعد يجد صدى في الأوساط الدولية، لا سيما أن المنطقة تحتضن بالفعل مشاريع ناجحة في مجالات متعددة، شجعت شركات دولية ووطنية على توسيع استثماراتها.
وأبرز رئيس “شبيبة صحراويون من أجل السلام” أن استمرار “GEDIA” في برنامجها الاستثماري رغم حملة البوليساريو، دليل واضح على محدودية تأثير هذه المناورات وفشلها في تعطيل مسار التنمية.
وشدد السباعي على أن هذه التحركات تأتي في وقت تعزز فيه العلاقات المغربية-الفرنسية بشكل أكبر، حيث تُرجمت مؤخرا بتوقيع اتفاقية توأمة بين مدينة درو الفرنسية وجماعة الداخلة، في خطوة تؤكد اعترافا عمليا بمغربية الصحراء وترسخ ثقة شركاء دوليين في مستقبلها الاقتصادي.
وتابع الفاعل عينه قائلا: إن الاستثمارات الفرنسية وغيرها من الاستثمارات الأجنبية بالصحراء المغربية تجسد توجها دوليا واضحا يعكس إقرارا بواقع التنمية والاستقرار، في مقابل خطابات البوليساريو البئيسة التي ظلت لخمسة عقود عائقا أمام جهود بناء اقتصادي حقيقي.
وأنهى سيدي السباعي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن تصرفات البوليساريو لا تعدو أن تكون محاولات يائسة للتشويش على مسار التنمية، باستخدام حجج ضعيفة تفتقد القوة والإقناع، في وقت تتجه فيه المواقف الدولية نحو الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء ودعم النموذج التنموي الذي تحتضنه الأقاليم الجنوبية.