بروكسيل – جدد الاتحاد الأوروبي تأكيده الرسمي على عدم اعترافه بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة، مشددا على أن حضور هذا الكيان في أي اجتماعات مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي لا يغير من موقفه الثابت.
ورغم أن هذا التصريح الأوروبي شكّل “صفعة سياسية قوية” لجبهة البوليساريو والجزائر، حسب رأي بعض الخبراء، إلا أنه فجّر انتقادات حادة تجاه أداء الدبلوماسية المغربية في التعامل مع هذه الاختراقات المتكررة.
وبينما يرى خبراء أن إصرار الاتحاد الأوروبي على عدم الاعتراف لا يغير من واقع حضور “الكيان الوهمي” في القمم الأفريقية-الأوروبية، وهو ما يخدم “البروباغاندا الجزائرية والانفصالية”، يؤكد آخرون أن الموقف الأوروبي يشكل “صفعة سياسية قوية” للبوليساريو والجزائر، ويوجه رسالة واضحة بأن مشاركة هذا الكيان لا تؤثر في السياسة الأوروبية.
التأكيد و”البروباغاندا”
قال أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية متخصص في ملف الصحراء، إن إعادة تأكيد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية على أن الاتحاد لا يعترف بـ”جمهورية تندوف” المزعومة، لا يغير شيئا في واقع حضور الكيان الوهمي في ثالث قمة أوروبية-أفريقية منذ 2017، وهو ما يخدم البروبغاندا الجزائرية والانفصالية ولو إعلاميا.
وتابع نور الدين ضمن تصريح له : “كما أنه لا يغير من واقع العجز المزمن للخارجية المغربية التي تتجاهل الطريق الوحيدة التي نصحناها منذ 2017 بسلوكها من أجل استئصال الورم الخبيث من جذوره عوض أخذ البارسيطامول من أجل تسكين الألم دون علاج جذوره”.
وأضاف: “ما يقع الآن في سنة 2025 في قمة لواندا بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، هو ما حذرنا منه في قمة مالابو سنة 2016 بين الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، مرورا بقمة أبيدجان 2017 بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، ثم قمة تيكاد بين اليابان وأفريقيا في تونس 2022 ويوكوهاما 2025، وغيرها من القمم التي تجمع الاتحاد الأفريقي مع دول أو اتحادات دولية: نفس السناريو ونفس الممثلين ونفس المخرج”.
ويرى نور الدين أن أصل الداء هو بقاء “جمهورية تندوف الوهمية” عضوا داخل الاتحاد الأفريقي، وأن الحل الوحيد هو أن “تتحرك الدبلوماسية المغربية لطرد الكيان الوهمي من الاتحاد الأفريقي”، موضحا: “لأن الاتحاد الأفريقي هو من يوجه الدعوة إلى الكيان الوهمي لحضور كل القمم والاجتماعات بوصفه (عضوا) في الاتحاد”.
طرد البوليساريو
يرى نور الدين أن “هناك إخلال واضح بالواجب من طرف وزارة الخارجية في هذا الملف؛ لأن الرسالة التي وجهها العاهل المغربي إلى قمة كيغالي الأفريقية تضمنت عبارة واضحة، هي أن (المغرب عاد إلى عائلته الأفريقية لتصحيح الخطأ التاريخي) المتمثل في عضوية كيان لا تتوفر فيه شروط العضوية لا في السابق ولا في الحاضر والمستقبل”.
وأكد المتخصص في ملف الصحراء أن “الاتحاد الأفريقي منظمة للدول، وليس تجمعا أو ناديا للحركات والتنظيمات والميليشيات، ومعلوم أن الكيان الوهمي في تندوف يفتقر إلى أي مقوم من مقومات الدولة كما هي معروفة في القانون الدولي”، موضحا أن “جمهورية تندوف كيان فوق الأراضي الجزائرية، ولا يمكن لكيانين مستقلين أن يقوما على الحيز الجغرافي نفسه، وفي ذلك تنافٍ واضحٌ مع مبدأ السيادة على الأرض، بالإضافة إلى أن رئيس الكيان الوهمي وأعضاءه لا يتوفرون حتى على جوازات السفر، ويتحركون عبر العالم بجوازات سفر جزائرية، وهو ما يشكل لوحده سببا كافيا لهدم عضوية هذا الكيان في الاتحاد الأفريقي، لأن حمل قادته جوازات سفر جزائرية يعني أن الجزائر تتوفر على مقعدين داخل المنظمة الأفريقية، في خرق واضح لميثاق الاتحاد الذي يمنح مقعدا واحدا لكل دولة عضو، فكيف تحتل الجزائر مقعدين؟!”.
وشدد نور الدين على أن “هذه أبسط حجة لطرد الكيان، وإلا فهناك ألف حجة وحجة قانونية وسياسية لطرده، وعلى رأس تلك الحجج القاعدة القانونية (ما بني على باطل فهو باطل)، التي تنطبق على (جمهورية تندوف) التي أُقحمت داخل المنظمة الأفريقية في تناقض صارخ مع الفصل الرابع من ميثاق الوحدة الأفريقية آنذاك الذي كان ينص على أن العضوية خاصة وحصرية للدول المستقلة وذات السيادة، وهو ما لا يتوفر في الكيان”.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية إلى أن “الحل الوحيد حتى لا تتكرر هذه المسرحية كل قمة أفريقية مع أوربا أو أي بلد آخر، هو أن تقوم الخارجية المغربية بواجبها الذي أشارت إليه الرسالة الملكية بطرد الكيان من الاتحاد الأفريقي، وهو ما لم تقم به الخارجية ولم تشرع منذ ذلك الحين في أي مسطرة قانونية أو مبادرة سياسية لتفعيله رغم مرور عشر سنوات على هذا التوجيه الملكي”، معلقا: “إذا لم يكن هذا التجاهل من طرف الخارجية لرسالة ملكية إخلالا بالواجب، فلا أدري كيف يكون الإخلال بالواجب؟!”.
صفعة سياسية
قال لحسن أقرطيط، باحث في العلاقات الدولية، إن موقف الناطق باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية يشكل “صفعة سياسية قوية” لجبهة البوليساريو وللدولة الجزائرية، التي–بحسب رأيه–تحاول في كل مرة استغلال القمم التي يكون فيها الاتحاد الأفريقي طرفا من أجل تحقيق مكاسب أو اختراقات دبلوماسية.
وأوضح أقرطيط، ضمن تصريح له ، أن تأكيد الاتحاد الأوروبي على عدم اعترافه بالبوليساريو، وعلى أن حضور هذا الكيان في أي قمة لا يمثل اعترافا رسميا به، هو موقف يوجّه رسالة واضحة مفادها أن مشاركة البوليساريو لا تؤثر في جدول أعمال القمم المشتركة بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي، ولا تغيّر من السياسة الأوروبية الرسمية تجاه النزاع.
ويرى المتحدث أن هذا الموقف الأوروبي جاء ليضع حدا لمحاولات الجزائر-التي تتكرر مع كل قمة أفريقية-لدفع الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي نحو مواقف تخدم روايتها السياسية، ويشدّد على أن بروكسيل من خلال هذا التصريح تؤكد أن موقفها ثابت تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ومع ذلك، لفت أقرطيط إلى أن مسؤولية كبيرة ما تزال ملقاة على عاتق منظمة الاتحاد الأفريقي نفسها، التي هي “مطالبة بالانسجام مع قرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي اعتمد الحكم الذاتي باعتباره الأرضية السياسية الوحيدة لأي مفاوضات مستقبلية”.
وأضاف أن الاتحاد الأفريقي إذا أراد تنزيل هذا الموقف بشكل عملي، عليه أن يمنع جبهة البوليساريو من المشاركة في القمم التي يحضرها بصفته إطارا رسميا، لأن هذا الكيان-كما يقول-لا يحمل صفة دولة معترف بها دوليا.
في السياق نفسه، أشار أقرطيط إلى أن موقف الاتحاد الأفريقي المتخذ في قمة أكرا قبل عامين يشكل مرجعا مهما؛ إذ شدد حينها على أن المشاركة في القمم يجب أن تقتصر على الدول، دون الكيانات غير السيادية، ومن بينها جبهة البوليساريو.
ويخلص الباحث في العلاقات الدولية إلى أن احترام الاتحاد الأفريقي لميثاقه التأسيسي وللقواعد المنظمة للعلاقات الدولية، يفرض عدم منح أي تمثيل لكيانات غير معترف بها دوليا، كما يشير إلى أن مجلس الأمن الدولي قال كلمته في هذا النزاع، وبالتالي “ليس مطلوبا من الاتحاد الإفريقي أن يغني خارج سرب الشرعية الدولية والأممية”.
مملكتنا.م.ش.س
![]()



