عزز المغرب من توجهه نحو أفريقيا اقتصاديا وثقافيا ودينيا، بعد أن كسب ثقة الأفارقة في نموذجه الديني المعتدل ومصداقية تعاملاته، ودفاعه عن الاستقلال الاقتصادي ورفع الهيمنة والظلم عن دولها. وجعل ذلك من الرباط شريكا موثوقا لا بديل عنه بين الدول الأفريقية والدول الغربية والآسيوية ذات المصالح المتنافسة في المنطقة الأفريقية.
يجمع خبراء الاقتصاد والمال والأعمال على أن المؤهلات الاقتصادية التي يتمتع بها المغرب أصبحت أكبر مفاتيح الوصول إلى الفرص الاقتصادية التي تتيحها قارة أفريقيا، بسبب الحضور الكثيف لشركاته ومؤسساته المالية التي توفر أفضل مدخل إلى قارة أفريقيا.
ويعتبر المركز المالي للدار البيضاء مشروعا فريدا في شمال أفريقيا ومنصة استراتيجية لا غنى عنها لدخول دول غرب أفريقيا، إلى جانب المنطقة الحرة لطنجة المتوجة سنة 2012 كـأفضل منطقة حرة في العالم.
وقد أهل ذلك المغرب ليكون مركز جذب للاهتمام الدولي في مجالات الاستثمارات المتعددة، وقد عززه الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي رسخ ثقة الشركاء الاقتصاديين والمستثمرين العالميين.
ويتيح المركز المالي للدار البيضاء منصة فريدة وحزمة واسعة من الخدمات والمزايا الضريبية والمالية للمؤسسات المعنية، إضافة إلى أنه أصبح مقرا لأكبر المؤسسات المالية وشركات الاستشارات العالمية.
وتمكن المغرب من إرساء هذه المكانة بفضل الشراكة الاقتصادية “جنوب – جنوب”، التي توجتها زيادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس في بداية العام إلى دول الســـاحل بتوقيع نحو 88 اتفــاقية اقتصادية.
ويقول كريم حجي، الرئيس التنفيذي لبورصة الدار البيضاء، إن المغرب يتمتع بمميزات تنافسية فريدة في أفريقيا عززتها الشراكة بين بورصتي لندن والدار البيضاء، وبخطة محكمة لتطوير السوق المالية.
وانطلاقا من ذلك الرصيد الكبير وضع المغرب أهدافه الاستراتيجية لعام 2020، لتكريس نموذجه الاقتصادي الحر والليبرالي، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وزيادة حصة القطاع الصناعي.
وتتضمن تلك الاستراتيجية الوصول إلى إنتاج 42 بالمئة من حاجته للطاقة عبر مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الشمس والرياح بحلول عام 2020 واستقطب إلى هذا القطاع استثمارات كبيرة حكومية ومحلية وعالمية.
ويتداخل ذلك المشروع في مشروعات شراكة واسعة بين أوروبا وأفريقيا لبناء عهد جديد للطاقة، بحسب أمينة بنخضرة، المديرة العامة للمكتب المغربي للهيدروكربوهات.
وأصبحت القوى العالمية تتنافس للتحالف مع المغرب كشريك استراتيجي في مشاريعها الأفريقية ومن ضمنها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين لاستثمار الفرص الواعدة في القارة الغنية بالمواد الأولية والقوة البشرية.
ودخلت اليابان مؤخرا على خط المنافسة بافتتاحها في 18 ديسمبر الجاري مكتب المجلس الياباني للتجارة الخارجية في الرباط وهو أول مكتب لها في أفريقيا.
وأكد المجلس أن من أولويات المكتب تطوير المبادلات التجارية بين المغرب واليابان، وجعل المملكة قاعدة لانطلاق الاستثمارات اليابانية نحو القارة الأفريقية.
وأضاف أن الاستقرار السياسي والاقتصادي والموقع الجيواستراتيجي من أهم العوامل التي تبحث عنها المؤسسات اليابانية وهو ما جعلها تختار المغرب ليكون صلة الوصل والخيار الأول للشركات اليابانية التي تريد الاستثمار في قارة أفريقيا.
وقال المجلس إن اليابان تتوفر على أحدث التكنولوجيات في العالم لكنها لا تملك الوسائل والطرق التي تملكها لاختراق السوق الأفريقية.
وأكد وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي حفيظ العلمي، إن المغرب سيساعد الشركات اليابانية على الاستثمار في الدول الأفريقية، رغم الحجم المتواضع للتبادل التجاري بين الرباط وطوكيو.
حفيظ العلمي: “البنية التحتية والتسهيلات تفسر تسابق الاستثمارات الأجنبية إلى المغرب”
وأضاف أن البنية التحتية والتسهيلات التي يقدمها المغرب للمستثمرين يفسر تسابق الاستثمارات الأجنبية التي ارتفعت بنسبة 24 بالمئة خلال السنة الحالية.
وتشير دراسة لمركز الأبحاث الفنلندي “تيم فينلاند” نشرت في وقت سابق من الشهر الحالي إلى أن اختيار المغرب كمركز على المستوى الإقليمي، يرجع إلى انتعاش النشاط الاقتصادي في السنوات الأخيرة في العديد القطاعات والتشريعات الحديثة التي أطلقها الملك محمد السادس، بهدف “تطوير وتحديث الهياكل الاقتصادية وخلق المزيد من فرص العمل”.
وأرجعت الدراسة سبب ذلك إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعرفه المغرب والتطور الكبير في أساليب الإدارة والإصلاح الدستوري والشفافية، في منطقة تغلي بالاضطرابات.
وأكد المركز أن كل هذا الاستثمار الطويل الأمد للمغرب في التنمية، بتعاون مع مختلف الفاعلين الدوليين، سيفتح له آفاق تجارية واعدة في العديد من المجالات الاستراتيجية.
مملكتنا .م.ش.س