في ظرف إقليمي وعالمي مخصوص موسوم باشتداد التوتر في ما يتعلق بعلاقة الأديان والمذاهب، انعقدت ندوة “الإسلام والمسيحية: حوار الرسالات” التي نظمتها جامعة محمد الخامس المغربية، وكانت مساهمة فكرية وأكاديمية هادفة إلى إذابة دواعي التشنج، وسعيا لتقديم رؤية فكرية رصينة ترنو إلى بناء حوار إسلامي مسيحي يقطع مع وفرته الأفهام المتشنجة من الديانتين.
بشراكة بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط وجامعة جورج تاون بواشنطن، نظمت الثلاثاء الماضي بمقر الكلية ندوة علمية دولية تحت عنوان”الإسلام والمسيحية: حوار الرسالات”، تطرقت إلى قضايا تهم العلاقات بين الإسلام والمسيحية، وموضوع التطرف في الدينين، وترسيخ ثقافة الحوار والتعارف بين أتباعهما.
جامعة محمد الخامس الراعية للفعالية رأت الندوة من زاوية أن “الحوار الإسلامي المسيحي يدخل مرحلة من أهم مراحله خاصة بعد التطور الملحوظ في وسائل الإعلام الذي نقل فضاءات النقاش إلى خارج الأمكنة التي كان يدور فيها عادة، وأبعدها عن دائرة الأشخاص الذين كانوا يحتكرونه منذ قرون، فكان هذا الاحتكار أحيانا سببا لفشل الحوار ونزوعه نحو العنف المتبادل”. وطرحت الندوة على نفسها مهمة إثارة السؤال الحارق:”لماذا تأخر الحوار الحقيقي بين المسيحية والإسلام، حقا، نجد ضروبا من الحوار في كتب الجدل الديني القديمة، لكن هدفها لم يكن الفهم المتبادل أو التقارب أو التعايش، بل كان هدفها الدعوة والإعذار والإنذار قبل إعلان الحرب».
لذلك فمن “غير الممكن الدخول في حوار مثمر يصل إلى نتائج إيجابية إلا إذا أبدى كل من الطرفين الإسلامي والمسيحي الاستعداد لقبول الآخر والاعتراف به، انطلاقا من أسس متوافرة فعلا لديهما، ففي الجانب الإسلامي نجد القاعدة القرآنية “لكم دينكم ولي دين”، أما في ما يخص الجانب المسيحي فيمكن اعتماد نتائج المجمع الفاتيكاني الثاني للاعتراف بالإسلام دينا مستقلا جديرا بالحوار، لا مذهبا مستمدا من المسيحية ووجها محرفا لها”. ومن أجل هذه المشاكل وغيرها تنعقد هذه الندوة لبحث الانفتاح على مختلف المناهج وطرق التحليل، عسى أن تكون هذه النتائج جسرا نحو الموضوعية العلمية بما يكفل المصداقية والإخاء بين أصحاب الديانتين المسيحية والإسلام.
الجلسة الافتتاحية ترأسها محمد أمين السماعيلي، أستاذ كرسي العقيدة والأديان المقارنة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، الذي أشار في كلمته إلى أهمية الحوار بين الأديان بشكل عام، وبين المسيحية والإسلام بشكل خاص.
ومن جهته قال بول هيك، أستاذ علم اللاهوت بجامعة جورج تاون، إن مشروع التعاون مع الكلية في قضية دراسة الأديان يعود إلى عام 2007 عندما تم توقيع اتفاقية تعاون مع وحدة العقائد في الديانات السماوية. وأضاف أن دراسة الأديان لا يمكن أن تتم من خلال الكتب المقدسة وحدها، بل لابد من الانفتاح على المجتمعات التي تؤمن بها من أجل التعرف عليها عن كثب ومعرفة كيفية التعامل مع المقدس، ومن هنا جاءت فكرة توقيع اتفاقية التعاون مع الجامعة المغربية لدراسة الإسلام والمسيحية، مؤكدا على وجود بعض العوائق التي تعيق الحوار المشترك بين المسيحية واليهودية، ولكن الرغبة في التعارف تتحدى جميع المعوقات.
وتمحورت الجلسة الأولى للندوة حول موضوع “واقع الحوار الإسلامي المسيحي”، وشارك فيها مصطفى بوهندي، أستاذ مقارنة الأديان في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بورقة حملت عنوان “واقع التبشير في العالم العربي وإشكالية الحوار الإسلامي المسيحي”، والتي توصل فيها إلى أن الخطاب القرآني هو خطاب الرسالات التي نزلت من قبل، وهي خطابات عالمية إنسانية وليست طائفية، كما أبان عن وجود مشكلة في التبشير على حساب تشويه الإسلام ونبيه.
كما شارك مصطفى زرهار، الأستاذ بدار الحديث الحسنية، بورقة تحت عنوان “الحوار الإسلامي المسيحي من التكفير والقتل إلى المحبة والرحمة”، تحدث فيها عن القيم الأخلاقية السامية كقيمة المحبة في الدينين، معززا ورقته ببعض النصوص الإنجيلية التي تؤكد ذلك. كما أشار إلى قيمة الرحمة في القرآن وإلى بعض مظاهرها في الشريعة الإسلامية، وأشار إلى أن الرحمة والمحبة يجب أن تكونا أساسا للتسامح المسيحي الإسلامي.
وشارك حمزة الكتاني بورقة تحت عنوان “إكراهات الحوار الإسلامي المسيحي”، حيث تحدث عن نشأة الحوار المسيحي الإسلامي، والبدايات الأولى له والمناطق التي انتشر فيها في الماضي، وأشار إلى التأثر والتأثير بين المسيحية والإسلام، وتحدث عن إشكالات مطروحة في الحوار المسيحي الإسلامي.
أما حما الله دكوري فقد قدم ورقة تحت عنوان “واقع الحوار الإسلامي المسيحي في بوركينا فاسو”، تحدث فيها عن تاريخ دخول الإسلام إلى بوركينا فاسو وانتشاره فيها، كما أشار إلى كيفية انتشار المسيحية في ظل وجود الإسلام، مؤكدا بأن الهدف من التبشير المسيحي في بوركينا فاسو كان القضاء على الدين الإسلامي. وتحدث يوسف الكلام في ورقته عن “مفهوم الحوار من خلال نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني وقرارات مؤتمر كولورادو” عن تنصير المسلمين من خلال وثائق المؤتمر المشار إليه.
تمحورت الجلسة الثانية للندوة حول إشكالية “الإسلام والمسيحية والتطرف: أي علاقة؟”، شارك فيها كل من أحمد زيادي بورقة تحت عنوان “أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وظاهرة الغلو في الدين”، ذكر فيها بعض الأحاديث التي تنص على رفض الغلو في الإسلام. ثم قدم إسماعيل الأشقري البكدوري ورقة بعنوان “أصل الصراع بين الخير والشر في الرسالات السماوية”، والباحث الأميركي بول هيك بورقة عن “الحوار بين الأديان بين الجدل والتفاهم المشترك”، وعبدالسلام بنزروع بورقة عن “الحوار الإسلامي المسيحي بين جديد الإقناع وإمكانية التعايش”.
بينما كانت الجلسة الثالثة التي ترأسها الباحث بوبكر رفيق حول محور “ثقافة الحوار بين الإسلام والمسيحية في المناهج التعليمية التربوية”، وتدخل فيها كل من إدريس الخرشاف بورقة بعنوان”استعمال مهارات معلوماتية دينية لإقامة حوار سلمي بين الإسلام والمسيحية”، والباحث إسماعيل البشير العلمي بورقة حول “منهاج التربية الإسلامية في التعليم الثانوي التأهيلي في المغرب ومدى ترسيخه لثقافة الحوار بين الأديان”، وساهمت الباحثة زهيبة شريعي بمداخلة بعنوان “التعايش المسيحي الإسلامي ليس مستحيلا: الدار البيضاء نموذجا”.
مملكتنا .م.ش.س