قساوة الطبيعة وقلة ذات اليد يغتصبان براءة الأطفال في جبال تنغير
في وقت ينعم فيه أطفال مختلف المناطق شبه الحضرية بإقليم تنغير بالدفء والحنان، فإن أقرانهم ممن يقطنون بالمناطق النائية والجبلية يواجهون معاناة مضاعفة، خصوصا في أوقات فصل الشتاء، منقسمة بين قساوة الطبيعة التي تعمق الوجع والألم في أجسادهم النحيفة، وغياب الإمكانيات لدى أسرهم لتوفير ما يحتاجونه من الحاجيات الضرورية.
معاناة هؤلاء الأطفال لا تعبر عنها سوى آهاتهم ودموعهم؛ حيث يشتكون من وجود أناس بينهم بقلوب قاسية مجردين من الإنسانية، فيتساءلون: هل من مغيث يرق قلبه أو يعطف؟ إنها حكاية أطفال شاءت الأقدار أن يعيشوا في معاناة منذ وجودهم في رحم أمهاتهم، ليصطدموا بواقع أكثر قساوة وخطورة أثناء خروجهم إلى هذا العالم “الغريب”، بتعبير عمي حوسى نايت علي بايت هاني.
وخلال الزيارة التي قامت بها إلى مجموعة من المناطق الجبلية التابعة لإقليم تنغير، خصوصا بضواحي امسمرير وتلمي، واوزيغيمت واغيل نمكون، وايت هاني، واكنيون، التقت بالعشرات من الأطفال بالقرب من المؤسسات التعليمية التي يتابعون بها دراستهم الابتدائية، وملامح وجوههم تغيرت بسبب الظروف الطبيعية القاسية والتغيرات المناخية؛ بحيث ساهمت موجات البرد التي تعصف بهذه المناطق سنويا في تعميق جراحهم، خاصة أن أغلبهم ينتمون إلى أسر فقيرة تفتقر إلى الإمكانيات المادية الكافية لشراء ملابس فصل الشتاء لفلذات أكبادها، فيضطرون إلى مواجهة الظروف بالصبر والعزيمة، طمعا في تخطي الوضع والوصول إلى مستقبل أفضل.
عدد من الشباب الذين التقت بهم دقوا ناقوس الخطر، وطالبوا الجهات المعنية بالنظر في واقع المئات من الأطفال الذي ينبغي أن يكونوا في المؤسسات التعليمية، من أجل أن يكونوا مسلحين بشكل جيد في الحياة، وليس وراء قطيع الأغنام، معبرين عن قلقهم رؤية الأطفال في عمر الزهور مصابين بصدمات نفسية بسبب الوضع المزري الذي يعيشونه، ولعدم استفادتهم من أية مساعدة نفسية قادرة على تخفيف عذابهم وطرد ولو قليل من شبح التهميش والإقصاء والحكرة.
الطفــــــــــــــــــــــــولة ضحية
أطفال الجبال بإقليم تنغير يعيشون بين حلم “مستقبل أفضل” واصطدامهم بـ”الواقع المزري”. وتقول نادية اوهادي، فاعلة بمنظمة الطلائع بتنغير، إن “الطفولة كانت ترمز في الزمن الجميل إلى الجمال وكل ألوان الفرح. أما اليوم، فإن هذه الألوان لطخت وتشوهت مناظرها التي انتقلت بشكل مباشر إلى كل المجتمع”، مضيفة أن “الطفل اليوم أصبح ضحية بعد أن كان هدية، هدية ونعمة وهبها الله للأبوين من أجل التمتع بزينة الحياة الدنيا، فكيف أصبحت اليوم باهتة الألوان مصبوغة بكل أنواع الألم والعلل الاجتماعية”، معتبرة أن “الطفولة تقف عاجزة حائرة تبحث جاهدة عن بقايا الفرح والبراءة”، بتعبيرها.
وذكرت المتحدثة في تصريح لهسبريس أن “الطفولة بالمناطق الجبلية لتنغير توجد خارج اهتمامات القطاعات الوزارية المعنية بها”، موضحة أن الأطفال بهذه المناطق “يعيشون معاناة قاسية نفسية واجتماعية بسبب إهمالهم من الدولة وغياب إمكانيات الأسر”، مطالبة بضرورة الاعتناء بهم من أجل مساعدتهم على رسم معالم طريق مستقبلهم، وإعادة الأمل إليهم الذي لطالما اعتبروه مفقودا.
وواصلت المتحدثة أن أغلب الأطفال الذين شاءت الأقدار أن يعيشوا رفقة أسرهم بالجبال والمناطق النائية “يحتاجون إلى الرعاية الكافية ليس فقط من أسرهم، بل من الدولة التي عليها أن تعتني بهم وتخصص لهم برنامجا يحميهم من الظروف المناخية القاسية التي ترعرعوا وسطها”، مؤكدة أن المبادرات الخيرية التي تقوم بها الجمعيات لفائدة هذه الشريحة كل فصل الشتاء ليست كافية، مختتمة حديثها بالقول: “اتقوا الله في هؤلاء الأطفال أيها المسؤولون وساعدوهم لعلكم تفلحون”.
حقــــــــــــــــــــوق أطفال الجبال المفقودة
إن الحديث عن واقع الطفولة بالمناطق الجبلية والنائية، خصوصا بإقليم تنغير، لا يمكن حصره فقط في ما هو مرتبط بحقوقهم المهضومة من قبل القطاعات الحكومية الوصية، بل أيضا في دور المجتمع المدني في مجال التوعية والتحسيس.
وفي هذا الإطار، أبرز محسن اشبارو، باحث في سلك الدكتوراه مهتم بالمجال الاجتماعي، أهمية حماية الطفل في واقعه المعيش، من خلال التحرك بفاعلية من طرف جميع الجهات المختصة لحماية الطفولة من كل مظاهر الانتهاكات التي قد تطالها رغم وجود قوانين دستورية لحمايتها، قائلا إن “قوانين حماية الطفولة التي جاء بها الدستور المغربي الأخير لا زالت تعيقها مجموعة من الصعوبات والعوائق لتنفيذها”.
وتساءل الباحث في تصريح له: “هل تعلم وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية بأن الطفولة بالجبال تعيش حياة ما قبل الجاهلية؟”، معتبرا أن “الحديث عن حقوق الطفل دون إحصاء عدد الأطفال القاطنين بالجبال يدخل في إطار المزايدات السياسية ومحاولة تسييس القضية لتحويل مسارها من قضية اجتماعية تهم الرأي العام إلى قضية سياسية تهم هذا الحزب أو ذلك”، وفق تعبيره.
واتهم المتحدث الدولة المغربية، في شخص وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، بتهميش طفولة الجبال، خصوصا الموجودة بإقليم تنغير، مسترسلا أن هذا التهميش “يتجلى في غياب أي مبادرة من طرف الوزارة المذكورة لتحسيسهم وتوعيتهم بأن هناك دولة تهتم بأمرهم وتعترف بوجودهم، وأن تقوم على الأقل بتوفير بعض المساعدات لهم، من ملابس في فصل الشتاء وسيارات النقل المدرسي، لتخفيف آلم التهميش والإهمال عنهم”.
إعادة الثقة إلى قلوب الصغــــــــــــــــــــــــــــــــار
وفي تصريحات متطابقة، أكدت مجموعة من النساء اللواتي تحدثن له أن على الدولة المغربية، من خلال ممثليها بالمنطقة، أن تعيد الثقة إلى قلوب الصغار، عبر توفير بعض ضروريات العيش الكريم لهم، مشددات على أن هذه الفئة من المجتمع، التي تعتبر مشروع مستقبل البلاد، يجب الاعتناء بها، والأخذ بيدها لتجاوز المحن وتحقيق المبتغى.
وفي السياق نفسه، أوضحت نعيمة، وهي أم لأربعة أبناء من ضواحي اغيل نمكون، أن الأطفال بالجبال، خصوصا في فصل الشتاء وأثناء تساقط الثلوج، هم الأكثر تضررا، مرجعة ذلك إلى كون “أغلب سكان الجبال هم من الرحل أو من الفقراء، وبالتالي لا يمكنهم توفير الحاجيات الضرورية ليعيش أبناؤهم حياة أطفال الحواضر”، بتعبيرها.
واختتمت نعيمة حديثها لهسبريس بالقول: “نحن ساكنة الجبال نعاني على طول أيام السنة، ونعتبر أنفسها حراس هذه المناطق لحمايتها من العدو، لكن وطننا لا يعترف بنا، أو لا يعلم بوجودنا”، متسائلة: “هل سيأتي يوم تعترف بنا الدولة وتكافئنا على صبرنا أم ستبقى أحلامنا بدون معنى إلى أن تدفن بجوارنا؟”.
مملكتنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا.م.ش.س/هسبريس