الحسن الثاني باني المغرب الحديث .

الخميس 29 يناير 2015 - 23:58

شكل يوم التاسع من ربيع الثاني 1420، بالنسبة إلى المغاربة قاطبة يوما حزينا، كيف لا وهم يودعون قائدا عظيما وزعيما عاشوا تحت رايته لمدة 38 سنة بذل خلالها مجهودات جعلت من بلده وشعبه منارة بين الدول والأمم، فكان، على الصعيد الوطني، بانيا ومشيدا، وعلى المستوى الدولي، مدافعا قويا وداعيا إلى السلام، مما جعل صيته يمتد عبر المعمورة مثبتا نجاعته في تجاوز أعقد الأزمات وفي أصعب الفترات التي عرفها العالم في القرن الماضي.

وما مراسم التشييع المهيبة وغير المسبوقة لجنازة الملك الراحل إلا ترجمة للعروة الوثقى التي كانت تربط الشعب المغربي بالملك الراحل، حيث خرج أكثر من مليوني مغربي إلى شوارع العاصمة التي استقبلت حشودا من مدن أخرى، كثير منها حل راجلا من مدن مجاورة، لوداع عاهلهم وتجديد تأكيد وفائهم الدائم لذكراه وعهدهم على مواصلة الطريق الذي بدأه مع وارث سره من أجل صالح الأمة المغربية والسلم والوفاق الدوليين.

ولقد تمكن المغرب، بفضل السياسة الحكيمة التي كان ينهجها الحسن الثاني وعبقريته، من تحقيق الوحدة الترابية للمملكة وتثبيت ركائز دولة المؤسسات والحق والقانون، مما أهل المغرب لاحتلال موقع متميز على الساحة الدولية بل وساهم في إرساء السلم والأمن في بقاع شتى من العالم، لا سيما أن الملك الراحل كان على الدوام قبلة استشارة دائمة للعديد من زعماء الدول وقادتها.

بفضل رؤيته المتبصرة وسياسته الحكيمة، جعل الحسن الثاني من المغرب دولة حديثة، وحقق وحدتها الترابية وثبت ركائز مؤسساتها في شتى المجالات. ففي مجال استكمال الوحدة الترابية، أبدع الملك الحسن الثاني أهم حدث سياسي عرفه المغرب الحديث، بل ميز النصف الثاني من القرن الماضي، ألا وهو المسيرة الخضراء التي استرجع بها المغرب صحراءه، كيف لا وقد تجاوب المغاربة قاطبة مع “نداء الملك الحسن” مسجلين ملحمة تاريخية يشهد بعبقريتها العالم أجمع.

وعلى الصعيد الاقتصادي فإن من أبرز الإنجازات التي تم تحقيقها في عهد الملك الحسن الثاني، هيكلة كل القطاعات من أجل الرفع من مردوديتها وخاصة القطاع الفلاحي الذي يعد ركيزة الاقتصاد الوطني، حيث أولاه الملك الراحل اهتماما خاصا تجلى في سياسة تشييد السدود، بهدف سقي مليون هكتار واستصلاح الأراضي الزراعية وتطوير أساليب الإنتاج، فضلا عن خلق صناعات تحويلية مرتبطة بالمنتوج الفلاحي وتسويق تلك المنتجات في الداخل والخارج وإحداث عدد كبير من المؤسسات الحيوية.

وفي المجال الحقوقي، ركزت مقاربة الملك الراحل لهذا الملف على تدعيم المؤسسات الديمقراطية في البلاد، من خلال إحداث لجنة تحكيم مستقلة عهد إليها تدبير الملفات الحقوقية، بالإضافة إلى إحداثه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في صيغته الأولى كمؤسسة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.

وعلى المستوى الدولي، فقد برهن الحسن الثاني، دوما، بفضل ما تحلى به من حكمة وبعد نظر وسداد رأي وحضور قوي ومتميز طبعته الشجاعة في الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية وفي الدفاع عن القضايا العادلة العربية والإسلامية، على أنه رجل الدولة المؤمن بالحوار كنهج وبالدبلوماسية كسلوك، مما رسخ سمعة المملكة المغربية كأرض للتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الديانات والتيارات الفكرية والمعتقدات السياسية وقبلة اللقاءات الحضارية والثقافية الكبرى.

وفي هذا الصدد، فإن موقفه من موضوع تسوية قضية الشرق الأوسط يعكس بجلاء نظرته الثاقبة المستشرفة للمستقبل من أجل إحلال السلام العادل والدائم وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني مما جعل القيادات الإسلامية تجمع على اختياره رئيسا للجنة القدس.

وأقام الملك الراحل علاقات وطيدة مع جل أقطاب السياسة والثقافة في مختلف أنحاء العالم، حيث كان المغرب من الأعضاء المؤسسين لمجموعة من المنظمات الإقليمية والدولية ومساهما في نجاحها، مثل منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا)، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، (منظمة التعاون الإسلامي حاليا) واتحاد دول المغرب العربي.

ومثل ما كان الملك الحسن الثاني قائدا سياسيا محنكا استطاع أن يرسي أسس الدولة المغربية الحديثة، فإنه كان كذلك رمزا دينيا، وقائدا روحيا وأميرا للمؤمنين، يزكيه نسبه الشريف إلى البيت العلوي، وسعة اطلاعه على أصول الدين الإسلامي ومصادره وعلومه، حيث كان له الفضل في إحياء مجموعة من السنن الحميدة التي دأب عليها المسلمون، ومنها على وجه الخصوص تنظيم الدروس الحسنية الرمضانية، التي كانت ولا تزال ، محجا لأقطاب الفكر الإسلامي من جميع الآفاق، ومن كل المشارب، ومناسبة للحوار بين المذاهب الإسلامية، ودعمه لبناء المساجد بكل أنحاء العالم وخاصة في أفريقيا، وفي هذا السياق بالذات، يظل مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء معلمة دينية شامخة شموخ صاحب فكرة تشييدها الحسن الثاني.

مملكتنا .م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الأحد 8 ديسمبر 2024 - 08:50

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

السبت 7 ديسمبر 2024 - 08:10

توقعات أحوال الطقس اليوم السبت

الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 07:59

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

الخميس 5 ديسمبر 2024 - 08:54

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس