تباين تصريحات البوليساريو يعكس هشاشة القيادة وتزايد الضغوط الدولية

الإثنين 17 نوفمبر 2025 - 09:56

تداولت منصات مقربة من جبهة البوليساريو معطيات تفيد بأن قيادة الجبهة تستعد للإعلان عن عودتها إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة، وذلك بعد خمس سنوات من خرقه في أعقاب أحداث الكركرات الحدودية.

ووفق المصادر ذاتها، فقد وُجّهت أوامر داخلية لقادة النواحي العسكرية بوقف جميع الأنشطة الاستفزازية قرب الجدار الأمني، في خطوة تعكس التحركات المكثفة التي باشرها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، خلال الأيام الأخيرة، من أجل تهيئة الظروف المناسبة لإطلاق مسار المشاورات المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797.

وتزامنا مع هذه التطورات، خرجت بعض الأصوات من داخل الجبهة لتنفي الخبر وتقدّم روايات متناقضة، في مسعى لامتصاص حالة الاحتقان داخل مخيمات تندوف، حيث تتزايد مظاهر العصيان المدني والتذمر الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية واستمرار الجمود السياسي.

ويرى مراقبون أن هذه التصريحات المتعارضة تعكس هشاشة البنية القيادية للجبهة الانفصالية، ومحاولة الأطراف غير الوازنة فيها تهدئة قواعدها، في وقت تواجه فيه البوليساريو عزلة حادة ساهمت في تجاوز خطابها التقليدي على المستوى الأممي.

وتشير القراءة السياسية لهذا المستجد إلى أن قرار العودة لاحترام الاتفاق يعكس واقعا جديدا فرضته الانتصارات الدبلوماسية المتلاحقة للمغرب على المستويين الأممي والسياسي، خاصة بعد التأكيد الدولي المتزايد على جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الإطار الوحيد الواقعي لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

وفي ظل هذه المتغيرات، تبدو قيادة البوليساريو مضطرة لإعادة تموضعها والانخراط مجددا في مسار التهدئة، بعد سلسلة من الانكسارات التي جعلت استمرارها في نهج التصعيد العسكري خرقا لمضامين القرار الأممي الأخير رقم 2797 وأمرا غير قابل للاستدامة في ظل عودة الأطراف المرتقبة للمفاوضات المباشرة.

وبهذا الخصوص، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش”، إن الالتزامات الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بالحالة في الصحراء المغربية، لم تترك أمر تحديد الوضع الأمني في المنطقة بيد الأطراف، مشيرا إلى أن “اعتماد المقترح المغربي للحكم الذاتي كإطار مرجعي للمفاوضات المزمع تنظيمها في الأيام القادمة، يعد خطوة حاسمة لتفادي أي تراخٍ قد يضعف جهود الأمم المتحدة والدول المعنية في التوصل إلى حل سياسي عادل ومتوافق بشأنه”.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن النزاع في الصحراء المغربية يعد أحد أطول النزاعات الإقليمية في العالم منذ انسحاب إسبانيا عام 1975، وقد خلف حالة نزوح شاذة بالمخالفة للقانون الدولي، وتسبب في توترات إقليمية وعقود من الجمود الدبلوماسي، لم تحقق سوى وقف لإطلاق النار عبر بعثة أممية عام 1991، في حين فشل الاستفتاء على تقرير المصير بسبب تنكر الجزائر والبوليساريو لالتزاماتها وافتعال خلافات سياسية وقضايا ديمغرافية معقدة.

وأوضح المتحدث ذاته أن مغامرات تنظيم البوليساريو أدت إلى تجدد الأعمال العدائية عام 2020 وانهيار وقف إطلاق النار من جانب واحد، مما كاد يقوض آفاق إحلال السلام في المنطقة، مؤكدا أن “أي مسار سياسي جاد لا يمكن أن ينطلق دون التزام متجدد وموثوق من الجبهة وحاضنتها الجزائر بوقف إطلاق النار، لضمان بيئة أمنية مستقرة تتيح نجاح المشاورات المقبلة”.

وسجل نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن مبادرة الحكم الذاتي المقدمة من طرف المملكة المغربية عام 2007 حظيت بدعم دولي متزايد، كونها تمثل حلا واقعيا يضمن استقرار المنطقة، ويضع نظام الحكم الذاتي كحل وسط بين الاستقلال الكامل والاندماج الكامل، مع التزامه بالمعايير الدولية للحكم الذاتي وحماية حقوق السكان المحليين في الصحراء المغربية.

وأكد المحلل الصحراوي أن الأخبار التي تتناول اتخاذ البوليساريو إجراءات لوقف العمليات العدائية على الحدود المغربية، تمثل أحد الشروط الأساسية الملزمة وفق منطوق القرار الأممي لبدء التهيئة لإطلاق المسار التفاوضي، وأن استعادة وقف دائم لإطلاق النار هو الشرط الضروري الوحيد لإحياء مفاوضات جادة تستند إلى مقترح الحكم الذاتي.

وخلص عبد الوهاب الكاين إلى أن نجاح أي مسار سياسي في الصحراء المغربية مرتبط بشكل مباشر بوجود بيئة أمنية مستقرة، وأن الالتزام الفعلي من البوليساريو وحاضنتها الجزائر بوقف الأعمال العدائية يمثل خطوة أساسية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف، وتقليل معاناة المدنيين، وتمكين الأمم المتحدة والدول المعنية من استكمال جهودها لتحقيق حل عادل ودائم للنزاع.

من جانبه، سجل دداي بيبوط، فاعل سياسي باحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية لم تهنأ يوما من الهجمات العشوائية التي شنتها جبهة البوليساريو على المناطق الحدودية منذ سبعينات القرن الماضي، بدعم من ليبيا والجزائر، ما أدى إلى عمليات تهجير قسري ونزوح جماعي للصحراويين إلى مخيمات تندوف، في محاولة للضغط على المغرب سياسيا ودبلوماسيا وإجباره على التنازل عن مطالبه المشروعة وترسيم حدوده التاريخية.

وأوضح بيبوط، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن جهود الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين أسفرت عن توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1991 تحت إشراف بعثة المينورسو، بعد ستة عشر عاما من الحرب، بهدف وقف الأعمال العدائية وتوفير بيئة مناسبة لتنفيذ خطة التسوية التي كانت تشمل إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، إلا أن العراقيل التي وضعتها الجزائر والبوليساريو حول أهلية الناخبين وتفسير حق تقرير المصير حالت دون تنفيذ الخطة.

وأكد الفاعل السياسي أن وقف إطلاق النار وفّر لأكثر من ثلاثة عقود استقرارا نسبيا، وخلق إطارا للمفاوضات الدبلوماسية تحت رعاية الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تحسين الظروف الإنسانية وتطوير التنمية بالأقاليم الجنوبية للمملكة؛ غير أن الأطراف الأخرى اعتبرت الهدنة تراجعا عن مطالبها، وخرقت الاتفاق بدءا بأحداث الكركرات في نونبر 2020، مما أدى إلى انهيار عملي لوقف إطلاق النار من جانب البوليساريو.

ولفت بيبوط الانتباه إلى أن هذه الأعمال العدائية، رغم انخفاض شدتها، أثرت على قدرة بعثة الأمم المتحدة على أداء مهامها وزادت من حدة التوتر الإقليمي، مؤكدا أن “استمرار وقف إطلاق النار يمثل شرطا أساسيا لانطلاق المفاوضات وفق منطوق القرار الأممي رقم 2797؛ إذ لا يمكن تصور إجراء مسار تفاوضي ناجح في ظل صراع مستمر وغياب بيئة أمنية مستقرة”.

واسترسل المهتم بنزاع الصحراء بأن الرسائل الأممية الموجهة إلى قيادة البوليساريو تعكس جدية المجتمع الدولي في الالتزام بقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها اعتماد خطة الحكم الذاتي المغربية كإطار مرجعي لأي تفاوض، مشددا على أن “استعادة وقف إطلاق النار تعزز دور الأمم المتحدة في استئناف العملية الدبلوماسية وتساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي وتسهيل التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب، وربط المشاريع الاقتصادية والطاقة بين شمال غرب إفريقيا وأوروبا وغرب إفريقيا”.

وأنهى بيبوط حديثه له بالتأكيد على أن استدامة وقف إطلاق النار وحلحلة المشاكل العالقة بين المغرب والجزائر، مسألة تشكل أساسا لإعادة بناء الثقة، وتتيح للأمم المتحدة والدول المعنية الدفع قدما بمسار تفاوضي جاد وفعّال، وهو الشيء الذي سيسهم في تحقيق تسوية عادلة ودائمة للنزاع ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 - 16:49

السياسة لا تحترم البكّائين .. الجزائر تخرج بـ”خفّي حنين” من مجلس الأمن .. فهل سقطت أخيرًا أسطورة “المناورات العاطفية” ؟

الأحد 16 نوفمبر 2025 - 21:01

صحراويون يراسلون المبعوث الأممي

الأحد 16 نوفمبر 2025 - 11:51

الحكومة تواصل تنزيل برامجها وتضع التنمية الترابية في صلب دينامية “المغرب الصاعد” (السيد أخنوش)

الإثنين 10 نوفمبر 2025 - 20:53

الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية لجلالة الملك من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي (تصريحات)