التصوف البديل المناسب والممتاز للإسلام السياسي الفاشل .

الأربعاء 7 يناير 2015 - 14:04

للتصوف الإسلامي إمكانات إستطاع عبرها أن يضرب بجذوره في المشرق والمغرب الإسلامي، ويتعدى أثره بلاد الإسلام لينتقل من الشرق إلى الغرب، ويشهد إقبالا في عصرنا الحالي لم يكن يشهده من قبل.
ومن خلال دراسة لجامعة ييل الأمريكية، تبين أن ثلثي مناطق العالم وصلها الإسلام عن طريق المتصوفة والنتيجة تؤكدها الباحثة الأميركية جيزيلا ويب: “الصوفية هم الناقلون للإسلام إلى مناطق أبعد من الشرق الأوسط، وفي سياق التقليد نفسه ما زال المتصوفة يواصلون هذا الدور في أميركا”.
من اللافت أن فئات كثيرة في مجتمعاتنا العربية، كانت أبعد ما تكون عن التصوّف والمسائل الروحية في حياتها من حيث ظاهر سلوكها وإهتماماتها، وقد إنجذبت اليوم إلى التصوف، واتقدت عقولها بما تقرأه أو تسمعه أو تشارك فيه من نشاطات صوفية، وصارت تشعر بشكل مختلف للحياة، بعدما سمعت عبارة لذي النون أو بيتًا من الشعر لرابعة العدوية ، أو وردًا لأحد الصوفية الشاذلية، أو مديحًا لمنشد صوفي، فكانت بذلك الحركة الصوفية ذات جذب سياسي هام بدأ في البروز من بعيد.
لقد تمكّن الكثير من أبناء التيّارات الإسلامية من الوصول بخطابهم الديني إلى فئات عريضة من الشعوب، ولم يكن هذا الوصول محض صدفة، بل كان إمتدادا طبيعيا لمرحلة متجدرة في القدم .
لقد أصبح الناس غير قادرين على تحمل غلو الإسلام المتشدد ، فأضحو يفضلون التصوف كتعبير راق عن الإسلام ، وفي سياق الصراعات المذهبية بين الحركات الإسلامية السياسية، استطاعت الحركة الصوفية أن تجذب لنفسها العديد من المناصرين نظرا إلى طبيعة الحركة الصوفية ذاتها والتي تتميز “بحركة هادئة” في الدعوة لنفسها، وأيضا لقوة ضغط الجماعات الأخرى التي أصبح الشباب يستهجن تشددها وعنفها.
لا يمثل التيارالصوفي فقط تيارا روحانيا داخل الإسلام، أو فهما متميزا لتعاليم الدين وفروضه ، بل أن التيار الصوفي في دواخله يحوي بدائل ثقافية واجتماعية وتصورا عاما للسياسة، يعتبر داخل الإطار السياسي بديلا جديا ومحترما يمكن التعويل عليه في إخراج الدائرة الحضارية العربية من السجن الديني ـ السياسي إلى أفق أرحب، يتفوق فيه التحرر على التكبيل ، والعموميات والقيم على التفاصيل ، التي أرهقت الناس ونفرت العديد من الإسلام السياسي الحركي برمته.
إن الشباب والكهول أبدوا اهتماما كبيرا بالتصوف كطريق ومسلك وتجربة، ربّما للابتعاد عن الاهتمام باليومي والسائد، وربّما لأن الروحَ ضجرت من صور التدّين المتاحة ورأتها تبتعد عن أهداف الدين وغاياته، فأخذت تبحث في القديم عما يلبي رغباتها، وأبدت اهتمامًا ملحوظا بتمظهرات هذا النمط الروحي في الآداب والفنون، فاهتمت بالسماع الصوفي والروايات التي تعتمد الموضوع الصوفي وشخصيات المتصوفين، كروايات سالم بن حميش، وعبدالإله بن عرفة، كما أبدت اهتماما بالكتابات الأعجمية التي تُرجمت إلى العربية كحكايات الصوفية لإدريس شاه، وقواعد العشق الأربعون لأليف شافاق التركية.
وأكد الخبراء أن اتخاذ المواقف وقرارات التحركات وبناء التحالفات تبقى مسائل صعبة على الحركة الصوفية، نظرا لعدم وجود خبرة سياسية وتراث سياسي للحركات الصوفية في المجال السياسي،  فالثقافة الصوفية تعتمد فكرة “ رجل الدين الصوفي، يسود ولا يحكم” .
وهذا ما يجعل من حركة التصوف السياسي بشكل عام عرضة للتوظيف السياسي ، دون أن تكون لتلك الحركات الصوفية قوة واستقلالية تجعلها متحكمة في قرارها ومشاركة بقوة في الديناميكية السياسية.
ولكن كما قال الباحث الإيطالي جوزيبي سكاتوليني إنه لم يعد هناك مجال لترديد مثل هذه الأفكار التي رددها بعض المستشرقين الأوائل عندما اكتشفوا لأول مرة أشعار جلال الدين الرومي ووجدوا ما فيها من روحانيات عميقة تختلف تماما عن الأساليب الموجودة في كتب الفقه، فظن البعض أنها أخذت عن البوذية نظرا لأن الرومي جاء من مدينة “بلخ” بأفغانستان، حيـث كـان أغلبيـة السكـان يدينـون بالبوذيـة ولكن مع تطور الدراسات الاستشراقية مثل دراسات المستشرق مانيسون، تبيّن أن التصوف أخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وأن التصوف يمكن أن يكون البديل المناسب والممتاز للإسلام السياسي الفاشل .

بقلم الشريف مولاي محمد الخطابي

Loading

مقالات ذات صلة

السبت 15 مارس 2025 - 09:56

توقعات أحوال الطقس اليوم السبت

الجمعة 14 مارس 2025 - 10:47

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

الخميس 13 مارس 2025 - 10:40

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

الأربعاء 12 مارس 2025 - 09:17

توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء