محمود هرواك
في زحمة الأخبار المكرورة والبيانات المعلبة، برزت تسريبات غامضة تكشف عن خيوط خطة صادمة، تحمل بصمة عمليات “الراية الكاذبة” التي تلجأ إليها بعض الأنظمة عندما تضيق مساحات المناورة. الحديث هنا عن الجزائر، وعن شخصية غير عادية: ممثل حركة حماس فوق ترابها، يوسف حمدان.
حسب ما تسرب، فإن الأجهزة الجزائرية كانت بصدد حبك سيناريو اغتيال متقن عبر طائرة مسيّرة هجومية، تنقض في لحظة خاطفة لتصيب الهدف بدقة، قبل أن يُترك المشهد ملطخاً بالدم والرماد. لكن الهدف لم يكن التصفية في حد ذاتها، بل الرواية الرسمية التي ستُنسج حولها: “إسرائيل بمعية المغرب نفذا عملية فوق أرض الجزائر”.
المشهد: درون يقتل وحكاية تُكتب
المخطط المفترض قائم على عنصر أساسي: الإخراج الإعلامي الرديئ! فالضربة كان مقرراً أن تنفذها طائرة مسيرة متطورة اشتغل عليها الحرس الثوري الإيراني، لتُخلف وراءها بقايا معدنية وبصمة تقنية يمكن نسبها إلى قوة أجنبية.. وهنا تدخل ماكينة الدعاية الرسمية، لتبني خطاباً عن ما سيسمونه “الاستهداف الصهيوني والمغربي للقضية الفلسطينية داخل الجزائر”، وعن “المؤامرة التي تحاك ضد الدولة الوطنية”.
بهذا الشكل، لن تكون العملية مجرد حادث أمني، بل مسرحية سياسية تستثمرها السلطة في الداخل والخارج:
داخلياً: إذكاء العصبية الوطنية، وتحويل الأنظار بعيداً عن أزمات الاقتصاد والفساد والاحتجاجات الاجتماعية.
إقليمياً: تصدير صورة الجزائر باعتبارها المستهدَف الأول في المنطقة، وجرّ المغرب إلى دائرة الشك والاتهام.
دولياً: الضغط على المنابر الأممية عبر خطاب “الضحية”، وتحميل إسرائيل والمغرب وزر العملية.
الدوافع: حين يُصنع العدو لإنقاذ الداخل
الجزائر ليست جديدة على هذا الأسلوب؛ كلما اشتد الخناق الداخلي، يُستحضر “العدو الخارجي”. وما أدلّ على ذلك من الحملات المتكررة التي تُوجَّه ضد المغرب. غير أن استهداف شخصية فلسطينية محسوبة على “حماس” يمثل نقلة نوعية في تكتيك النظام الجزائري: اللعب بورقة وجدانية تتجاوز الحدود الجغرافية، لتضرب على وتر حساس في الضمير العربي والإسلامي.. والغاية؟ صناعة حدث جلل، يُنسي الشارع مشاكله اليومية، ويعيد ترتيب الأولويات وفق أجندة السلطة.
الرد المغربي: حين تُحاك المؤامرة في الظل
لم يقف المغرب مكتوف الأيدي هذه المرة أمام التسريبات. فقد بادرت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديستي) إلى تقديم شكاية ضد الجهات التي فبركت ونشرت هذه الرواية. في بلاغها، شددت المؤسسة على أن الهدف الحقيقي من وراء هذه الحملة هو تشويه سمعة الأجهزة المغربية ومحاولة الطعن في استقلالية قراراتها.
أبعد من ذلك، حرصت الرباط على بعث رسالة واضحة: أن الأمن المغربي حصين، وأن أي محاولة لزرع الشكوك أو إلصاق تهم وهمية ستصطدم بجدار صلب من المهنية والشرعية.
بين الحقيقة والخيال: حرب مفتوحة
قد يتساءل البعض: هل الخطة واقعية فعلاً أم مجرد صناعة افتراضية؟ في الحقيقة، لا يهم الجواب بقدر ما تهم الرسالة. نحن أمام فصل جديد من الحرب الإعلامية والنفسية على الرباط من قِبل الجزائر، حيث تحولت الأخبار الكاذبة إلى سلاح استراتيجي، يُستعمل كما تُستعمل الصواريخ والطائرات.. ومهما يكن، فإن إدخال اسم “حماس” على الخط يعكس خطورة اللعبة: خلط الأوراق بين المحلي والإقليمي، بين الأمن والسياسة، بين التضامن مع فلسطين وتصفية الحسابات الداخلية.
جزائر العسكر والمؤامرة كسلاح سياسي
القصة، في نهاية المطاف، ليست سوى محاولة أخرى لإعادة إنتاج خطاب “العدو الخارجي”. لكنها تكشف شيئاً أهم: أن السلطة في الجزائر مستعدة لافتعال صدمات كبرى، حتى لو كانت على حساب قضايا مقدسة، لتثبيت شرعيتها.. وبينما يواصل الإعلام الرسمي للجزائر تسويق الحكايات الجاهزة، يبقى السؤال معلقاً: من يحمي الأمن المغاربي من ألاعيب بعض العواصم؟ ومن يدفع ثمن هذا العبث الاستراتيجي؟
مملكتنا.م.ش.س