دبي ــ شكلت “شراكة التعليم الأخضر”، التي احتضنها مؤتمر الأطراف “كوب28” بدبي، فرصة مهمة لدى خبراء المناخ المغاربة الذين ارتفعت أصواتهم دائما للمطالبة بضرورة ضمان تأهيل القطاع التعليمي المغربي حتى يكون نظاما تعليميا مستداما وصديقا للبيئة، وقادرا بالضرورة على خلق أجيال متشبعة بالثقافة البيئية وتساهم من زاويتها من خلال السلوك الإنساني المستدام في مكافحة التغيرات المناخية.
ولا أحد ينكر أن الانبعاثات الناجمة عن السلوك البشري تعتبر أيضا مساهمة في ارتفاع درجة احترار الأرض؛ وهو ما مثل نقطة أسياسية بالنسبة للباحثين المغاربة في المناخ والتنمية المستدامة للدعوة إلى ملاءمة الإستراتيجية التعليمية الوطنية مع الاستراتيجية الطاقية والتنموية لضمان جهد مشترك ومتكامل بين الدولة والمواطنين. وتبدو هذه الالتقائية حلا للتخفيف من المخاطر الناجمة عن التغير المناخي.
حاجة تاريخية
عبد الرحيم الكسيري، خبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة ورئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، قال إن “التعليم الأخضر، في السنين الأخيرة، أصبح يفرض نفسه كمفهوم ناشئ ما زال يتطور باستمرار؛ ولكن في مؤتمر الأطراف “كوب28” أخذ مكانة في ظل “الشراكة العالمية من أجل التعليم الأخضر”؛ بالنظر إلى أن العالم استوعب أن هذا التعليم لم يعد اختيارا، بل ضرورة ملحة تقتضيها السرعة التي يتحول بها الوضع البيئي نتيجة التغيرات المناخية”.
وأكد الكسيري، في تصريحه له ، أن “التحولات التي يخضع لها العالم جعلتنا نعيش أزمات تتطلب تحولات في المفاهيم وفي فهمها وإدراكها”؛ أولا لأنها “عبارة عن نسق معقد فيه تداخلات، مثلما هو الوضع في كل ما هو اقتصادي اجتماعي بيئي ثقافي”، خصوصا أن “هذه التحولات فرضت منطقا جديدا للتعاطي معها، فصرنا أمام مفاهيم جديدة ومقاربات طارئة، وحلول جديدة ذات رؤية مختلفة للعالم”، أفاد المتحدث.
ومن هذه المنطلقات، اعتبر الخبير البيئي أن المناهج التربوية المغربية والمواد الدراسية والتخصصات الجامعية يتعين أن تنفتح على التعليم الأخضر لمسايرة المنطق الجديد الذي يحكم العالم، والذي ما فتئ يحضر فيه العنصر البيئي بشكل أساسي”، موضحا أننا صرنا اليوم نحتاج إلى مقاربات ديداكتيكية جديدة تجعل الطفل، والمتعلم حاضرا في واقعه ومحيطه وقادرا على استيعابه، لكي لا يكون فقط متلقيا أو مستفيدا، بل فاعلا وجزءا من عملية التحول”.
وشدد المتحدث ذاته على “ضرورة ضمان الالتقائية والتكاملية بين المناهج الدراسية والحياة المدرسية، حتى يفهم المتعلم هذه المخاطر التي يتحدث عنها الإعلام باستمرار”، مؤكدا أن التعليم الأخضر يقتضي أن تكون هناك مدارس خضراء في البنية الخاصة بها وفي فضاءاتها وفي ممارساتها”، وزاد: “نحتاج إلى الدخول في هذا النادي المتعلق بالتعليم الأخضر بسرعة، من خلال إعادة النظر في المناهج المدرسية لتعزيز انفتاحها على أبعاد المناخ بطرق مختلفة”.
تأهيل مواطناتي
المصطفى العيسات، باحث وخبير في المناخ والتنمية المستدامة، اعتبر أن “الحاجة إلى التعليم الأخضر تعد أساسية، لكونها ستساعدنا على أن نخلق جيلا متشبعا بالثقافة البيئية ومدركا للتحديات التي يواجهها هذا المجال”، لافتا إلى أن “هذا التعليم سيبرز بالضرورة الجهود التي يبذلها المغرب منذ أزيد من 20 سنة في العمل المناخي”، وموضحا أن “جهود التكيف يحضر فيها أيضا البعد المواطناتي”.
وأكد العيسات، في تصريحه له ، أن حضور البعد المواطناتي انطلاقا من تأهيل التعليم الصديق للبيئة سيعزز التكامل بين الجهات الرسمية والفعاليات المدنية والسلوك الإنساني بشكل عام”، لافتا إلى أن “التغير المناخي فرض تحولا في المهن الحيوية”؛ ومن ثم، “هذا التكوين الجامعي والمهني يجب أن ينخرط في سيرورة المستقبل، من خلال إدراج تخصصات تراعي الشق الإيكولوجي لكي يستطيع الطالب أن ينخرط في هذه الأوراش التي يسير عليها العالم بسبب العمل المناخي”.
وأبرز المتحدث عينه أن “الحفاظ على التوازنات البيئة ليس ممكنا بدون تأطير وعي الشباب والأطفال والطلبة والتلاميذ، الذين هم مسؤولو الغد؛ فأغلب المشاكل البيئية التي نعيشها ناتجة عن أخطاء المسؤولين الحاليين”، وأورد: عندما لا نحافظ على الغطاء الغابوي الذي يشكل رئة الأرض واستغلاله في الانعاش العقاري وفي مشاريع اقتصادية صرفة فهذا يسائلنا”، وزاد: “نحتاج إلى عمل ملموس اليوم، بما أن هناك دينامية ويجب أن تتقوى، وألا تظل فعلا مناسباتيا وإنما أن ننفتح أكثر لتحقيق استدامة التنمية”.
وأشار المتحدث إلى أن “التعليم الأخضر يراهن على الحفاظ على البيئة انطلاقا من ترسيخ المعرفة. وتأهيل الطاقات البشرية هو أساس استدامة المشاريع؛ والمغرب لم ينتظر أن تكون اتفاقيات المناخ ملزمة للدول، بل انخرط فيها طوعيا، لتعزيز الاقتصاد الأخضر”، مسجلا أن “هذا التراكم لن يجعل المغرب يتردد في الرهان اليوم على هذا البعد العلمي والمعرفي؛ وهو ما صار يستدعي أيضا إطلاق مبادرات جامعية للبحث العلمي في المجال المناخي”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات