محمود هرواك
في المشهد الدبلوماسي المعقد لمجلس الأمن، كان سعي الجزائر لتعديل مشروع القرار الأمريكي حول الصحراء المغربية بمثابة محاولة لإطلاق “رصاصة تعديل” على النص، لكنها ارتدت لتصيب هدفها وتُعزز من الموقف المغربي. النتيجة لم تكن مجرد فشل في التغيير، بل فوز بالضربة القاضية للطرح المغربي، مع فرض التزامات جديدة على الأطراف الأخرى.
كأن الجزائر دخلت قاعة المحكمة كـ”مُستأنف” يسعى لتبرئة ساحته، فخرج بـ”عقوبة مضاعفة” تثقل كاهله.
⚖️ الإحصاء يكسر جدار الصمت: هدية لم يكن يتوقعها المغرب
أشد التغييرات التي أتت كنكسة على الموقف الجزائري كانت تلك الفقرة التي أضيفت بطلب تعديل، وهي: ضرورة تسجيل وإحصاء ساكنة مخيمات تندوف.
المثل الجديد: هذا البند كان أشبه بـ “مارد خرج من القمقم” إذ لم يكن له وجود في المسودة الأصلية. سعت الجزائر إلى محو نصوص تثبت سيادة المغرب، فإذا بالولايات المتحدة تُلزمها بـ”شرط شفافية” طالما تحاشت الوفاء به لعقود.
الوزن الحقيقي: الإحصاء يهدد بقطع شريان الدعم المالي الذي يتم جمعه بناءً على أعداد مبالغ فيها، ويفتح ملف حقوق الإنسان المغلق في المخيمات، مزيدا من الضغط على الجزائر بخصوص مسؤوليتها الدولية.
واشنطن ترسخ الإطار: الحكم الذاتي هو بوصلة الحل
التصريحات الأمريكية الأخيرة، وخصوصاً من مسؤولين رفيعي المستوى، ظلت تؤكد أن “التفاصيل قد تتغير، لكن الاتجاه لا يتغير”. وهذا ما حدث تماماً في مشروع القرار:
المثال القديم يُعاد صياغته: إذا كانت كلمة “وحيد” (The only) قد حُذفت، فهي كـ “إزالة حجر صغير من أساس جبل أشمّ”.. الجبل (الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية) لم يهتز.
القياس المنطقي: المبادرة المغربية وُصفت بـ”الحل الأكثر جدوى” و”الأساس الأكثر مصداقية”.. هذا ليس مجرد خيار من بين خيارات، بل هو “النقطة المرجعية” التي يجب أن تنطلق منها كل المفاوضات. هذه اللغة الدبلوماسية تُرسّخ الحكم الذاتي كـ”البوصلة التي يجب على الأطراف التحرك وفق اتجاهها”
نتيجة المحاولة: سعت الجزائر لجعل القرار “مبهماً” لإعادة طرح خيار الاستفتاء غير الواقعي. فإذا بالقرار يخرج أكثر “تحديداً” و”إلزاماً” بالإطار المغربي، مُهمشاً بشكل كامل أي إشارة إلى “الاستفتاء” الذي هو مطلب الجزائر الأساسي.
في المحصلة، لقد تحولت محاولة الجزائر إلى “دعوة دبلوماسية” لتعزيز ثقل الحكم الذاتي في نظر المجتمع الدولي، وبدلاً من تلطيف الموقف، زادت من الضغوط المسلطة على أطروحتها.
مملكتنا.م.ش.س
![]()



