محمود هرواك
في اختتام بهيج للدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح، المنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعلنت فرقة “هيبآرت للثقافة والفنون” من فاس عن نفسها كقوة إبداعية لا يستهان بها، بتحويلها هذه المرة الصمت إلى نص يتلألأ فوق منصات التتويج.
استحق عرض الفرقة الأيقوني “ممانعة” الصدارة، حيث حصدت الكاتبة الموهوبة “شيماء مزين” جائزة أحسن نص مسرحي، وهي جائزة تقاسمتها مناصفةً مع الكاتب علي الداه عن مسرحية “عظم السما”. هذا التكريم يعد اعترافاً بليغاً بالبصمة الأدبية والفكرية التي أسست عليها “مزين” رؤية العرض، محوّلةً ثقل التجربة الإنسانية إلى لغة شعرية عميقة.
ولم يتوقف الإشعاع عند حدود النص، بل امتد ليلامس الأداء، حيث سجلت الفنانة القديرة “جليلة التلمسي” ترشيحاً مستحقاً لجائزة أحسن تشخيص نسائي. يُبرهن هذا الترشيح على العلاقة الوثيقة بين النص القوي والجسد القادر على تجسيد “ممانعة” على الخشبة، مؤكداً أن الصراع الدرامي وُلد مرتين: في مقام أول على الورق وفي ثانٍ على الأداء الحي.
“ممانعة” .. حين ينفجر صمت راضية
لم تكن “ممانعة” مجرد مسرحية، بل كانت جبهة فنية وفكرية خاضتها الفرقة بالتعاون مع مسرح أكواريوم وبدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة. تتكثف قصة العرض في شخصية “راضية”، التي يغدو صمتها الممتد تحت وطأة الهيمنة الزوجية شرارة مواجهة تقلب الموازين.
يُشير المنجز الإبداعي إلى أن الكلمات التي حبستها سنوات طويلة تنفجر كنهر هادر، يقتلع قيود الخضوع ويفرض على المتفرج رؤية صراع داخلي عميق، جسده المخرج “عادل أبا تراب” بتقنيات تعتمد على لغة الجسد والكوريغرافيا، مُحلقاً بالتجربة من الواقعي إلى الرمزي.
جسّد هذا التناغم بين الوعي والتعبير فريق من الممثلين المقتدرين: جليلة التلمسي، وزينب علجي، وأمين التاليدي، الذين نقلوا تجربة “راضية” من ظلال الانكسار إلى ضوء المواجهة.
خلف الكواليس .. الحرفيون وصناع الجمال
إن ولادة هذا العمل المؤثر، الذي أكدت به فرقة “هيبآرت” مكانتها كصوت فني يصر على خوض مغامرات جمالية وفكرية تضع المرأة وقضايا التحرر في قلب الحكاية، ما كانت لتتم لولا جيش من الحرفيين والمبدعين الذين شكلوا نسيج العرض المرئي والسمعي:
الأنساق الجمالية: صمم كل من كوثر بنسجاي السينوغرافيا والملابس، وقامت فاطمة حموشة بتنفيذ الملابس.
الضوء والصوت: تولى آدم الصبير تصميم الإضاءة التي حولت الخشبة إلى ساحة صراع نفسي، بينما نسج معاد بياري المابينغ والتأليف الموسيقي، وأبدع زكرياء المسقيم في موسيقى العرض.
إدارة المنصة: كان للحضور الدقيق في إدارة الخشبة دور رئيسي، حيث أشرف أيوب واحمان على إدارتها، وتكفل طارق القرقوحي وبدر العباسي بتنفيذ الديكور، بينما تولى طيب الجعفري إدارة الصورة
الهيكل التنظيمي قاد المتألق الألمعي عثمان لبيض إدارة الإنتاج، وتولى رضا جعفري التنسيق، بينما أشرفت بسمة العلج على الإدارة والتواصل، وكانت المحافظة العامة من نصيب محمد القدميري .
بهذه الكوكبة من الأسماء، لم تكتفِ “هيبآرت” بتقديم مسرحية، بل قدمت رؤية متكاملة توجت بـ”أحسن نص”، مؤكدة أن مدينة فاس ما تزال منبعاً للفن المسرحي الذي يفتح الأسئلة الكبرى بدل أن يغلقها.
مملكتنا.م.ش.س
![]()



